إعداد صلاح أحمد: تسري في بريطانيا رعشة استثارة خاصة قبل بدء عرض فيلم عن حياة البارونة مارغريت ثاتشر بعنوان The Iron lady laquo;السيدة الحديديةraquo;.
الفيلم من إخراج البريطانية فيليدا لويد (مخرجة الفيلم الشهير laquo;ماما مِيّاraquo;) التي استقت أحداثه من سيناريو الكاتبة المسرحية والسينمائية آبي مورغان (سيناريو laquo;بريك لينraquo;) وتؤدي فيه دور السيدة الحديدية نفسها الممثلة الأميركية ميريل ستريب (صاحبة أكبر عدد من الجوائز الرفيعة وسط سائر الممثلات في تاريخ السينما).
الفيلم لم يُطرح للعرض العام بعد، لكن فرصة مشاهدته اتيحت للنقاد قبل الجمهور (كالعادة). فخرج زان بروكس من صحيفة laquo;غارديانraquo; بما يفيد أنه يركز على الجانب الشخصي في سيرة رئيسة الوزراء السابقة وليس على الأحداث العظيمة التي ميّزت بها عهدها.. وهذا رغم انه يتناول، مثلا، أكبر تظاهرات شغب شهدتها بريطانيا في عهدها الحديث عندما فرضت ثاتشر ما يعرف باسم laquo;ضريبة الرؤوسraquo;. وهكذا فإن الفيلم عمل فني عن ثاتشر وليس عن الثاتشرية.
وتصف الصحيفة الفيلم بأنه laquo;خليط رشيق من الأحداث التاريخية الموثقة التي لا تخلو من الكوميديا السياسيةraquo;، وإنه laquo;ينطلق من موقع حب كبير للسيدة الحديديةraquo;. فنشاهدها أولا في صباها وهي تبيع الحلوى في متجر أبيها صاحب متجر البقالة، ثم مرشحة للحزب في بداية حياتها السياسية، تتصرف على نحو أخرق نوعا ما لأنها تُجبر على تناول الشاي مع السيدات بينما الرجال منهمكون في مناقشة الأمور السياسية المهمة. ونشاهدها ايضا وهي ترقص مع زوجها، دنيس، على وقع انغام اغنية laquo;الملك وأناraquo; (الفيلم الشهير بطولة يول برينر). فيقول لها دنيس وعلى وجهه ملامح امتعاض: laquo;هل تعلمين ان يول برينر كان غجريا من فلاديفستوكraquo;؟
على أن الصحيفة تمضي لتقر بأن الفيلم ربما مجرد مجهود آخر يضاف الى العديد من الأعمال الفنية التي تناولت حياة السيدة الحديدية لولا السحر الخاص الذي أضفته ميريل ستريب بمقدراتها الدرامية الباهرة وتشخيصها مارغريت ثاتشر في laquo;نصف المجدraquo; الذي ظلت تعيش فيه منذ زمن بعيد. وتضرب مثلا بالإيماءات، ووقفة التحدي أمام خصومها وحلفائها على حد سواء، وتلك اللكنة الانكليزية المتباطئة، والرزانة المشوبة بحياء العارف، والنظرة المتوحشة، والشعور بالوحدة الداخلية في عالم سياسي يسوده الرجال، وغيرها من اعتمالات داخلية جعلت مارغريت ثاتشر السيدة الحديدية فعلا.. ثم تلك الصرخة: laquo;الخونةraquo;! التي أطلقتها ثاتشر على رموز حزبها وهم يلفظونها كالنواة في آخر عمرها السياسي.. كلها تقدمه ميريل ستريب للمشاهد بأبهى ما يستطيعه مجرد ممثل الإتيان به وعلى طبق من فضة.
وفي أواخر الفيلم يسأل الطبيب ثاتشر بعد صعود نجم حزب العمال الجديد على حساب مجدها القديم عما إن كانت تشعر بأنها على ما يرام. فتجيب بحزم: laquo;لا يهم ما أشعر به. المهم هو ما اعتقد، هذا لأننا نصبح ما نعتقده. واعتقد أنني على ما يرامraquo;.. وعلى الأقل هذا هو ما يسعى اليه الفيلم الذي يقال إن منتجيه يطمحون الى رقم قياسي في حفل الأوسكار: أن يكون على ما يرام.
من جهتها تورد صحيفة laquo;تليغرافraquo; أن هذا العمل الفني أثار حفيظة المقربين الى ثاتشر ومن المحتم أنه سيغضب عددا كبيرا من أصدقائها ومعارفها. فقد laquo;تبرأraquo; عدد منهم مما جاء فيه ومن ضمنه بعض الحقائق القاسية.
ورغم أن الفيلم يصور هذه الشخصية باعتبارها صاحبة إنجازات تاريخية (مثل استردادها جزر الفوكلاند من الأرجنتين، وقصها أجنحة النقابات مرة والى الأبد بعد قضائها على نقابة عمال المناجم)، فقد وصفه مقربون منها بأنه laquo;فنطازيا من ابتداع مخيلة يسارية مغرضةraquo;.
ويبدو أن الهجوم العنيف الذي يشنه هؤلاء يستند الى حقيقة أن الفيلم لا يستحي من تصوير ثاتشر كما هي: من أكبر مجد سياسي ممكن الى براثن الخرف الذي جعلها ndash; على سبيل المثال - تنسى أن زوجها دنيس متوفى فتناديه وتحادثه فكأنه في الغرفة المجاورة . وهذا رغم ان ابنتها كارول كشفت هذا الحال للعالم أجمع في كتاب مذكراتها الذي أصدرته في 2008، وقالت فيه إن الخرف المصحوب بعدد من الجلطات الدماغية غير القاتلة laquo;قلّصت والدتي الى مجرد ظل لمارغريت ثاتشر التي تعرفها الدنيا بأركانها الأربعةraquo;.