![]() |
غلاف الكتاب |
د. خالد السلطاني: نعرف، ان كتباً عديدة ومتنوعة صدرت سابقاً ومؤخرا، تتناول بنصوصها quot;ثيمةquot; العمارة الاوربية. انها كتب جادة، لمؤلفين بخلفيات مهنية رصينة، ذات مقاربات مختلفة، تعاطت مع هذا الحدث الثقافي الاوروبي المرموق، من وجهات نظر عديدة. نعرف، ايضاً، ان اوروبا، هي: quot;اوروباتquot;. صحيح ان اسمها، الذي وهبها لها quot;زيوسquot; كبير آلهة الاولمب، على اسم بنت quot;أجينورquot; ملك صور الفينيقي، كما تخبرنا الاسطورة، هو اسم محدد المعالم، يبدأ شرقا عند سلسلة جبال الاورال، ليمتد الى سواحل المحيط الاطلسي غربا، الا ان دال هذا الاسم، لم يشر دائما الى مدلول واحد، وأنما دل على مداليل، quot;بفضلquot; السياسات، التى خلقت ايديولوجياتها الخاصة بها، التى افضت الى تشظي القارة العجوز الى quot;قاراتquot;، نجم عنها quot;اوروباتquot;، يفصل الواحدة عن الآخرى فواصل صارمة، واحياناً quot;حديديةquot;، جعلت من شأن التواصل (اي تواصل)، حالة صعبة، بل وفي كثير من الاحيان، منقطعة. والتبعات السلبية، الناجمة عن صعوبة التواصل وانقطاعه، تجلت بوضوح في الشأن الثقافي، والمعماري على وجه الخصوص. وصرنا، نقرأ دراسات عن عمارة اوروبا quot;الغربيةquot;، وعن اوروبا quot;الشرقيةquot; وعن quot;الشماليةquot;، او quot;الجنوبيةquot;. صحيح ان هذه quot;الاوروباتquot;، اخذت اسماءها من حقائق التقسيمات الجغرافية، لكنها كانت، غالباً، ما تخفي نوعا من مسحة نفوذ سياسي، لطالما اتسم بالتعالي. لكن quot;هانس ابيلنغسquot; Hans Ibelings ، ينزع الى رؤية الحدث الاوروبي المعماري شاملاً. فيتعقب ذلك النتاج بذلك الحيز المعترف به جغرافياً وquot;اوروبياًquot; في كتابه الصادر حديثا (2011) والمعنون quot;العمارة الاوروبية منذ 1890quot;. وهي دراسة، فضلاً على اهمية نصها الممتع والغزير بالمعلومات، فانها تتعاطى مع quot;كليةquot; مفهوم العمارة الاوروبية.
![]() |
دار اوبرا اوسلو، (2008)، المعمار: مكتب سنوهيتا، اوسلو/ النرويج. |
يحرص هانس ابيلنغس الى عدم الدخول مباشرة في موضوع كتابه، وquot;سردquot; نماذجه المعمارية في تسلسل زمني، ما لم يبدِ وجهة نظره في طبيعة هذه العمارة وخصوصيتها، هي التى تشكلت على quot;اديمquot; هذه القارة، quot;منجبةquot; هذا الكم والكيف من المنتج المعماري المرموق. فهو، اولا، يتناول بعد مقدمته، موضوع quot;العمارة والمدينةquot;، ثم يعقبه بـ quot;الدولة والمجتمعquot; ويليه quot; التواصل والتوازيquot;، وبعد ذلك quot;التاريخ والتاريخانيةquot;، ومن ثم يصل الى quot;سردquot; النماذج المعمارية موزعة على مراحل زمنية حددها بتواريخ معينة، مطلعها quot;العمارة حتى 1914quot;، والعمارة مابين quot;1917-1939quot;، والعمارة في quot;1945-1989quot;، واخيراً، quot;ما بعد 1989quot;. ويختم الكتاب، كالعادة، بقائمة المراجع ومؤشر الاسماء والامكنة، بالاضافة، طبعا، الى quot;كولوفونquot;، وهي شارة دار النشر والمعلومات البيانية عن الكتاب.
يثير كتاب quot;العمارة الاوروبية منذ 1989quot; إهتمام قارئه، لجهة غزارة المعلومات المهنية الخاصة بموضوعه، التى استطاع المؤلف استدعاءها وتوظيبها وتجميعها بتلك الشمولية، وتقديمها بوضوح، ولكن باختزالية ايضا.
