حميد مشهداني من برشلونة: في الواقع، نيتي كانت الكتابة عن فيلم ldquo;العظماء السبعةrdquo; 1960 للمخرج الاميركيrdquo;جون ستيرغيسrdquo; بسبب اهميته و تأثيره الكبير في جيل الستينات من هواة و محبي السينما في بغداد، خصوصا بين الفتيان والشباب الذين تعلموا الكثير من جمل هذه الافلام المشهورة باللغة الانكليزية خصوصا تلك التي اعتادت عليها أفلام ldquo;الغربrdquo; او ldquo;رعاة البقرrdquo;. صغارا كنا نسميها أفلام ldquo;العصابةrdquo;، و كنا نلعب ادوار بعضها في درابين أحيائنا الشعبية الجميلة، و نقول جملا مثل ldquo;هانزابrdquo; اي أرفع يديك مع حركة يد سريعة تشهر مسدسا افتراضيا، أو ldquo;شارابrdquo; بمعنى ldquo;اصمت،،، rdquo; التي كان يكررها ldquo;جون واينrdquo; في العديد من افلامه. و بينما كنت أكتب السطور الاولى فاجاني فيلم ldquo;الساموراي السبعةrdquo;على قناة الافلام الكلاسيكية فتركت الكتابة و عدت مشاهدة الفيلم للمرة الخامسة خلال 30 سنة، المرة الاولى كانت في لندن في مهرجان عن السينما اليابانية في ldquo;الناشينال فيلم تياتيرrdquo;و بصراحة لم تربط ذاكرتي علاقة الفلمين و بعد سنوات عدت مشاهدته مرات اخرى في اماكن و مناسبات مختلفة.
فيلم ldquo;الساموراي السبعةrdquo;1954 اليدوي الصنع الذي ابدعه ldquo;أكيرا كوراساواrdquo; 1910-1998 يعتبر من الافلام الكاملة الصنع في كل مكوناته على مدى تأريخ السينما، و من أكثرها روعة وثراء في بحثه روح الانسان المعقدة التركيب و انفعالات هذا في سنوات الحروب و الازمات و القحط، في تقنية يحسد عليها رغم بدائيتها في تصوير خارجي دائم حيث الطبيعة و الشخصيات تمتزج و تتوحد في غنائية رائعة لا تخفي اهوال الحروب، و الجفاف و الزمن القاسي، تلك التي مرت بها اليابان في اواخر القرن السابع عشر على مدى عقود و اول ضحاياها كان الفقراء من الفلاحين بين ضرائب الامبراطور الظالمة، و قسوة اللصوص و قطاع الطرق واليأس قاد الكثير منهم الى الانتحار الجماعي، ولكنهم كانوا قوت الارض ايضا و أصحابها.
المخرج الياباني الذي كان قد اخرج فيلما رائعا اخر قبل سنوات من هذا ldquo;راشامونrdquo;1950 الذي قلدته السينما الاميركية فيما بعد وضع بداية فيما نسميه اليوم بأفلام ldquo;الاكشنrdquo;التي تحدث في ارياف اليابان البعيدة في أسلوب ملحمي يسطر حالة البؤس الفلاحي في البلد الاقطاعي و لا يترك تشريح الشخصيات في انفعالاتها الشخصية بين الفقراء و بين محاربي الساموراي فهم شركاء في نبل قضيتهم، فهؤلاء هم في اصلهم نبلاء في اعتبارات الشجاعة و العدل و الاخلاق و بدورهم أصبحوا من ضحايا فساد الامبراطورية و تدهور ادارتها، و هنا يحلل كوراساوا الشخصيات كلها في انفعالات مختلفة و متناقضة امام مواقف الشجاعة و الجبن، و امام المأزق الانسانية في سرد جميل و خالي من الغوغائية فمصيبة الفقراء هي الخوف من السلطة الظالمة، الرهبة من القسوة التي تجعلهم جبناء في طبعهم، فهم اعتادوا الضيم و هذا لا يتفق مع روح الساموراي الذي لقن الشجاعة و الاخلاق منذ صغره، و هنا تتصادم الاهواء، و المخرج يطرحها كما هي مما يعطي الفيلم واقعية فريدة. و في كثير من الاحيان محيرة في شرط الانسان المتغير، و لا يترك جانبا تفاصيل العلاقات الانسانية من المشاعر اليومية من الحب و الوفاء والشجاعة و الاحترام، و حتى الخيانة.
