هل تغيّرت صورة السينما المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011، ووصول التيار الإسلامي إلى الحكم؟ ما هي استراتيجيات الاستثمار في قطاع السينما العالمي، وكيف يتم تمويل الأفلام؟ وما هي التوجهات للاستثمار في السينما؟ أسئلة كانت محور نقاش المشاركين في عدد من جلسات مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي 2012.


الدوحة: ضمن مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي 2012، استحقت السينما المصرية التوقف عند مصيرها في ظل التغيير السياسي الذي حصل في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، وانتقال السلطة إلى الإخوان المسلمين، فعقدت جلسة نقاش حملت عنوان quot;هل هناك موجة جديدة تجتاح سينما مصر؟quot; شارك فيها الممثلون المصريون يسرا ونيللي كريم وخالد أبو النجا والمنتج محمد حفظي والممثلة التونسية هند صبري، رئيسة لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلةضمن مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي 2012.

واتفق المتحاورون على أنه لا داعي لاستباق الأحداث، إذ أنه حتى الآن لم يحدث ما يسبب القيام بأي رد فعل تجاه الإسلاميين، مسترجعين ما تعرض له كل من عادل إمام ووحيد حامد وكيف وقف الجميع معهما لنصرتهما في وجه ما تعرضا له.

الإسلاميون أدركوا قوة الفن

فضلت الممثلة المخضرمة يسرا عدم إبداء القلق على واقع السينما المصرية إزاء الوضع السياسي في البلد، وأشارت إلى أن quot;التيار الإسلامي كما كل الناس يشاهد أتباعه السينما والمسلسلات، وهم دخلوا الإنتاج أي أنهم يستفيدون من السينما أيضاً فلمَ يعترضون علينا، فهم يفرضون الشرعية التي يريدونها، وهذا سلاح في يدهم لأنهم أحسوا بقوة الفن وبقوة هذه المهنة. واكدت أن quot;لكل حالة حديثاً، فإذا حصلت حادثة معينة وقرر التيار التصادم معنا عندها سنقف له. وكل وقفة تقابلها وقفة. لكن الآن لن نستبق الأحداث ولا يجب أن ندع الآخرين يفكرون بشيء لم يكن قد خطر ببالهم من قبلquot;.

ورفضت يسرا فكرة الترويج لدولة إسلامية في مصر مؤكدة أن مصر احتضنت دائمًا المسلمين والأقباط، لكنها حذرت من الفتنة ودعت الأزهر الشريف بصفته الإسلام الوسطي إلى تحمل مسؤوليته في توعية الناس ومحاربة كل من يحاول التفريق بين المصريين باسم الدين.
أما الممثل خالد أبو النجا فأكد على أن quot;خوف الناس من التيار الإسلامي في مصر أقل بكثير من خوف التيار نفسه الذي يريد أن يطمئنهم لأنه هو الخائف لأن سلطة الناس هي أكبر من الذين هم في السلطة.

وقال المنتج محمد حفظي في تعليقه على الأمر quot;التصريحات غير مطمئنة وقد منعت مرة من التصوير في أحد الجوامع بحجة أن ذلك ممنوعquot;، مفضلاً عدم الحديث عن الأمر quot;لا أريد الحديث عن مواجهة بين الفنانين وبين التيار الإسلامي طالما أنها لم تحدث بعدquot;.

توقف البترودولار

وقدم أبو النجا تصوره السينمائي الخاص للحالة المصرية quot;فكما وصف تشارلز ديكنز في كتابه quot;قصة مدينتينquot; الثورة الفرنسية بأنها التناقضات التي تتواجد في الوقت نفسه، لكن المفتاح هو في المنظور، فإذا وضعت الأمور في نصابها، فإن الثورة العظيمة التي حصلت يجب أن توضع في مقام المساواة والعدل والحرية. بالتزامن مع ذلك حصلت أمور أخرى محبطة كالرجل الذي خرج ليشتم إلهام شاهين التي بدورها لم تسكت عن إساءته وقد وقفنا كلنا معها. وكذلك الأمر بالنسبة لعادل إمام ووحيد حامد، وقد وقفنا جميعاً معهماquot;. وأضاف quot;ولأنني أرى الثورات كالتسونامي الذي يصب الماء النقي الصافي، وبعده يحصل إسوداد الصورة مع الماء الملوث والنفايات والقرف، وأنا أقول إننا حالياً نمرّ بهذه المرحلة. وفي النهاية كلنا مصريون ولنا الشرف رغم المهانة والقرفquot;.

وشدد أبو النجا على أن أزمة السينما المصرية quot;ليست اقتصادية، وإذا قلنا ذلك فإننا quot;نستعبطquot; بل هناك أكثر من فرع. وفنّد كلامه بالقول quot;في مرحلة ما بعد الثورة كان هناك قرار سياسي مؤثر على اقتصاديات صناعة السينما، فقد تم إيقاف البترودولار الذي كان المنتجون الأساسيون يعتمدون عليه. ثم تم استخدام الثورة لكنه أمر مقصود، فـquot;الحنفيةquot; التي كانت تأتي من الخليج تم إيقافها فتوقف معها الإنتاجquot;، مردفاً quot;لكن رب ضارة نافعةquot; إذ يرى أنه quot;كان يجب أن تقف صناعة السينما على قدميها منذ زمن، وكان يجب أن تقدم المصارف القروض لانتاج الأفلام، لذا هنا مقصد ما لقفل الحنفيةquot;.

