تحت شعار البيت الخالد لقصيدة الشاعر العراقي مصطفى جمال الدين (بغداد ما اشتدنت عليك الاعصر / الا ذوت ووريق عمرك اخضر) افتتحت صباح يوم الاثنين، في المسرح الوطني، فعاليات ملتقى بغداد الشعري الذي يأتي ضمن تحضيرات وزارة الثقافة العراقية للاحتفال ببغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013، بحضور 50 شاعرًا عربيًا واكثر من 60 شاعرًا عراقيًا وجهت لهم دعوات المشاركة.
بغداد : على الرغم من الزعل الذي أبداه عدد من الشعراء العراقيين والذي ترجم بالمقاطعة، الا أن الحضور لم يكن مخيبًا للامال، ولم يتم تداول احاديث المقاطعة في اروقة الملتقى الا قليلاً بعبارات ترفض مصطلح المقاطعة أو رفض الحضور الى فعاليات الملتقى، حيث اكد البعض عدم وجود أي مبرر لها لأن الملتقى للشعر ولبغداد وللشعراء، وقد اتسم الافتتاح بالتنظيم العالي والهدوء المميز والاصغاء لقصائد الشعراء والتفاعل معها، ولابد من الاشارة الى أن الافتتاح شهد عرض فيلم وثائقي عن مدينة بغداد بماضيها وحاضرها، وقد تحدث وكيل وزارة الثقافة العراقية طاهر ناصر الحمود الى الحضور قائلاً : في البدء ارحب باسم وزارة الثقافة بضيوفنا الاعزاء الذين شرفونا بقدومهم وتجشموا عناء الحضور والمشاركة في هذا الملتقى الذي نرجو أن يكون خطوة أخرى راسخة ونحن نحث الخطى للاحتفاء ببغداد عاصمة للثقافة العربية، لا اجد حاجة لتسويغ انعقاد ملتقى شعري هنا في مدينة السلام، حين تكون المدينة بغداد والحدث الشعر فلا مكان لأي تفسير ولا حاجة لاجتراح علاقة، ومتى انفكت بغداد عن الشعر او فارقها الشعر حتى نشغل بالبحث عن البيان والتفسير، اجدني ملزمًا هنا بالاشارة الى ضرورة الاتفاق، اتفاقكم انتم الشعراء والمشتغلين بالشعر، على ثوابت تحقق مفهومًا مرنًا ولكن موحدًا للشعر، مفهوم يتيح للشاعر الانفتاح على عالمه بكل ما يحفل فيه من تحولات ذات علاقة بابداعه ويعبر في الوقت نفسه عن ارتباطه بنسغ ابداعه بالتراث لغة وشعرًا وغير ذلك، يجد ربي أن اكون اكثر تواضعًا من أن ابدي رأيًا بالموافقة أو عدمها لقول فقيد الشعر العربي الكبير مصطفى جمال الدين (يولد الشعر كيف شاء وتبقى الـخمر خمراً مهما استجد الأناء) لكنني ازعم ودونما رغبة في الدخول على سجالات الشعراء او التطفل على عالمهم أن من لا يحسن أن يقيم جملة صحيحة واحدة نحوا ولغة ولم يقرأ الشعر العربي بمختلف عصوره وتخونه أذنه عن تمييز بحور الشعر من الصعب أن يسمى شاعرًا.
واضاف : ليس مهما لأي القصائد انحاز، لقصيدة العمود او التفعيلة او النثر، هذا شأنكم ايها الشعراء، لكن المهم لنا جميعًا ان تبقى الصلة حية بين الشاعر ومنبع وحيه، بين الشاعر والتراث بكل جوانبه، كما أن من المهم ايضا أن تبقى الصلة قائمة بشكل من الاشكال بين الشاعر وبين المتلقي، ايًا كان فهمنا واياً كانت رؤيتنا لنخبوية الشعر او شعبويته، من دون هاتين الصلتين ستتحول القصيدة الى ضرب من المونولوج الداخلي المهزول عموديا عن الذاكرة والتاريخ والتراث والمعزول افقيًا كذلك عن المجتمع والمحيطين به.
