باسم النبريص: أدخل بعض المكتبات، فأحسّ على الفور بأني دخلت المكان الخطأ. على الفور بأني يجب أن أخرج. ذلك أنّ بعضهم يثرثر. بعضهنّ هناك يسترخين. أحدهم في الزاوية يمزمز الشيبس.
أخرج. فما يوجد هنا مِن quot;خِفَّةquot;، يطيح بتصوراتي عن المكتبة.
يطيح بيوتوبياي!
ما لم تكن المكتبة صومعة أو محراباً فستكون أي شيء إلا مكتبة. موسيقى المكتبة الأعظم هي: الصمت. لا موسيقى في المكتبة غير موسيقى الصمت. كل صوت يكون دخيلاً، نشازاً، حتى لو كان لكبار الموسيقيين الكلاسيكيين. لن تكون المكتبة مكتبة إلا برفوف الكتب والمقاعد والناس وفوق الجميع يحلّق طائر الصمت. إلا بتقاليد وآداب يتعارف عليها الرواد والزوّار ويحترمونها من أعماقهم، لا مجرد التظاهر فقط.
منها مثلاً: ممنوع الحديث داخل قاعات القراءة إلا بلغة الهمس، وحبذا لغة الإشارة.
لغة الإشارة هي أبهى ما اخترعه البشر من لغات تناسب المكتبة.
منها أيضاً: الإضاءة الخافتة في الحواف والزوايا. فالضوء القوي يؤذي الوجدان قبل العين. الضوء القوي يبتذل الجو ويسرق منه نُسغ السحر. وإذا غاب السحر عن الجو فبماذا سنُسحَر؟
لا مكتبات بلا سحر غامض.
بلا سكون.
بلا عتمة أو شبحها. تماماً كما في قاعات السينما، مع الفارق.
.. تلك هي يوتوبياي عن المكتبة.
يوتوبيا فات زمنها ربما. ولكنها خيار شخصي.
مكتبة أقدس من جامع.
أهدأ من دير.
أرهب من مذبح.
وحبذا، لو كان هناك في الخارج، بردٌ وشجرٌ يتناوح، وفي القاعة مدفأة.
****
* أدخل بعض المكتبات وفي ذهني هذا الحلم: أن أرى جميع الرواد نسخاً معدّلة من بوذا.
* في المكتبة أنت وحيد مع كتاب. ولن تكتمل وحدتك البهية إلا بالجمع الصامت من حولك.
* المكتبة الفضلى، تذكّرني من بين جميع الأماكن بالدير.
* ما أبشع أن تقصف طائرةٌ حربية مكتبة. مرة حصلت، ورأيت الأغلفة والورق كأنها أحشاء آدميين.
* أُحقّقُ فرديّتي على أتمّها، وأغناها، في المكتبة.
* في المكتبة، أقول لنفسي: كلا. هيغل ومن على شاكلته، لا ينفعون لفصل الصيف. كلا، هيغل خلقه الله لكي يُقرأ في البرد القارص.
* لم تعد دواوين الشعراء العرب المعاصرين، تنفع للقراءة في مكتبات عامة. والأسوأ [ولا الخاصة].
* مرةً ضبطت أحدهم يستمني من فوق البنطلون. كانت القاعة مليئة بطالبات الماجستير. اكتشفته من لهاثه غير الإرادوي. غضبت، ثم ابتسمت، ثم عدت للغضب احتراماً لوقار المعرفة.
* شبعت من الدنيا ما خلا مكتباتها.
* لو تربّى زعماؤنا وحكامنا على ارتياد المكتبات وسماع الموسيقى الراقية، لما أذاقونا الأَمرّين. ولا ذاقوه هم أنفسهم في تراجيديا النهايات.
* المكتبة أهمّ من أماكن العبادة. أهم فقط عند من ذاق واشتاق.
* الحمية الرقمية واجبة على سارق الكتب. على الأقلّ احتراماً لأخلاقيات قديمة.
* في المكتبة، أحبّ حتى الله، الذي غالباً ما أكرهه وأنا خارجها.
* صعب أن أتخيّل حسني مبارك / بن علي / القذافي / الأسد / علي عبد الله صالح / وبقية السلالة الوسخة، روّادَ مكتبات. لقد خلقهم الله لمهمّة وحيدة حسب: افتتاحها. أما بعد ذلك فتعود ريمة لعادتها القديمة: الجهل المقدس.
* منظر طريف، مع ذلك، أن تتخيّل واحداً كحسني مبارك، يطالع نيتشه في مكتبة عامة. من ناحيتي، أتخيّل الموقف، وتعقيب السيد الرئيس على ما يقرأ، وأنبسط!
* أسوأ الأدباء إطلاقاً، مَن لم يسرق كتاباً من مكتبة عامة. إنه: نقص في الشغف.
* تسرق مئات الكتب الرقمية من الشبكة، ومع ذلك لا تحسّ بنشوة الظفر العظيمة آنَ تسرق كتاباً ورقياً واحداً. وداعاً زمنَ المغامرة.
* أعظم سُرّاق الكتب: مَن يسرق كتاباً يحبه، لا من يسرق الكتاب لأنه نادر.
* يشيخ الكاتب، حينما يكفّ عن سرقة الكتب.
التعليقات