المخرج العظيم يصنع فيلما جديرا بldquo;سامورايrdquo;محترم وهذا صار منذ انتاجه أشارة مهمة في تأريخ السينما العالمية، ومنه أخذ العديد المخرجين الاميركان في تطبيق يكاد

يكون حرفيا في هذه المهنة، مثل فيلم ldquo;العظماء السبعةrdquo;الذي أشرت عليه في بداية المقال، و الذي يتبناه المخرج ldquo;جون ستروجرrdquo; بحذافيره.
قصة الفيلم تتحدث عن قرية فلاحية في يابان القرن السابع عشر الاقطاعي الذي دمرته حروب الامبراطور وحاشيته الفاسدة، التي ستحاول قمع المحاربين الساموراي الذين قاوموا الفساد الاداري، في هذا الاطار ينتشر النهب و السلب من قبل عصابات لصوص محترفين وقساة، وهذه القرية كانت مثلا لما يحدث في زمن الحروب، فهي تقع تحت سطوة واحدة من هذه العصابات التي اعتادت زيارة القرية بعد كل موسم حصاد، و بالقوة و العنف تصادر كل المحاصيل و حيوانات المزراعين بجانب اغتصاب نسائهم و بناتهم، و أخيرا يطلبون نصيحة شيخ القرية الحكيم و هذا يامرهم الذهاب حالا الى المدينة القريبة في محاولة العثور على بعض من بقايا الساموراي و التعاقد معهم لحماية القرية من اللصوص و أقترح ان 4 منهم يكفون في تنفيذ هذه المهمة، مقابل طبقين من الرز في اليوم و سقف تحته ينامون، و في المدينة يلتقون الساموراي المخضرم الحكيم، rdquo;كانبييrdquo;الذي يؤدي دوره ldquo;تاكاشي شيموراrdquo;1905-1982، و هذا يبدأ في تجنيد عددا من من الساموراي العاطلين عن العمل بعد التصفيات، و لايملكون غير أزيائهم العسكرية و سيوفهم و الاهم من كل هذا، أخلاقهم الرفيعة، و أباء المحارب العادل، و يتمكن من جمع 6 من هؤلاء الذين يمثلون مزاجات مختلفة، اما السابع منهم فهو ليس من اصل ساموراي، فهو شاب غريب الاطوار من أصل فلاحي فقير ولكن تغيرات مزاجه، و مرحه يضيف للشريط عنصرا هاما كان ldquo;كوراساواrdquo;قد اهتم به بشكل خاص، فهو يختار ldquo;توشيرو ميفونيrdquo;1920-1997، و هذا من ممثلي المخرج المفضلين، و شارك في معظم أفلامه، و هنا يؤدي دور ldquo;كيكوتشيوrdquo; الفتى الشبه معتوه. و مشاكس و مرح، و في تغير نفسي دائم بين الفكاهة والغضب و الصراخ ليكون عرضة للسخرية على طول الفيلم ليفاجئنا في النهاية في شجاعته و ندرة معدنه الانساني حيث يقضي في محاولة انقاذ طفل كان قد أختطفه أحد اللصوص، و بأعتقادي كان هذا من أجمل مشاهد الفيلم التي تثير العطف و الانفعال، فهو ليس من ملة الساموراي في أصله، و لكنه يصير واحدا منهم بعد تضحيته من أجل انقاذ طفل برئ، لان الموت من أجل قضية عادلة كان من مبادئ هؤلاء المحاربين الاولى.
الطرح يبدو بسيطا، فمجموعة من الساموراي يجدون فرصة فريدة لتطبيقهم في الاخلاق و الشجاعة، و يتفقوا على الدفاع عن مزراعين أنهكهم الجوع و ويلات الحروب، من هذه البساطة يبدأ المخرج في صنع فيلما ldquo;ملحمياrdquo; بارعا مليئا بالحركة و الانفعال الجدي و المصيري، و لا يترك في نفس الوقت تزينه بنوع من الفكاهة و التهكم، التي بدورها كانت تغني الفكرة الاساسية لهذا. و هي أبراز القيم الانسانية، ففي ريف اليابان الاقطاعي كان الفلاح ينتمي الى ادنى الطبقات الاجتماعية، و معرضا للقسوة و الظلم من كل جانب، و عدم الامان كان شرطا للعيش امام تدهور اخلاق النظام الامبراطوري و فساده، و الحل في النهاية يأتي من حكمة شيخ القرية و من شجاعة الساموراي السبعة.