ورأى أبو النجا أن quot;السينما البديلة اليوم فيها أسماء لامعة على المستوى العالمي، وقد سدت هذه الفجوة ولو لم تكن هذه السينما موجودة كنا في وضع سيىء أكثرquot;.

وعبر أبو النجا عن تفاؤله بالتغيير الذي حصل في مصر quot;والذي كانت السينما سباقة إليه، قبل أن يحصل على أرض الواقعquot;، مشدداً على أن quot;أهم تغيير في مصر ليس سقوط مبارك، بل هو المواطن نفسه الذي تغيّر وبات لا يخاف ولا يمكن أن يُداس له على طرف أو أن يُفرض عليه أمر ما. هذا هو التغيير لذا أنا متفائل فالتغيير هو المواطنquot;.

تدني الإنتاج السينمائي

ما تحدث عنه أبو النجا عن أزمة السينما المصرية، تناولته يسرا أيضاً إذ أشارت إلى وجود تغييرات مع ثورة 25 يناير منها انخفاض الإنتاج السينمائي quot;لكن مع ذلك لدينا اليوم 20 فيلماً يجري تصويرها حاليًا وتتم تغطية كلفة الإنتاج من القنوات الفضائية التي تشتري الأفلام، وبالتالي لم يعد الاتكال على الموزع كما في السابق، ولم يعد المردود من البيع الخارجيquot;. ولفتت يسرا إلى أن quot;السينما موجودة رغم كل الظروف التي نمر بهاquot;، مشيرة إلى أنه في فترة quot;الستينيات والسبعينيات كان ينتج 120 فيلماً سنوياًquot;.

وقد أبدى المنتج محمد حفظي تأييده لما قالته يسرا لكنه شدد على أن الأزمة الاقتصادية موجودة من قبل الثورة وتحديداً منذ العام 2009، لكنها ازدادت بعد الثورة. موضحاً أن القنوات التلفزيونية بدأت تقلص شراءها للأفلام بسبب قلة الإعلانات والموارد، وبدل أن يشتروا 40 أو 50 فيلماً باتوا يشترون 15 وبأسعار أقل من السابق، ولم تعد هناك إلا قناتا الحياة وروتانا تشتريان الأفلام في مصر.

من جهتها، رأت هند صبري أن نوعية الممثلين والأدوار بعد الثورة لم تتغيّر عما كانت قبل الثورة. وأشارت إلى أن quot;صناعة السينما يجب أن تكون محسوبة من ضمن الدخل القومي ويفترض الاهتمام بها، ويجب أن تكون هناك إرادة سياسية لذلكquot;، مشيرة إلى أن quot;المنظومة تنهار بعد أن كانت الصورة في المرحلة السابقة غير ثابتة. إذن الاختلاف يتمحور في مصير السينما التجارية، بينما الأبقى هي السينما المستقلة المزدهرة في مصر ونحن نعمل فيها منذ زمن وهي لا تعتمد عل شباك التذاكر ولا تعيش تحت رحمة منظومة غير مدروسة بشكل علميquot;.

أما نيللي كريم فعبرت عن تأييدها لزملائها، مشيرة إلى وجود نية لانتاج مشروع فيلم، quot;نحن لا نريد كسب المال بل العمل لأننا نحب السينما، ونريد أن نقوم بشيء بمجهودنا للكسب على المدى الطويل.

لذا نفكر بعمل مشاريع نحبها ونرغب في انجازهاquot;.

وكانت جلسة النقاش قد انطلقت بتقديم المنتج محمد حفظي التعازي لأهالي المصريين ضحايا حادث التصادم الذي جرى منذ يومين في مصر، حيث وقف الحضور دقيقة صمت حداداً على أرواحهم.

90 مليار دولارأرباح سوق الأفلام العالمية

في سياق متصل، كشفت جلسة نقاشية حول quot;إستراتيجيات الاستثمار في قطاع السينما العالميquot; ترأسها كل من مدير قسم تمويل الأفلام في مؤسسة الدوحة للأفلام بول ميلر، ومستشار التمويل الإعلامي هال سادوف، باستضافة quot;ميراماكسquot;، عن تحقيق سوق الأفلام العالمية والترفيه أرباحاً إجمالية بلغ مقدارها 90.1 مليار دولارفي العام 2011.

كما أعلن خلال الجلسة عن أن مبيعات شباك التذاكر في سوق الأفلام العالمية والترفيه كانت الأكثر تحقيقاً للأرباح في العام 2011، حيث وصل إجمالي هذه الأرباح إلى 33.6 مليار دولار، أي ما تساوي نسبته 37.3 % من قيمة السوق الإجمالية. وتوقع الخبراء أن يتسارع أداء السوق ويحقق معدّل نمو سنوي مجمّعاً يبلغ 0.6 % خلال فترة السنوات الخمس من العام 2011 وحتى 2016، ومن شأن ذلك أن يرتقي بالسوق لتصل قيمته إلى 93 مليار دولار بحلول نهاية العام 2016.