ثم جاء دور القراءات الشعرية، التي كانت مميزة ومختلفة الانماط، لعدد من الشعراء، فقرأ اولاً الدكتور محمد حسين ال ياسين، قصيدته، التي جاء فيها :
بين قلبي وبين درب المكاره مثل ما بين كوكب ومداره
فكلا النيرين يحيا عطاء، بهداه، وموته بازوراره
أترى تسكر العرائش نشوى بجنى كرمهن دون اعتصاره
او يرضي المزهو بالتمر ظمآن غدو المرجان بعض ثماره
اشعر الحقل في الاعاصير غصن يتغنى زهوا بمعنى اخضراره
ثم ارتقى المنبر الشاعر السعودي جاسم الصحيّح، الذي قبل أن يقرأ قصيدته النونية قرأ مقطعًا جميلاً قال فيه :
عراق..اخر قلبي، يدير شؤونه الحلاج
فراتاه الهوى والشعر، يصطخبان بالامواج
تصوف يا عراق القلب، واعشق فوق ما تحتاج
فأنك ان تركت العشق، عاد لحكمك الحجاج
اما قصيدته النونية فجاء منها :
علم لسانك يصغي فالعراق هنا / تبا لكل لسان لم يكن اذنا
هنا العراق ويطفو من ملامحه / دم الخيال الذي في خاطري حقنا
هنا العراق ويغلي حوض ازمنة / بما صفى من مآسيها وما اثنا
هنا العراق ولولا ماء دجلته، ما كان صلصال هذا العالم انعجنا
هنا العراق، تأمل في ملامحه،تلق الجزيرة، مصر، الشام واليمنا
يا شهرزاد ارقصي والحال واحدة، اذا رقصت علينا او رقصت لنا
ثم القى الشاعر العراقي المغترب عبد الرزاق الربيعي قصيدته التي هيبعنوان (حرائق ابن زريق البغدادي) :
شطط رياحي في الطريق اليك
فالاسوار لاحت من بعيد
والبلاد تجهمت
شطط غنائي والسماء اليك مقفلة
على اللاشيء
وصلصالي هواء يابس
شطط على شطط وانت بعيدة
حد الغياب، قريبة حد العناق
جميلة حد الغرام
وانت مثلي تعشقين الشمس، مثلي تحفرين دمي
لتنزعيك من اظفاره
والقى الشاعر مروان عادل، قصيدته المؤثرة (من اعالي مدينة الطب) التي جاء فيها :
هل جربت مرة ان تكون لئيما
تسرق من دقائق مريضك القليلة دقيقة تطل بها على المدينة
وان تكون منافقا من الطابق السادس
تعطي المتألمين مؤخرتك لتسلم ما تبقى منك للشبابيك
هل جربت التململ ما بين قوسيك
عمود مريضك الفقري
والجسر الذي من بعيد يغمز لك
وانت بذات الجملة تؤانس قوسا وتغازل قوس
وانت بقلة ذوقك تطوي التقارير المريضة
لتتحدث للممرضين عن جمال مدينتك من هناك
واخير.. هل جربت ان تكون انت الشاحب على السرير
تجول بنظراتك ما بين جريان دجلة الخالد وبين غثيان مائك المقطر
ومن اجل استطلاع آراء الشعراء بالملتقى الذي يحمل اسم بغداد، ومحاولة منا في فهم اسباب المقاطعة، كانت لنا وقفات مع بعضهم.
فقد قال الشاعر الدكتور محمد حسين آل ياسين : أن يكون هناك باسم بغداد مهرجان..لم يكن سابقاً باسمها وهي مدينة الحضارة والثقافة والابداع منذ أن أسسها ابو جعفر المنصور والى الآن، فلم نسمع بوجود مهرجان باسم بغداد مع أنها تحتضن العالم بوفودها وملتقياتها ومؤتمراتها، فأن يكون باسمها مهرجان.. شيء جميل، ولكن يجب أن يكون المهرجان المقترن باسمها لائقًا بها من حيث أنها مدينة الحضارة والتألق والابداع منذ أن تأسست الى اليوم، لا أن يكون مهرجان اسقاطاً لفرض، فنقول جعلنا باسم بغداد مهرجانًا يضم عدداً معينًا من الشعراء، فالمهرجان اللائق باسم بغداد يجب أن يكون عالميًا يدعى اليه كبار ادباء وشعراء العالم وكبار ادباء وشعراء العرب والمسلمين سوى كبار شعراء العراق، فما لم يحدث هذا يبقى ناقضًا، ولكنه خطوة إن كان النظر اليه على أنه خطوة فالنظرة صحيحة على أن تتطور وتنمو، اما الوقوف على هذا الحد فهو تراجع لان الوقوف تراجع دائما ونحن لا نريد لمهرجان باسم بغداد يقال فيه إنه محدود ضيق وضاقت صدور القائمين عليه ببعض الاسماء العراقية فضلاً عن الاسماء العربية والعالمية.
واضاف : اما، وقد سمعت مؤخرًا، أن هناك تقصيرًا في دعوات معينة للادباء فإن كان التقصير متعمدًا فهو مرفوض رفضًا قاطعًا، وانا ممن يرفض ويعان هذا الرفض، فلا تصنيف للادباء، من يدعى ومن لا يدعى زمن مر وولى، اما الان فدعوة الجميع، اما اذا كان التقصير بسبب إداري، إن الموظف الذي يوصل الدعوات لم يوصلها في الوقت المحدد فهو خطأ يتم تجاوزه بتصحيحه، وانا ارى أن الشاعر العراقي يحتاج الى دعوة، فكيف يمكن أن يفهم شاعر في محافظة من المحافظات أن هناك مهرجانًا للشعر يدعى اليه في وقت محدد ومكان محدد.