الاداء الرائع للممثلين الذي يتبلور بطيئا مع تقدم الفيلم، و تعاطف المشاهد في نفس الوتيرة حيث التواصل العاطفي في المشاعر لا يترك لحظة من التوقع و الارتقاب و في حالة صعود تدريجي الى ى ان تظهر عصابة اللصوص في النهاية و مرارة المواجهة في المعركة النهائية و الانتصار في الاخير يتركنا بدون شك امام واحدا من أهم 10 أفلام صنعت على مدى القرن العشرين، و بمناسبة الحديث عن الاداء اود التركيز على ldquo;تاكاشي شيموراrdquo; الذي يقوم بدور ldquo;كامبييrdquo; المحارب الحكيم اولا و الشجاع ثانيا، فيه يعطي درسا رائعا في الاداء و سيترك اثره في العديد من الممثلين العظام مثل ldquo;مارلون براندوrdquo;في حركات تبدو عفوية ولكنها في تفاصيلها تمنح الممثل فرصة التحول البطئ و الحميمي و تجعله اكثر انسانية كما مسح رأسه الحليق في هدوء الحكيم، و لمس اذنه كل مرة فيها يسمع حديث الاخرين و حينما ينوي نصيحة أحدهم، وهذه الحركات البسيطة في الاداء صارت فيما بعد ldquo;عكازةrdquo; العديد من الممثلين، ف ldquo;السامورايrdquo; كامببي بعد رسمه خطة مواجهة العصابة الشريرة في ذهنه ايظا كانت نيته في توريط المزارعين و المساهمة في الدفاع عن حقوقهم، لان مشكلة هؤلاء ليست الحدث المحدد مع اللصوص، و انما حالة الذعر و الجبن الذي سكن قلوبهم على مدى أجيال، و ربما الانتصار و لو لمرة واحدة ربما سيوقض في ارواحهم المتعبة قيم الشجاعة و العدالة، و احترام الذات، ، و انتشالهم من حالة ذل و كبوت متراكم، فدرس القيم المثالية الذي يطرحه ldquo;كوراساواrdquo; يصبح في غاية الاهمية و السمو بالنسبة للمزارعين الفقراء الذين أعتادوا الظلم، و عدم العدل كأنه مصيرا ابديا،
اخيرا، نشاهد فيلما مشوقا في مغامرات و توقعات لا تنتهي على طول الفيلم، و لايد من الاشارة الى ممثلين رائعين اخرين مثل ldquo;دياسوكي كاتوrdquo; 1910-1975 الذي يؤدي دور الساموراي المخضرم ldquo;شيشيروجيrdquo; وهذا كان رفيق سلاح قديم لكامبيي ldquo;مينورو جياكيrdquo; rdquo;1917- 1989 الساموراي الحطاب.
يستمر تصوير الفيلم اكثر من سنة و يتجاوز الميزانية المحددة مما جعل من شركة الانتاج التفكير جديا في تصفية المشروع و تسريح كل العاملين في الفيلم، ولكن ldquo;كوراساواrdquo; الذي كان يقول في شبابه أنه يتمنى ان يصير ldquo;جون فوردrdquo; حينما يكبر، أصر على المواصلة، و بمساعدة مصور افلامه ldquo;أساكازو ناكايrdquo; أبتكر أسلوبا جديدا في التصوير في استخدام 3 كاميرات لكل لقطة خصوصا لقطات ldquo;الاكشنrdquo; التي كانت باهظة التكاليف، و هذا صار تقليدا في كل افلامه اللاحقة، يمكن القول ان هذا العمل الاسطوري في كله هو نتيجة جهد المخرج الذاتي، كان نوعا من التحدي الفلسفي لسينمائي مثقف و ملهم، و صار فيما بعد مدرسة في صناعة السينما على طول تأريخها، حيث قامت هوليوود بأعادة تبنيه في سلسلة طويلة من الافلام مثل ldquo;عودة العظماء السبعةrdquo;مع ldquo;يول براينرrdquo;و ldquo;غضب العظماء السبعةrdquo; وldquo;تحدي....rdquo; الخ، ناهيك عن عدد كبير من المسلسلات التليفزيونية.
فيلم رائع يفتتح عالمية ldquo;كوراساواrdquo; بفوزه جائزة الاسد الفضي في مهرجان ldquo;فينيسياrdquo; لعام 1954. ورشح لعدة جوائز عالمية ايضا منها ترشيحان لجائزة الاوسكار عام 1955، انصح القراء مشاهدته، وأكثر من مرة.