كما أعلن خلال الجلسة أنه من المتوقّع لمنطقة الشرق الأوسط والأسواق الناشئة، مثل الصين والهند وأميركا الجنوبية، أن تحقق نسبة نمو ملحوظة في قطاع الأفلام. كما يتوقع أن تساهم التقنيات الحديثة في صياغة طرق وسبل جديدة لتوزيع الأفلام، لم تعهدها الساحة السينمائية التقليدية من قبل. كما سيسهّل التطوير الحاصل في خدمات الكابل والأقمار الصناعية، وسوق الفيديو عند الطلب، على العملاء الوصول إلى المحتوى السينمائي بطرق جديدة تحفّز على المشاركة.

وتمحورت النقاشات خلال الجلسة حول كيفية تمويل الأفلام، والطبيعة المتغيّرة لاستديوهات التصوير مقابل المعنى الحقيقي للإنتاج السينمائي.

واعتبر بول ميلر أن الهدف quot;زيادة التوعية حول قطاع السينما والنظر إليه كمجال لتحقيق الأرباح وأداء الأعمال، بما يحفّز على الاستثمار فيه. ولا يمكن للمؤسسة تحقيق أهدافها لوحدها دون مساعدة من المموّلين والبنوك والمحامين، فسوية، يمكننا أن نساعد في صياغة قطاع سينما قوي ومتين في الدوحة.quot;

بينما أشار الشيخ حمد بن فيصل بن ثاني آل ثاني رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في بنك quot;الخليجيquot; إلى quot;الاهتمام البالغ بالسينما في قطر، والحرص الزائد على تطوير قطاع السينما المحلي، وهنا يتجلى دور مؤسسة الدوحة للأفلام في تحقيق الرؤية المستقبلية في تطوير ثقافة سينمائية متميزة في الدولةquot;.

واعتبر الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدوحة للأفلام عبد العزيز الخاطر أن quot;تركّز المؤسسة على العمل جنباً إلى جنب مع الشركاء من مختلف القطاعات الإبداعية، وذلك للمساعدة على إرساء أسس راسخة لقطاع سينمائي مستدام في قطر. ويتم تحقيق ذلك عبر إنعاش الجوانب الثقافية في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي. وتمثّل السينما منصة بالغة التأثير في سرد القصص، ومن خلال مبادرات التمويل التي نعمل على تنظيمها، سنزوّد دعمنا إلى المواهب المحلية الفذة كافة.quot;

وقدم هال سادوف لمحة شاملة عن قطاع استديوهات هوليوود، وقطاع إنتاج الأفلام المستقلّة، وقال إن هذه الفترة كانت رائعة ومليئة بالأحداث بالنسبة لقطاع الأفلام المستقلة، وأضاف بقوله: quot;لا يعمل المخرجون والممثلون بالقدر المفترض أن يقوموا به، لأن هوليوود تركز على إنتاج الأفلام الضخمة التي تضمن تحقيق أرباح هائلة، وعدد هذه الأفلام يقل عاماً تلو الآخر. ولهذا فإن العديد من المخرجين والممثلين متوفّرون للعمل في قطاع الأفلام المستقلة، والرغبة كبيرة لديهم في العمل فيه. وهذا يعني أنه بمقدورنا إنتاج عدد أكبر من الأفلام التجارية بكلفة أقل وبتوظيف مواهب أرقى من ذي قبل.quot;

بوليوود وسينما الخليج تحت الضوء

واستكمالاً للجلسات النقاشية حول مستقبل السينما في العالم ضمن quot;حوارات الدوحةquot;، تعقد اليوم الأربعاء جلسة quot;الأفلام الخليجية: التغلّب على الصور النمطيةquot;، حيث سيناقش مخرجون محترفون من الخليج رواية القصص الخليجية المعاصرة والتأثيرات الدولية فيها، وهم: المدير في وزارة الثقافة والفنون والتراث في قطر مرزوق بن مرزوق، والسينمائية السعودية وعضو لجنة التحكيم في برنامج quot;صنع في قطرquot; ضمن المهرجان هيفاء المنصور، والمنتج والسينمائي بسام الذوادي ، وكاتب السيناريو محمد حسن.

كذلك ستعقد جلسة نقاش أخرى تحت عنوان quot;التوجه نحو العالمية: هل تستطيع أفلام بوليوود اختراق الحدود؟quot;، يتناول فيها المتحدثون رحلة الأفلام الهندية التجارية إلى العالم، حيث سيتم التطرق إلى مسائل مهمة: ما هي الأسباب وراء عدم قدرة بوليوود على استقطاب جمهور عالمي أوسع على عكس الأفلام الهندية المستقلة.

سيشارك في النقاش الممثل أنوبام خير، والسينمائي أوشوتوش غوريكار (عضو لجنة التحكيم في مسابقة الأفلام الروائية العربية)، ونائب رئيس شركة quot;ياش راج للإنتاج السينمائيquot; أفتار بانيسار.