كامل الشيرازي من الجزائر: يرجّح دارسون قدرة quot;النظرية الفانونيةquot; وهي عصارة فكر المثقف التحرري الراحل quot;إبراهيم فرانتز فانونquot; (1925 ndash; 1961)، على تحرير الشعوب من مختلف صنوف الهيمنة الجديدة، مثلما شكّلت أفكار أحد أكبر مناهضي الاستعمار والمؤيد لاستقلال الجزائر، عنصرا مؤثرا قبل نصف قرن في دفع أمم إلى الثورة على الاستعمار.
في قراءات حداثية لإرث المفكر التحرري quot;إبراهيم فرانتز فانونquot;، بمناسبة خمسينية رحيله، شدّد أكاديميون على لا معقولية حصر تفكير فانون كطبيب وصحفي ومناضل ومفكر وكاتب، في معركة مناهضة العنصرية، لأنّ نتاجه الفكري خزّان لضمان ترقية الانسان.
واعتبر الباحث quot;عبد القادر بن أعرابquot; مؤلف كتاب quot;فرانتز فانون - رجل القطيعةquot;، إنّ أفكار فانون كانت ولا تزال تلهم الشعوب المكافحة ضد كل أشكال الهيمنة، ويسجل بن أعراب إنّ أفكار الرجل الذي وضع أسس التيار الفكري للعالم الثالث، حطّمت الكثير من النظريات التقليدية تجاه الشعوب، ووجدت صدى لدى المفكرين العرب، وعلى رأسهم المفكر الشهير quot;إدوارد سعيدquot; الذي تأثر بفكر فانون الثلاثي الأبعاد.
ويحثّ الأكاديمي quot;مصطفى فتحيquot; على quot;مواءمةquot; فكر فانون مع عالم اليوم، سيما مع كون الجوانب التي طرحها فانون خاصة في كتابه quot;المعذبون في الأرضquot; لا زالت قائمة في عالم اليوم الذي يشهد تغيرات عميقة، بهذا الصدد، يؤكد quot;أوليفييه فانونquot; نجل فرانتز فانون، على أنّ الرسالة الثورية والملتزمة التي أراد والده إيصالها، ينبغي أن يكون لها صدى كبير في الكفاح الذي تعيشه الانسانية ضدّ طبيعة مسيطرة ومتغيرة عما كان سائدا.
وعليه، يلاحظ مصطفى فتحي أنّ ظاهرة وعقلية الاستعمار لا زالتا قائمتان ولكن بأشكال أخرى، حيث أنّ استقلال عديد الدول لم يعني بالضرورة نهاية مسار التحرر، ولهذا يجب الاستناد إلى كتابات فانون الرجل السياسي المناضل والطبيب الملتزم والمثقف المتضامن مع الشعوب المضطهدة، حتى يمكن إنضاج مفاهيمية مغايرة لما هو متكرّس.
بدورها، صرحت ميراي فانون نجلة مؤلف quot;المعذبون في الأرضquot;، إنّ فكر الراحل بما ينطوي عليه من تعاليم، يفرض احترام الحقوق الانسانية، ويمثل مصدر إلهام ومرجعية بالنسبة للنساء والرجال الذين يناضلون ضد الهيمنة على الشعوب، معربة عن شكوكها في quot;الإرادة السياسية وواجب العدالة أمام علاقات يسيطر عليها المال والسلطةquot;.
وتشير رئيسة جمعية فرانتز فانون، إلى أنّ العناصر التي كرّسها قدماء المستعمرين للسيطرة على الشعوب، حاضرة بقوة اليوم، وبوسع الفانونية مجابهة هيمنة تغيرت طبيعتها وصارت في عالم اليوم متعددة الأشكال اقتصاديا، سياسيا، اجتماعيا ودينيا.
وإذ تتصور بفعالية quot;الفانونيةquot; للحدّ من السيطرة على الشعوب، فإنّ ميراي توعز: quot;إننا خاضعون للهيمنة بفعل قانون السوق وسيطرة البعد الأحادي أو الديني في عديد البلدان، وحتى دولة مثل فرنسا يسيطر عليها quot;فكر عنصريquot;، على حد قولها، بدليل تعمّد ساستها إخفاء أعمال فانون منذ خمس عشريات.
وفي تشريحهم للبعد السوسيو- ثقافي لفكر فانون، يلفت محللون إلى أنّ صاحب رائعة quot;وجوه سوداء وأقنعة بيضاءquot;، لطالما نادى بمثقفين quot;ثائرينquot; لا quot;تصالحيينquot;، حيث ركّز في كتاباته على أنّ قوة الغرب ثقافية وليست فقط اقتصادية أو عسكرية، ما يحيل على حساسية أدوار المثقفين ذهنيا وسلوكيا، وتحضر هنا مقولته: quot;السلاح الوحيد للتحرر، هو خلق الوعيquot;، علما أنّ فانون نبّه في كتاباته إلى ضرورة التحرر الثقافي والسعي إلى استعادة الهوية.
يُشار إلى أنّ فرانتز فانون وُلد في 20 تموز/يوليو 1925 بضاحية المارتينيك، التحق بصفوف جبهة التحرير الجزائرية سنة 1954، حيث ناضل ببسالة في صفوف الثوار الجزائريين، قبل أن تبعده ادارة الاحتلال الفرنسي من الجزائر سنة 1957، لكنّ ذلك لم ينل من عزيمته حيث واصل كفاحاته مع الثورة الجزائرية من تونس، قبل أن يعيّن سفيرا للحكومة الجزائرية المؤقتة بغانا العام 1960.
وشاءت الأقدار أن تنطفئ شمعة فانون في السادس كانون الأول/ديسمبر 1961 بأحد المشافي الأمريكية، ورحل عن سن الـ36 إثر اصابته بسرطان الدم قبل ستة أشهر عن استقلال الجزائر في الخامس تموز/يوليو 1962.
من أعمال فانون: quot;وجوه سوداء أقنعة بيضاءquot; (1952)، quot;السنة 5 من الثورة الجزائريةquot; (1959)، quot;المعذبون في الارضquot; (1961) وجرى ترجمة هذه المؤلفات وغيرها إلى لغات عديدة.