وقال الشاعر العراقي علي الامارة : هذا مهرجان أدبي خالص وفيه دعوة لشعراء من كل مدن العراق ومن الدول العربية وهو فرصة للقاء بشعرائنا سواء من داخل العراق او الشعراء العراقيين الذين جاؤوا من الخارج او شعراء العرب، وهم نخبة جيدة، لذلك كان المهرجان كما نراه مهرجاناً نخبويًا عربياً بامتياز، ربما تكون بعد الهنات الادارية أو شيء ما، ولكننا نلتمس العذر ايضا لمنظمي المهرجان لان النية صادقة وادبية ووطنية من اجل اعلاء كلمة الثقافة العراقية ومن اجل أن تكون هذه الخطوة ممهدة لقضية بغداد عاصمة الثقافة العربية، وهذا المهرجان مفتتح لهذا المشروع الكبير، ليجيء العرب ليثبتوا بصمتهم وليؤكدوا أن بغداد يمكن أن تعود عاصمة للثقافة العربية.
اما الشاعر السوري هاني نديم فقال : بغداد والشعراء والصور، هكذا هي في مخيلة كل عربي، لا يوجد شاعر عربي الا ولبغداد في رقبته منة، واليوم تعود بغداد الى الواجهة، ونظن أنها عادت بقوة بأنها عاصمة الثقافة 2013، هذا يحيي املاً في قلوب كل الشعراء، اتينا حباً وكرامة ومؤازرة ونأمل أن تستعيد بغداد دورها في أن تكون هي الحاضرة الاولى في الوطن العربي، وانا حضرت الى بغداد على الرغم مما يحدث في سوريا لأننا نقول وانتم الشيء نفسه، ان كسر جناح الشام فعليك ببغداد وهكذا، يعني انا زعلان لدمشق وافرح لبغداد.
فيما قال الشاعر المصري شعبان يوسف : المهرجان رائع جداً وقد استقبل شعراء من جميع البلدان العربية في ظرف تعيشه الدول العربية يتمثل بحالة تحول، وكون أن بغداد مقبلة على أن تكون عاصمة الثقافة العربية تستقبل الشعراء كافة في هذه المرحلة التحولية اظن أن هذا شيء عظيم جداً، بالاضافة الى ذلك الاسماء المدعوة التي تنطوي على اتجاهات متعددة وعلى اجيال مختلفة وعلى انواع من الكتابة الشعرية، وبالتالي الاستضافة كريمة خاصة أن في المرحلة السابقة تم تهميش الشعر وتهميش الكتابة الجادة لحساب فنون ليست جادة، وانا اعتقد أن مهرجان الشعر هذا يعيد رد الاعتبار للشعر العراقي.
فيما قال زميله الشاعر سماح عبد الله : بغداد طوال الوقت مرتبطة بالشعر ولها في قلوبنا مكانة كبيرة لأن التاريخ كله يحكي عن دور الشعر في العراق والشعراء الذين كانوا موجودين في بغداد والبصرة وبابل وما الى ذلك، واختيار بغداد عاصمة ثقافية للثقافة العربية حدث جلل يستدعي أن نشارك ونحتقي بهذه المناسبة، وبالنسبة لي على المستوى الشخصي انا سعيد بهذه المشاركة لانهاالمرة الاولىالتي أزور فيها بغداد واتعرف عن قرب على الشعراء الذين يمكن أن اكون قرأت لهم أو تابعتهم من خلال كتاباتهم وقصائدهم، هي فرصة للقاء الاحباب من الشعراء وفرصة للتحاور حول التجارب الشعرية المختلفة ودور الشعر في هذه الحقبة الصعبة التي تمر بها البلاد العربية
وكانت وقفتنا الاخيرة عند عضو اللجنة التحضيرية للملتقى الشاعر مضر الالوسي الذي قال : يكفي بغداد أنها تعيد لنفسها هيبتها الشعرية وهيبتها الثقافية، هي تُختار كعاصمة للثقافة العربية لعام 2013 وانا ارى أن بغداد عاصمة للثقافة العربية منذ تأسيس الثقافة العربية، والعراق المدرسة الكبيرة، سواء المدرسة البصرية أو الكوفية، هي عاصمة الثقافة، وعلى كل حال بغداد اليوم تحتضن وتعتبر أن ملتقى بغداد الشعري هو باكورة وافتتاح وتمهيد لفعاليات مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية، وهي اليوم تفتح ابوابها بحق لشعراء عراقيين مغتربين وعرب وعراقيين، وربما لم تشهد بغداد مثل هذا الحضور بالنوع والكم في الشعر، ربما شهدت في المسرح وغير ذلك في مبادرات سبقت الملتقى الشعري، ولكن ارى اليوم بغداد أعادت الى نفسها ثوبها ثوب عرسها وألقها وجمالها.
واضاف : لا اجد مبرراً لمقاطعة الشعراء سوى أنها اصبحت عادة للعراقيين، أن نقاطع اي نشاط وهناك معترضون، وهذا ضمن النشاط الثقافي الذي تعوّد عليهالعراقيون وافرزته تلك المراحل، اتمنى من المعترضين على النشاطات الثقافية وليس على ملتقى بغداد الشعري فقط حتى لو كان نشاطًا فرديًا ان يفرحوا وأن يقولوا شكراً لبغداد وشكرًا لذلك النشاط وشكراً لنا لأننا ما زلنا نقرأ الشعر وما زالت بغداد بخير في الفن وغير ذلك.
التعليقات