موقع أشبه بالوسيط بين القراء الأحياء وعباقرة الماضي الأموات
أن تحاور كليوباطرة أو بودلير لم يعد حلمًا بل بات ممكنًا

عبد القادر الجنابي من باريس: من منّا ليست لديه رغبة عميقة في أن يحاور شخصيته المفضلة التي ماتت قبل قرن، قرنين أو عشرات القرون. كم جميل أن نسأل ماركس عن أسباب فشل توقعاته بمجتمع شيوعي إنساني. أو نسأل بودلير عن الظروف التي دفعته لكتابة قصيدته الشهيرة quot;تطابقاتquot;، او كليوباطرة إن كانت حقا تستحم بحليب المعز؟ أو ليليث التي لا يغريها شيء سوى الروح، كما أجابت عن سؤال أحد القراء. اليوم، يكفي ان نفتح موقع quot;ديالوغوسquot; ونختار شخصية من كبار شخصيات الماضي التيقامت بدور حاسم في التاريخ، ونرسل إليها سؤالنا بوساطة الايميل. كما أنهناك مجالاً لمحاورة الشخصيات الأسطورية المدونة في الأساطير الاغريقية كليليث، باندور، آشيل أو أبولو، بل حتى أبطال الأعمال الروائية المشهورة: كمدام بوفاري، دراكولا، فرانكشتاين، لوليتا، فيليب مارلو أو شرلوك هولمز.
أسس الموقع سنكلير دومنتي عام 1999. والفكرة جاءته ذات يوم عندما وجد بالصدفة ايميل صديق قديم فكتب إليه موقـّعًا باسم المغني الشهير جاك بريل. وبعد يوم، وصله ايميل من هذا الصديق موقعا باسم quot;ماركسquot;. فولـّدت هذه المراسلة الصغيرة فكرةً حلمية: ماذا لو يكتب فعلاً سؤالاً الى ماركس وماركس نفسه يجيب عن السؤال. وهكذا تطورت الفكرة الى بناء موقع يستطيع القراء طرح أسئلتهم على الشخصيات المفضلة لديهم. وقد بدأ دومنتي مع عدد من الأكاديميين الفرنسيين والكنديين والبلجيكييين،بأربع شخصيات وافقت على تلقي الأسئلة: ماركس، بتهوفن، روبرت ادوارد لي، ومورسو بطل رواية كامو quot;الغريبquot;. وما إن تم حل الإشكالية التقنية وبات الموقع جاهزًا للبث، حتى طرق الباب عليه كل من هايدغر، مارغريت دوراس، رامبو، مدام بوفاري... الخ.
هناك شرطان أساسيان على قراء الموقع احترامهما، الأول: أن تكون الرسالة الموجهة مكتوبة بلغة مهذبة وجديرة بمكانة الشخصية الموجهة إليها الرسالة، والثاني، أن يكون له صبر فأحيانا عليه الانتظار أكثر من شهر حتى يأتيه الجواب. إذ عليه أن يأخذ في الاعتبار المسافة الزمنية الفاصلة بين قارئ اليوم ويوليوس قيصر مثلا، فلم تكن وسائط ايصال الرسائل كما اليوم، كما يجب أن تصل الرسالة الى قيصر مثلا على النحو الذي كان معمولا به، آنذاك، في تسلم الرسائل، فمثلا الرسائل الموجهة الى كليوباطرة تصلها مكتوبة على ورق البردي، والى سومريين أو بابليين على لوح بخط مسماري الخ. ناهيك أن هناك مسؤولية أخرى ومهمة وهي ترجمة رسائل القراء الى اللغة التي تتكلم بها الشخصية الموجهة اليها الرسالة. وهذا يعني القيامبترجمة الرسائل منوالى اللاتينية، الهيروغليفية، الرومانية، الألمانية، الانجليزية الخ.
ليس هناك أي العاب سحرية أو شعوذة أو تحضير أرواح، وإنما مراسلة انترنتية بين القراء الأحياء وشخصيات التاريخ الأموات، بالطبع عبر شبحعنكبوتي يقوم بدور الوسيط الذي يجسد الشخصية التاريخية المراد استحضار أجوبتها بعد ايصالها الأسئلة. والغريب أن هناك سرية كاملة حول هؤلاء الأشباح العنكبوتيين، بحيث أن مؤسس الموقع سنكلير نفسه لا يعرف سوى ايملين كـ[email protected]. وهم أشباح لهم معرفة خارقة للعادة بحيث كل واحد منهم متبحر بحياة ومؤلفات الشخصية التي يجسدها على طاولة الانترنت ويستحضر اجوبتها بايميل، مما يستطيع أن يلتقط جواب الشخصية المراد محاورتها بالأسلوب نفسه واللغة نفسها.

