عبد الجبار العتابي من بغداد: أكد قاريء المقام العراقي خالد السامرائي ان المقام لن يندثر وسيبقى خالدا وستترنم به الاجيال المقبلة وان كان شباب اليوم ابتعدوا عنه لسماع اغاني الخلاعة، مشيرا الى ان المقام متعلق بقراءة القرآن الكريم حيث ان يقرؤءون القرآن يعتمدون على المقام في قراءته، موضحا ان وزارة الثقافة اصبحت تهتم بالمقام من خلال اقامة المهرجانات لرموز هذا الفن، لكن السامرائي اعترض على المطربة فريدة لانها تسمى بـ (سيدة المقام العراقي) كون الساحة خالية من النساء القارئات للمقام، مؤكدا ايضا على انه


* كيف ترى واقع المقام العراقي؟
- المقام العراقي يعلو ولا يعلى عليه، فهو له سمو، منذ ان سموه المقام فهو صاحب مقام عالي، المقام العراقي يترنم به قراء القرآن الكريم قبل ان يتغنى به قاريء المقام، يعني عندما كان المرحوم الحافظ خليل اسماعيل وغيره من العباقرة والقراء الجيدين، كانوا يترنمون بالمقام اكثر مما يترنمون بكلمات التلاوة، فيقول احدهم للاخر هذا من البيات، هذا من السيكا، هذا من الحجاز، من الكار، من الكرد، من الاورفه، وهذا من الدشت، وان شاء الله نبقى متواصلين على هذا المنوال.

* اين المقام العراقي، الا تشعر انه اندثر او على طريقه للاندثار؟
- حاليا.. اندثر قليلا، ولا يمكن ان اقول اندثر بما تعنيه الكلمة.. ولله الحمد، فهو موجود، ولكن يا اخي.. شباب اليوم المتذوقون للفن يسمعون الاغاني المنحرفة والهابطة ولو.. ان هذه الاغاني ما هي الا زوبعة في فنجان، هذه مثل غيمة تجيء تظلل وتذهب، ويبقى الاساس.. الذكريات للاغاني القديمة التي تعود لازمنة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، الان الشباب يسمعون (بس بس ميو)، هذه اين والمقام الذي كله وعظ اين؟، فقراءة الشعر وعظ، وقراءة الزهيري وعظ، وقراءة الدارمي وعظ للناس، فنحن نعظ الناس بكل هذا، تعال خذ مثلا ما نقرأه في المقام:

(لا تجزع من الالم يا قلبي لو فاتك
الالم جف القلم مكتوبي لو فاتك
هالكف تلوي عنان القدر لو فاتك
ومنين ما نلفت الانظار لايفنى
ربك بغير الذي موعود لا يفنى
اقنع تراها القناعة كنز لا يفنى
واصبر وقل له هني للزاد لو فاتك )، وهذا يحاكي المثل الشعبي القائل (لو فاتك الزاد قل هني)، هذا كان كله عبر ومواعظ، والمقام العراقي سيبقى ان شاء الله بالرجال الخيرين.

* دلني على المقام.. اين اجده؟
- امانة بغداد مشكورة كانت قد افتتحت المتحف البغدادي في شهر رمضان الماضي وصرنا نلتقي نحن الفنانين والموسيقيين وقراء المقام هناك، ولكن بسبب الظروف الامنية قال امين بغداد صابر العيساوي انه سيوفر الحماية الامنية حتى تقيمون االاماسي في ايام الجمع، وتمنى ان يستتب الامن لنعاود احياء اماسينا.

* لماذا لا يوجد اهتمام لافت بالمقام من قبل الجمهور الان؟
- كان اهل الستينيات والسبعينيات متذوقين للفلكلور، ولكن عندما جاءت هذه الزوبعة العاتية، الغيمة السوداء من المغنين الذين شوهوا آذان الشاب والشابة بحيث صاروا يعملون لهم حركات سريعة وايقاعات سريعة، وتعرف انت الخلاعة و(الدلاعة) التي يظهرونها على الشاشات الفضائية، واحيانا الشاب لايسمع شيئا من الاغنية وانما ينظر الى الخلاعة الموجودة على الشاشة، هذه هي التي جعلت مغنيّ هذه الغيمة السوداء يستمرون ليس اكثر.

* كيف يمكن ان نعيد للجمهور العراقي الذوق المفقود؟
- بأذن الله.. سيرجع الجمهور العراقي الى الفن الراقي والعريق بالاماسي التي ستقام في مجلس محافظة بغداد بالقشلة، وهناك قاعة الرباط (قاعة الشهيد عثمان) بالاضافة الى المتحف البغدادي، ونحن جهد الامكان نبحث عن مقاهي بغدادية اصيلة قديمة حتى نحيي بها الامسيات، وسيأتي الينا الجمهور.

* هل هناك جيل جديد من قراء المقام؟
- انا دخلوا عندي ذات مرة 36 طالبا وطالبة في دورة المقام العراقي، اقمتها في بيت المقام العراقي في الوزيرية، ولكن للاسف لم استطع ان اخرج منهم سوى اربعة فقط، ثلاثة من الشباب وبنت هي رند بنت الرافدين وهي الان خارج العراق، هؤلاء فقط قدرت ان اخرجهم من بين 36 شابا، واقول الحمد لله والشكر على ذلك.

