برشلونة: أقام متحف quot;الملكة صوفياquot; في الاسبوع الاخير من شهر نيسان اكبر معرض على الاطلاق للفنان quot;سلفادور داليquot; 1904-1989، هذا ما يتفق عليه كل النقاد والخبراء في شأن quot;الداليةquot; المحيرة و المثيرة الفضول منذ الربع الاول من القرن الماضي من حيث الانتاج التشكيلي، و الادبي، و حتى الفلسفي بجانب عمله المسرحي و السينمائي، هو الذي بنى أسطورته حيا، و جعل من quot;هذيانهquot; اساسا لعمله الفني، مفاخرا سيطرته على التقنية كما كلاسيكيين عصر النهضة مثل quot;رافائيلquot; و quot;تيسيانquot;.
ظهور quot;داليquot; بين فترتين حاسمتين في تطور المدارس الفنية على مدى القرن الماضي جعل منه فريدا و خصوصيا و هو كان يعي ذالك، أعني الحداثة التي بدأها الانطباعيين بين نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، ليصل الى التحول الجذري الذي جربته الحركة الفنية في الستينات فيما سمي ب quot;البوب ارتquot;.
التهيئة لهذا المعرض الرائع استمرت اكثر من 3 سنوات، و بعد مفاوضات متعبة و شاقة بذلها مركز quot;بومبيدوquot; للفنون في باريس، و متحف الملكة quot;صوفياquot; المدريدي تمكن من اقناع العديد من المتاحف و المؤسسات الفنية في مختلف يلدان العالم أعارة مقتنياتها من اعمال الفنان، أقناع أصحاب اهم اعمال quot;داليquot; كان أصعب في بعض الاحيان، اخيرا، المجموعة كانت 200 لوحة، و هذا رقم قياسي في تأريخ معارض الفنان خلال العقود السبعة الاخيرة، و أقيم هذا أولا في مركز quot;بومبيدوquot; للفنون في باريس خلال الاشهر الستة الاخيرة، تحت عنوان quot;كل الايحاء الشعري، و كل أحتمالات التشكيلquot; و ها هو ياتي مدريد تحت نفس العنوان، و كما حدث في باريس يصير هذا المعرض من اهم الاحداث الفنية في اسبانيا.حيث تتراكم أسراب الزوار أبواب المتحف و الانتظار لساعات من اجل الدخول، لان الفنان و اسمه يثير الاثارة دائما، ليس فقط بين العارفين في الفن و الفنون، و انما على ابسط المستويات الشعبية.
يتكون المعرض من 11 جناحا تعكس مراحل تطور الفنان منذ الطفولة، ففي الاثنين الاولى نرى تخطيطاته و رسومه الاولى التي تكتض ب quot;بورتريهاتquot;شخصية بجانب لوحات ر سمها للعائلة بجانب مناظر طبيعية لقرية quot;كاداكيسquot; شمال أقليم quot;كاتالونياquot; وهذه القرية ستكون لاحقا مسكن شيخوخته، الجناح الثالث و المهم بأعتقادي هو الذ اطلق عليه أسم quot;العسل اكثر سكرا من الدمquot; و فيه نشاهد انتقال quot;داليquot; الى دار اقامة الطلاب العتيدة في مدريد، و هناك يتعرف على الشابين أبطال تلك الدار و هما quot;فيديريكو غارثيا لوركاquot; الذي سيصير شاعر اسبانيا الاكبر، و quot;لويس بونويلquot; الذي سيكون فيما بعد أحد اهم مخرجي السينما في العالم، في هذه المرحلة يجرب الفنان تحولا جذريا أثناء هذه الصداقة الحميمة، quot;لوركاquot;من غرناطة و quot;بونويل من قرى quot;سرقسطةquot; و هو من قرى شمال أسبانيا، هذا يجعلني أتذكر رفاقي في quot;أكاديمية الفنون الجميلةquot;في بغداد التي كانت تزدحم بشباب مبدعين من قرى الجنوب و من قرى quot;كردستانquot; و تعامد حب الفن و لوعته جعل من معظعمهم فنانين رائعين دون شك. في هذه الفترة يتخلى الفنان عن البساطة و السذاجة احيانا و يكتشف سهولة التفوق، يكتشف سموه على الاخرين و يكتشف عبقريته ليسخر من الواقع الثقافي، و يسخر من مثقفين تلك الفترة في رسوم عرفت ب quot;الفطائس النتنةquot; ليبدأ مغازلة التكعيبية و المستقبلية.
الجناح الرابع يمثل نضوج الفنان بعد انتمائه الحركة quot;السورياليةquot; و عمله السينمائي المشترك مع quot;بونويلquot; تحت عنوان quot;كلب اندلسيquot; و يتعمق في دراسة quot;فرويدquot; الذي سيداعب quot;تدهور؟quot; صحته العقلية ليرسم لوحات بالغة الغرابة في استخدام عبقري لخيال الجنون اللحظي و الحلمي، و صار من اكبر المعبرين عن quot;الفرويديةquot; فنيا حيث نفذ أكثر لوحاته شهرة مثل quot;الاستمنائي العظيمquot; و quot;الحاح الذاكرةquot; التي سميت ايضا الساعات المائعة، 1931، و هذه اللوحة أعارها متحف نيويورك للفن الحديث لهذا المعرض، و من متحف quot;فيلاديلقياquot; تأتي اهم لوحاته و التي تعددت عناوينها هنا تسمى quot;البخار المائع لفاصوليا مسلوقةquot; 1936 يتنبأ فيها quot;داليquot; وشوك وقوع الحرب الاهلية الاسبانية المدمرة، ثم لوحة quot;تحولات نرجسquot;، و متحف الفنون البلجيكي يعير واحدة من اجمل لوحات الفنان quot;غواية القديس انطونيوquot;، هنا يتخلى quot;داليquot;عن الفطائس و الجثث المحببة ليمنح عمله بعدا فلسفيا و دينيا بالغ التعقيد و يعمق في المعنى quot;الهذيانيquot; في لوحاته و يعيد رسم لوحات كلاسيكيين الرسم مثل quot;فيلاسكيزquot; و quot;ميليتquot; و يعيد رسم لوحة هذا الاخير quot;صلاة التبشيرquot; حيث يحول الانثى الى حشرة فرس النبي تفترس الذكر بعد المضاجعة، هذه كانت من اكثر مراحل الفنان ثرائا فنيا من كل نواحي القنية الاكاديمية. الاجنحة التالية تمثل المرحلة الاميركية، فبعد الحرب العالمية الثانية يغادر للمرة الثانية الى الولايات المتحدة ليتفرغ الى أختراع نفسه من جديد كمحاضر و نجم تلفزيوني و كاتب، و يرسم مجموعة من الرسوم التوضيحية لكتابه quot;الحياة السرية لسلفادور داليquot;.
الجناحين الاخيرين جهزت لعرض العديد من مقتنيات الفنان الشخصية، من أدوات المرسم و الكاميرات و الخطوطات و الصور، بجانب العديد من نماذج مساهماته السينمائية مع quot;بونويلquot; و quot;الفريد هتشكوكquot;.
معرض مدهش ، رائع و فريد سيستمر حتى شهر ايلول القادم، أخيرا، لمعلومات أكثر حول سلفادور دالي بالامكان قراءة مقالاتي quot;سلفادور دالي، انا السوريالي الاوحدquot; و عودة الى السوريالي الاوحدquot; ثم quot;كلب اندلسيquot;