![]() |
برج quot;سويس-ريquot;، (2004)، المعمار: فوستر ومشاركوه، لندن/ بريطانيا |
فالعمارة المتحققه، كما يشير الى ذلك هانس ابيلنغس، ليس تجميعا آليا (ميكانيكياً) بين الشكل والمضمون، بين الطراز والفكرة، بل اتحادا حميميا، كما يصفه المؤلف. ويرى الطراز ليس بكونها ظاهرة سطحية، مثلما ذهب بعض المعماريين والنقاد والمؤرخين في التعاطي معه. فهو عند مؤلف الكتاب، مثال لتنطيق وجهات نظر مختلفة مع افكارها ومثلها. ولهذا يعتقد هانس ابيلنغس، بان مفهوم الطراز، هو تعبير عن قناعات ووقائع، بل، واكثر من ذلك، انه ليس مسألة شكل او تزيين quot;ديكورquot;، بل انه يتواجد ايضا، في التراكيب الانشائية مثلما يتواجد في مخطط اللون، وفي طريقة استخدام المواد. انه كما قال quot;مايكل مافيزوليquot; هو quot; ذلك المصطلح الذي به يعرّف العصر نفسه، ويكتب نفسه، ويشرح نفسه!quot;.
ما يمتعني، ويثير اهتمامي شخصياً، في كتاب هانس ابيلنغس، وازعم انه يثير انتباه كثر من القراء، هو ما انتجته القارة الاوروبية من عمارة ومقاربات معمارية في الفترة الاخيرة تحديداً. هذا لا يعني بان مضامين الفصول الآخرى، ليست بذات أهمية. كلا، انها مشوقة ومفيدة معرفيا، وهي، مرة أخرى، تذكرنا بحضور منتج معماري مميز ومؤثر وفريد في تاريخ العمارة العالمي. لكن منجز الفترة الآخيرة المعماري، يظل يغوي
![]() |
مجمع ميرادور السكني، (2005) (المعمار: MVRDV)، مدريد/ اسبانيا |
تبدو مهمة مؤلف الكتاب، في عرض ما تحقق من عمارة، اوروبياً، ما بعد 1989 (والتاريخ الاخير، هو تاريخ سقوط جدار برلين، كما يعرف الجميع)، تبدو مهمة عويصة نوعا ما، لمحدودية الصفحات التى خصصها الكاتب لهذا الفصل، والتى لا تتعدى 18صفحة. وهي صفحات يتعين عليها ان تستوعب غزارة المنتج المعماري وتنويعاته، بالاضافة الى وسع الرقعة الجغرافية التى يتمظهر فيها هذا المنتج. لكن المؤلف يعتقد بان إصطفاء عناوين محددة بعينها، يمكن لنصوصها ان quot;ترىquot; نماذج عمارة ما بعد 1989، بشمولية وبتكثيف. بالطبع، بمقدور المرء ان يجادل في خيارات ونوعية quot;نظـّارةquot; المعايير، التى من خلالها، يرى المؤلف المشهد المعماري الاوروبي ما بعد 1989. بيد ان ذلك يظل تمرينا نقديا لموضوع سجالي. ما نراه، ما نقرأه، على وجه الصواب، هو مقترح المؤلف لعناوين الفصل. انها كالآتي: المعسكر الشرقي السابق، برلين، المشاريع الثقافية، الايقونات، النقاط المركزية، القطبان. وكل عنوان في هذا الفصل، مغطي بنص وصور مستلة من المشهد الاوروبي. وحتى يتمكن من عرض اكبر قدر من الامثلة، فان المؤلف يلجأ هنا، كما في فصول الكتاب الآخرى، الى الاقتصار على نشر صور العمارة المتحققة بمقاسات صغيرة، ومن دون ان يرى ثمة حاجة لنشر مخططاتها.
![]() |
مركز روليكس التدريبي، (2009)، (المعمار: (SANAA، لوزان/ سويسرا. |
![]() |
بلدية مورسيا، (1998)، (المعمار: روفائيل مونيو)، مورسيا/ اسبانيا |
- ماهو رأيي في ذلك، تتساءلون؟. ماهو رأيكم، انتم.. في هذا؟!.
![]() |
برج تورسو الدوراني، (2005)، (المعمار: سنياغو كالاترافا)، مالمو/ السويد |
وهذا وحده كافٍ لمبرر الاهتمام العالي، الذي يوليه الآخرون لمنجز العمارة الاوروبية. □□
د.خالد السلطاني
مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
التعليقات