صلاح سليمان من ميونيخ: منذ ان وطئت قدماه أرض ألمانيا، لم يكن ثمة طريق يسلكه للنجاح أسهل من طريق وضع نفسه في مربع المهاجمين والمنتقدين للإسلام بشكل عام ـ فهذا هو طريق الصعود للشهرة في عالم يفتقر الي المعرفة الحقيقية عن الإسلام. هكذا سار حامد عبد الصمد مؤلف كتاب quot;زوال العالم الإسلامي quot;علي درب غيره من المؤلفين اللذين يرون أن الإسلام وحده هو المسئول عن انحدار العالم الإسلامي، فمنذ أن بدأ المؤلف في طرح كتاباته في ألمانيا سواء في شكل مقالات أو كتب ـ فإنه لم يحيد أبداً عن الخط الوحيد والمتشابه في كل ما كتب وهو التحامل الشديد علي الإسلام كعقيدة وعلي المسلمين حيث يري أن الإسلام يفتقد المرونة التي تواكب تتابع الحقب وتغير العصور مما أدي في النهاية الي بداية زوال عصر الإسلام ووتفاقم تلك المحن والأزمات التي يعيشها المسلمين الأن.

حاول المؤلف في كتابه تبني نظرية إنهيار العالم الإسلامي علي غرار الفيلسوف الألماني اوزفالد شبينجلر الذي سجل في كتابه الشهير quot; انهيار حضارة الغرب quot; نظريته التي تبناها في كيفية بداية غروب الحضارة الآوروبية، ذلك عندما تحدث عن تصوراته واستنتاجاته التي تقوم علي أساس ان حضارة الغرب قد شاخت وشارفت على الموت وفق الربط بين واقع الحضارة الأوروبية الأن وبين دورة الثقافات والدورة البيولوجية،فكل ثقافة تولد وتنشأ وتكبر وتنضج ثم تشيخ وتموت تماما مثل الكائنات الحية، وكما يري فإن دورة الثقافة تعمر ألف عام ثم تبدأ في الإنحلال. لكن حامد عبد الصمد لم يطرح أي نظرية في كتابه رغم انه حاول ان يقنع القارئ بأن إفتقاد الإسلام للمرونة والإختلاف اللذين هما أهم عناصر إستمرار الحياة سيؤدي ذلك الي غروب الحقبة الإسلامية بالكامل.

لقد برع الكاتب في وضع الإطروحات المزيفة التي تخرج من بنات افكاره ولا تقوم علي أساس او دراسة علمية سليمة فهو لم يفسر لنا لماذا سيزول العالم الاسلامي بقرائن وبراهين قوية من تلك التي ترتكن دائما الي تخلف المسلمين وتفككهم.
ان توسعه وافراد مساحات واسعة في كتابه لما يدور في العالم الإسلامي من سلبيات وإهدار لحقوق الإنسان هي فرضية تشكك في نوايا صاحبها، خاصة وأن الجميع يعرف أن المسؤل عن تخلف العالم الإسلامي هم بالأساس الحكام والحكومات الفاسدة التي حكمته بالحديد والنار.

بشكل عام نجد أن الكاتب لم يصل الي جوهر الموضوع الذي طرحه وراح يحلق علي سطح الموضوع مقتبساً معظم أمثلته من مواقع مختلفة لمعاناة المسلمين التي يقف ورائها اشياء عديدة ليس للعقيدة فيها دور.
علي ذلك النهج لم يحاول الكاتب ان يفند أسباب تدهور العالم الإسلامي الحقيقية ولم يكن منصفاً في طرح العلل والأمراض التي أضرت بالإسلام والمسلمين ولم يرتكز علي قواعد وبيانات صحيحة تقنع القارئ بما كتب.
اذا كان الكاتب يبشر بزوال العالم الاسلامي والثقافة الاسلامية بل والدين الإسلامي برمته،فهو لم يبين اي طريق سيسلكه المسلمون كبديل لما تركوه بعد زوال عالمهم.
ان قراءة الكتاب لاتهدي القارئ الي ماذا يعني تماما زوال العالم الإسلامي !!في نفس الوقت الذي لم يطرح فيه الكاتب ذلك البديل الذي يمكن أن يحل محل الإسلام وفق رؤيته هو!

الكتاب يذخر بالصفحات التي تنتقد المنهج الإسلامي ففي موقع آخر منه نجد أن الكاتب وفق رؤيته يري أن الإسلام يواري ضعفه بإظهار وإعلاء الأخلاق ويري أن هذه هي الواجهة الوحيدة التي يتواري خلفها المسلمون خجلاً وتواضعاً من تدني مستواهم مقارنة مع الأمم الأخري، وهكذا ظل الكاتب عبر صفحات كتابه يسوق الأمثلة الكلاسكية الضعيفة التي يفهم من ورائها محاولة تشويه الإسلام فهو كغيره يعود للمرور علي مسألة ختان الإناث التي اصبحت بنداً ثابتاً عند كل الضالعين في مهاجمة الدين الإسلامي، لكن الكاتب يطرح هذه الحادثة من واقع تجربة شخصية اذ ان الفتاة التي اجريت لها عملية الختان هي بنت أخيه التي تم ايضاً الضغط عليها لتزويجها مبكراً.

ان تفنيد تلك الاتهامات التي يلصقها الكاتب بالعقيدة الإسلامية ليس لها علاقة اصلاً بالاسلام، فالمجتمعات العربية الإسلامية بها نسبة عالية من الأمية التي تعيش حياة اقرب الي البداوة والتعامل بالفطرة الغير مبنية علي اساس علمي وهي المسئولة عن بعض العادات المذمومة.
انه من الغريب حقا ان يجهل المؤلف تاريخاً امتد لعقود عديدة حيث تركت الحضارة الإسلامية بصماتها الواضحة علي العالم كله، إنها عدم مسؤلية وعدم إنصاف أن يحط الكاتب من قيمة هذه الحضارة ويصورها علي انها المسئولة عن إنحطاط الفرد المسلم.
ان تشنج الكاتب ورؤيته السلبية كانت واضحة عبر صفحات الكتاب وبلغت مدي بعيد عندما هاجم المجددين والذين يجتهدون في تفسير القران الكريم وقال إن مشكلتهم لاتكمن في التفسير العصري للقرآن الكريم بل تكمن في عدم تنحيتهم القرآن بالكامل جانباٌ.
إنك لاتستطيع ان تؤلف كتابا تقًيم فيه دينا وثقافة وحضارة معتمداً علي عدة نماذج بشرية من هنا او من هناك ـ غير أن الكاتب سلك مسار التجارة والربح في مهاجمة الإسلام وهي عملية تجارية رائجة في اوروبا في الوقت الحالي تشبه سوق الأفلام الجنسية التي يتم ترويجها للربح المادي فقط.