***
لم توافق كل شخصيات التاريخ على أن تجيب عن أسئلة الموقع أو قرائه. هناك من يرفض، وهناك من يقبل، كالشاعر الأميركي تشارلس بوكوفسكي (الذي توفي عام 1994) الذي بعث برسالة من قبره الى الموقع، أبدى فيها موافقته على أن يجيب عن أسئلة القراء من وقت الى آخر،وهو يعرف أنه لن يحصل كمقابل على قنينة نبيذ، ربما مجرد بيرة. وأشار إلى أنه يفضل quot;دم الآلهةquot;؛النبيذ الأحمر على البيرة.
يضم الموقع حاليًا 98 شخصية تاريخية وأسطورية ودينية. وقد بلغ عدد رسائل القراء التساؤلية 26809 رسالة. والموقع يعتمد اللغة الفرنسية، وهناك أحيانا بعض الترجمات الى الانجليزية.
الأسئلة تتنوع ومعظمها يدور في الشأن الشخصي والحياتي أو الفكري. فمثلا،قارئ يطلب منالمسيح رأيه في كتاب quot;أسرار دافنشيquot; الذي من بين ما جاء فيه أن المسيح لم يكن أعزب، وأنه قد تزوج من مريم المجدلية وله بنت اسمها سارةquot;. فاجابه المسيح بأن quot;شفرة دافنشيquot; مثال آخر ملموس للقدرة البشرية على التسمم بما تختلقه هي. وغرضه أن يضللكم عن طريق النور.
وقارئ آخر توجه برسالة الى مارلين مونرو، جاء فيها: إنك لم تنتحري، وهذه حقيقة اليوم، من هو المسؤول، إذن، عن موتك؟ فاجابته، مطولا، ومتسائلة quot;ما الذي سيغير اكتشاف الحقيقة اليوم؟ ليس الأمر صحيحا. قل فقط أنها قُتلت لأنها لم تعرف كيف تعيشquot;. واندريه بروتون أيضا وصلته عدة رسائل،ومن بينها حول رأيه في لويس أراغون. فكانت اجابته تفصيلية وملخصها أن موقفه من أراغون لا تشوبه أية شائبة شخصية، وإنما أراغون نموذج الكاتب الذي يعتمد على الاحتيالات والإغراء، ناسيا الجوهر، وناكرا لمثل الشبيبة، وسيد الخيانة، خيانة نفسه قبل كل شيء. لذا أن القطيعة الوحيدة هنا هي قطيعة الإنسان مع نفسه هو.
وهناك من سأل بودلير عن الظروف التي دفعته الى كتابة قصيدته quot;تطابقاتquot;، فأجاب بودلير بأنه بقي معذبا لمدة طويلة بموقفه من القصيدة... quot;من كنتُ بالضبط؟ أكان لي هدف، بماذا يُلخَص عملي؟ الم أكن مجرد ناظم. الجواب جاءني بعد نزهة نوستالجية طويلةفي الغابة في أيامالخريف... نزهة شعرية جدا.... جاءني فيها الوحي فتدفقت الكلمات من بين أصابعي، من دون أي جهد.quot;
أما ليليث فهناك عدد كبير من الأسئلة وجهت اليها من بينها هذا السؤال الجوهري: هل أثر فيك عدم الاعتراف بك كأول امرأة؟ وهل التقيت بحواء وإذا كان الجواب نعم، فماذا عملت لها او قلت لها؟quot;. أجابت ليليث على لوح من مرمر عن هذا السؤال بالنحو التالي: quot;أنا غيرُ معترف بي كما أنا؛ أليس الأسرار المحفوظة جيدا هي التي لها الأهمية الكبرى؟ إذا ألتقيت بحواء؟ طبعا! لقاء ظريف، وقد أعطيتها هدية، ولأنها جد نهمة أعطيتها ثمرةquot;. وتجدر الإشارة هنا إلى أن اجوبة ليليث مكتوبة بلغة شعرية فيها بساطة السهل الممتنع. أما كليوباطرة، فإنها تؤكد في اجابتها عن رسالة القارئة جوليا، بأنها تستحم دوما، بحليب الأتان المعروف بخاصيته الـمُـميّـه، وليس بحليب المعز.
في الحقيقة إن الأسئلة المطروحة والأجوبة عنها تكاد تكون منجمًا ثقافيًا يمكن لأي أن يعرف معلومات منه في تاريخ ورأي عبقرية من عباقرة الماضي، فيصبح ذا شأن في المجالس. وربما هناك من اطلع على الموقع ولم ينوه عنه، لأنه مورد انتحاله من أفكار، وآراء وأشعار ليشتهر بها. مهما يكن من الأمر، فإن أيا كان يستطيع الاطلاع مجانَا على كل محتوياته، لكن سيكون جميلا جدا أن يرسل مبلغا بسيطا كمساعدة للموقع الذي يرفض نشر أي إعلان كان.
من بين الشخصيات التي يمكن محاورتها: آينشتاين، فرويد، نابليون، راسبوتين، غاندي، جيمس دين، فريدا كالهو، غوغان، هانيبال، شوبرت، بتهوفين، رامبو، جاك كيرواك، داروين، ديوجين، الخ. انقر هنا لكي تدخل موقع ديالوغوس.