قصي صالح الدرويش: بكثير من الحذر صفق الجمهور للفيلم الايطالي الذي يتحدث عن انتخاب بابا الفاتيكان، صفقوا بحذر لأن الجمهور الفرنسي يحبون سينما ناني موريتي كمخرج موهوب، أو كممثل متألق قادر على الاضحاك بذكاء وخفة دم.

فسينما موريتي متميزة، خاصة له وبه، ولأنه في هذا الفيلم استطاع أن يسخر من الفاتيكان، وبدون أن ينتقد الكاثوليكيين ساخرًا منهم، مع أن موريتي غير مؤمن شخصيًا، غير مؤمن دينيًا، وقد استطاع ان يصوّر عالم الفاتيكان بدقة مدهشة، مع ان المخرج صوّر جنازة البابا الراحل بشكل عادي دقيق على ارض الواقع، أي في الفاتيكان، بينما صوّر بقية الفيلم في الاستوديو، ويؤكد موريتي أنه لم يتلق ثقافة دينية لمتابعة الطقوس البروتوكولية، فثقافته الدينية مرتبطة بأسرته المتدينة.

صفق الجمهور بحذر لفكرة الفيلم التي صورت اعتذار كاردينال محترم بالاعتذار عن قبوله مهمة الابوة التي حلت عليه بعد انتخابه بابا الفاتيكان، جعلت الدخان البيضاء ينطلق من القاعة التي اجتمع فيها الكرادلة عملية الانتخاب، كما جرت العادة، وعليه توقف الجمهور والقساوسة أمام النافذة، التي يقف البابا الجديد وراءها، هذه النافذة التي جعلت الجمهور يعتقد أن البابا هو الذي حرك ستار النافذة، فصفقوا له، مع أن أحد العمال الذين يعملون في الفاتيكان هو الذي حرك الستارة، في انتظار عودة البابا الجديد وظهوره وراء النافذة التي ينتظرها الجمهور الذي يقف لتحيته.

لكن البابا المنتخب لا يظهر، فقد انطلق في زيارات عفوية، بعيدًا عن المرافقين، ذلك أنه فضّل حريته بلا قيود الطقوسية، حتى لو كان قيادة زعيم أكبر الدينات في العالم، صاحب السلطات التي لاحدود لها أو لنفوذه المطلق، هذه السلطات التي يتمناها الناس، لكن هذه الغواية يرفضها البابا المنتخب، والفيلم من هذه الزاوية ينقسم فيه العالم وخصوصًا بين المنطلقين الأحرار في حيواتهم، وبين المقيدين وما فيها من انغلاق، وهو ما نراه في باحة الملعب بقيادة اللعبة، وهوناني موريتي الذي يعلق ويسخر، كأنه مشاهد مدني يقف بين الآخرين القساوسة ورجال الدين ونسائهم.

ومشكلة موريتي أنهيقوم بدورالتحكيم والتعليق، ما يسيء إلىمسار الفيلم وعفويته، بل إن هذا الحضور أفقد الفيلم شيئًا من حيويته، خصوصًا وأن ايقاع الفيلم عانى التكرار واستمرار الفكرة =الصورة، والحق أن سينما موريتي التي نحبها كانت في الماضي أفضل من هذا الفيلم، الذي لا تكفي الفكرة وحدها لنجاحه، ولا التألق المدهش والمعتاد لميشيل بيكولي، الذي يستحق جائزة.

أفضل تمثيل في المهرجان
أمافيلم quot;بدون راحةquot; للمخرج الاميركي جاس فان سانت فهو خطوة جديدة من حيث سينماه التي تعودنا عليها من قبل، انه فيلم عاطفي مليء بالحنين والشوق الذي انطلق في التعرف إلى امرأةصدفة، ثم وقع في غرامها، ثم في البكاء على رحيلها.

الفيلم مزيج من الواقعية المرثية ومن الهوس الذي يحركه، فقد كان مسكونًا بالقلق والخوف، من جراء حضور الجنازات، من دون أن يكون مرتبطًا بهذه الجنازات، وهو ما اكتشفته الفتاة الجميلة التي كانت حاضرة في هذه الجنازة، وأن لفت انتباه البطل إليها كان غريبًا عن هذا الحضور الجنائزي. حاولت التحادث معه، لكنه تهرب منها، ومن حاول الاتصال بأحد، لكنها ألحّت المرة بعد الأخرى حتى أصبحت صديقته، ثم وقعا في حب بعضهما بعضًابقوة، وقد أخبرته بأنها مريضة، وأنها محكومة بالموت خلال ثلاثة أشهر، لكنه لم يصدقها، ورأى أن علاجها أمر ممكن.

أحداث الفيلم تسير بشكل متقطع، عبر الفلاش باك وعبر هواجسه وأشباحه، خصوصًا الشبح الياباني، الذي كان فدائيًا طيارًا، وقتل أثناء الحرب العالمية في اميركا في بداية الأربعينات، حيث إن الشبح الياباني أصبح صديقه، بل صديقه الوحيد، بهذا الاندماج يلقى الفيلم صيرورته كفيلم عاطفي صغير، لكن مؤثرًا، على الرغم من التطويل الممل، خصوصًا مشاهد القبل، المعروف أن جاس فان سانت موهوب كمخرج قدم أفلامًا كثيرة تلقت جوائز كبيرة في المهرجانات، وقد لا يرقى فيلمه الجديد الى مستوى أفلامه السابقة التي كانت متميزة جدًا، وخاصة جدًا.

وقد عرض هذا الفيلم في افتتاح تظاهرة (نظرة ما) الرسمية الموازية، التي يرأس لجنة التحكيم المخرج الصربي الكبير أمير كاستوريسا. الفيلم الذي أثار اهتمام النقاد الفيلم الاسرائيلي، ويتميز بتقنيته الفنية الحديثة، يحكي عن علاقة ثنائية تنافسية بين أب وابنه يعملان في عمل واحد، في البحث الأكاديمي حول التلمود، ولكليهما المستوى الدراسي نفسه.

فقد حقق الابن النجاح الأكيد ونال التصفيق في الدراسة وفي الحياة فعلاً، فهو رياضي حوله المعجبون والمعجبات، لكن الاب يبدو مهملاً، يعيش حياة طبيعية من دون البحث عن هذا النجاح الذي أصاب ابنه، ودون التأكيدمن عضويته الأكاديمية، حتى إن الحارس الذي يقف أمام صالة الاجتماع الأكاديمي يمنع الأب من عودة الصلاة بعدما خرج منها قبل دقائق، لأن شكله لايوحي بأنه في مستوى الحاضرين.

ويكشف الفيلم أنه يستطيع الحصول على جائزة اسرائيل ببعض المظاهر الخارجية، التي ضمنت نجاح ابنه، ورغم عناده في بقاء كينونته التي أحبها، وصمدلأجل استمرارها، لكنه تراجع في النهاية، واضطر إلى تغييرشكله ليصبح مثل الآخرين بما في ذلك ابنه، الذي حاول أن يدافع عن أبيه، وعن حقه في الحصول على الجائزة نفسها، وكان التصوير والاخراج ناجحين، وخصوصًا نجاح الأب كممثل.