* لماذا فشل الاخرون في ان يكونوا قراء مقام؟
- لانهم غير متمكنين، المقام يحتاج الى حنجرة قوية، يحتاج الى اعصاب، يحتاج الى رجولة، الان مثلا عندما تقرأ الفنانة فريدة محمد علي المقام، وتدعي انها سيدة المقام العراقي،وانا اقول لا، كون الاصوات العراقية في الساحة غير موجودة ولذلك قالت ما قالت.

* هل لديك اعتراض على التسمية ام على الاداء؟
- اعتراضي على كلمة (سيدة المقام)، ولن نسمع بسيدة الغناء الا ام كلثوم، واذا ما نجيء الى العراقيات فأقول ان الرائدة للمقام العراقي هي (صديقة الملاية) التي اعطت حروف المقام العراقي قدرها واعطته الحنجرة المطلوبة بحذافيرها، اما مائدة نزهت.. فنعم غنت المقام، وكذلك زهور حسين غنت الدشت والاوشار ولميعة توفيق كذلك غنت البيات والدشت والاوشار، ولكن لايمكن لاحد ان يقول انه تربع على عرش المقام، مثلا انا يقال لي انني خليفة يوسف عمر، فلن امدح لك بنفسي، انا صحيح خليفة يوسف ولكنني ابدع، وليس كما قرأ يوسف اقرأ، لان ذلك خطأ.

* ما رأيك اذن بأداء فريدة.. مثلا؟
- انا اعتراضي على التسمية فقط، فهي فنانة عريقة ذات صلة طيبة بنا وزوجها الاستاذ محمد حسين كمر، عازف الجوزة صديقنا، اداؤها جيد ولكن يجب ان لاتقول انها سيدة المقام العراقي وان كانت هي مقيمة في هولندا، فمن يسمعها هناك غير الجالية العراقية، واي شيء تغنيه لهم يتقبلونه، ولكن حين تأتي الى البغدادي الاصيل صاحب الذوق الرفيع الذي يحاسب على (الوصلة) وعلى النغمة التي ننساها، فيقال لنا: (اين وصلة الجصاص بالسيكا، لماذا لم تعملها؟ او اين وصلة الكلكلي بالمخالف؟)، نحن كنا محاسبين من قبل الجمهور، ولكن هناك ذوق عراقي في هولندا يجلسون ويريدون فقط كلمة عراقي، مقام عراقي !!.

* هل يمكن ان يأتي زمن يندثر فيه المقام كليا؟
- لا..لا، لن يندثر ان شاء الله بوجود الخيرين ووزارة الثقافة التي كانت قد اهملت اهل المقام ولكن الان التفت اليهم وصارت تقيم مهرجانات للقبانجي ولناظم الغزالي وليوسف عمر وغيرهم، وهذا تخليد للرواد، لنكن صريحين، اليهود سنة 1948 عندما خرجوا من العراق والى حد الان اسمع تساجيل منهم كل يوم ثلاثاء لمدة ساعة، من اذاعة اورشليم القدس، تقول اذاعتهم (معكم المقام العراقي)، يبثون للقبانجي وليوسف عمر ولي ولعلي رزوقي ولعبد الجبار العباسي، الى حد الان هناك لديهم برنامج ثابت من زمن بعيد (من قال وبلا) من اذاعة اسرائيل، واذكر ذات مرة حاججني المدير العام لدائرة الاذاعة والتلفزيون انذاك صباح ياسين، قال لي مازحا: (اليوم سمعتك تغني باسرائيل.. هل اعطيتهم اشرطة؟)، قلت له: لا استاذ، فضحك وقال لي: انا امزح معك، هذا انصات يأخذونه !!.

* حدثني عنك وعن بدايتك مع المقام؟
- انا من مواليد 1951، بغداد الكرخ / الجعيفر، وبدأت سنة 1967 التي فيها دخلت الاذاعة والتلفزيون لاول مرة وعمري 16 سنة، وعندما دخلت الى اللجنة واختبرتني، اختبرني عباقرة مثل ناظم نعيم الذي يضرب لي على البيانو يريد ان يسمع قوة صوتي، وعندما وقفت امام اللجنة قرأت مقام الرست، فأعترض الفنان الراحل يوسف عمر عليّ، وقال: (هذا بعده زغير.. كيف تخلونه يقرأ مقام الرست، خلوه يتعلم النهاوند او البهيرزاوي ثم يقفز الى المقامات الكبيرة).

* بمن تأثرت وانت تدخل عالم المقام؟
- اول من تأثرت به كان الاستاذ محمد القبانجي في الخمسينيات، لكنني وجدت ان مدرسة القبانجي صعبة لان فيها (لوفات/ يمنى ويسرى)، احسست انها صعبة بالنسبة لي، ثم تأثرت بمدرسة يوسف عمر، وجدتها اسلس واحسن واحلى واجمل، والناس تتذوق لهذا الرجل كثيرا، ولهذا انا قلدته، ولا اقصد بقلدته بالاوتار الصوتية، لا.. بل انني اخذت (الهنغ) منه، اي الجملة او الكلمة التي تطلع من الفم، الاحساس يعني بالضبط، فالسامع لي يقول ان هذا يوسف عمر يغني، واذكر ذات مرة مع الشيخ جلال الحنفي كان في الحمام وانا كنت اقرأ فقال لزوجته (ها.. طلع ابو يعقوب؟، فقالت له: (لا.. هذا خالد الـ.... صاحبك !!).