كان َفي الثالثةِ عشرة. كان َهذا تحتَ المطر، عندما رفعَ عينـَيه إلى السماء، ورأى غيمة ًتلمع... عرفَ أنّه الشِعرُ؛ مفـْـزعهُ مستقبلا.بعدها بسنوات، كان َله أوّلُ قصيدةٍ، نُشرت تحت اسم مستعار، عنوانها quot;الصّـوت والنـَـظرquot;، تدور حول مفهوم خاص به هوquot;العزلة المزدحمةquot; في مقبرة حيث يَـلمح مُـكفـَّـنا يركض، فسأله: مالأمر؟ أجابه المكفـّن: التاريخ في حالة ذوبانquot;!
كأيـّن ْمن قصيدةٍ أهملَها لفيما بعد، ورؤى كان الدروايشُ الكبار يبتاعونها ببطاقةِ سينما أو بكأسِ بيرة. كان يرفل بمرونة الخيال، مأخوذا بإيقاع الكسل منتظرا دورهُ قناعة ًأنّ للشاعرِ بوصلتـَهُ مثلما للقصيدة بحرُها هي. كان في وسعه أن يكون َمن أكبر شعراء عصره، وأعلاهم شأنـًا في وضع بياناتٍ متماسكةٍ في الكتابة، مثلا، بصفتها quot;حـُريّة ً(بلا) جنسية؛ رعشة ًونسيانا؛ حيث الكلمات حفنة ٌمن الأضواء تتصدّر كلَّ شيءquot;. لكنّه مات بسببِ حادثٍ غريب لم يُفهم للآن. ذلك أنه نهضَ، ذات ليلةٍ، من فراشه وقصد زاحفـًا إلى دفتره ليكتب قصيدة ًمستخدمًا فيها بحرَ المشاكل. بعد ساعاتٍ من النظر، وجد أن صدرَ البيتِ الأوّل فيه من شقاءٍ وأحزانٍ وبوْحٍ مِـمْ ما جعله يخبط الطاولة، ثم ضاعف الخبطَ ثانية ً، وثالثة ًحتّى انكسرَ سدُّ الذاكرة، فوجدَ نفسَه وكأنـّه يسبحُ في بحرٍ متلاطم من شتّى الصورِ التي كان يحلم بها، تشبّث بخَـشَـبة المجاز فلم تُسعِف، إذ أن َّذاكرة ً، حديثةَ العهد، أشدَّ هولا حَبست أنفاسَه ورمتــْـه ُفي مَسيل الذكرى، فأخذ يُـزبـِدُ ويُـزمجِـرُ... وإذا برأسِه، فجأة ً،يرتطم بالطاولة، فيسقط ميّـتا قربَ صورةٍ غالبـًـا ما كان يستلهم منها محاولاتـَه ُالرومانسية التي لم ترَ النور.

وفق جارةٍ له، كان َكَمَن يتشاجرُ وشيطان َالشِـّـعرِ من أجل القصيدة المستحيلة المكوّنة من بيت واحد يستخلص فيه كل ما يراد أن يُـقال. وتضيف، إنها رأته، ذات مرةٍ، من ثــَـقب الباب، يكتبُ على ورقةٍ كبيرة ملصقةٍ على الحائط: quot;مُحاولة ٌصوتيـّة ٌفي تحرير الحروفِ من (مهمة) الجرّquot;، وهو ينشدُ:

إلى مِن خـَلا عَن و لـَـولا بـِـ حتّىوربَّ لـِ مُنـذ ُعدا في كــَـ حاشا

حدث َهذا في أزمنةٍ عندما كان َقـَـدَرُ الشـّـاعر وَهـَجـًا يطفو على نهرِ الأوراق؛
كان َيافعـًا؛
كان َالمستقبلُ يذوبُ أمامَه في مستنقعِ الـسّـاعات!