برشلونة: أكتب عن هذا الفيلم لعدة أسباب سأقوم بشرحها لاحقا، أهمها هو نزق، أو quot;نزوة quot; المنتج العبقري المعروف quot;ديفيد شليزنكquot; 1902-1965، ثم نزاعه المتعب مع المخرج الرائع quot;كنغ فيدورquot; 1984-1982 و بعد ذالك التنافس بين أثنين من عمالقة السينما هما quot;غريغوري بيكquot; 1916-2003 و quot;جوزيف كوتينquot; 1905-1994 وهنا أعني التنافس المبدع في الاداء، و هذا يلاحظ في تسلسل اللقطات و المشاهد خصوصا تلك التي يشتركان فيها، و أخيرا الطرح الاخلاقي و السياسي للفيلم في مجتمع محافظ مثل المجتمع الاميركي في منتصف الاربعينات حيث كانت صناعة السينما خاضعة لرقابة شديدة من قبل لجان quot;الكونغرسquot; و لجان رقابة ذاتية في زمن القمع الفكري و الفني الذي قاده quot;ماكارثيquot;.
quot;صراع في الشمسquot; او quot;صراع تحت الشمسquot; 1946 يعتبر من الافلام الملحمية المليئة بquot;ميلودراماquot; عاطفية و اجتماعية، و حتى سياسية تقع أحداثه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في الغرب الاميركي وبالتخصيص في ولاية quot;تكساسquot; و هو ليس من افلام quot;رعاة البقرquot; التقليدية التي أعتدنا مشاهدتها سنوات خلت، فبجانب المغامرة و quot;الاأكشنquot; و التصوير الرائع يطرح العديد من المسائل الاجتماعية و الاخلاقية ايضا.
باختصار قصة الفيلم تبدأ بعد قتل السيد quot;سكوت جافيزquot; زوجته و عشيقها في لحظة جنون الغيرة و يعترف بجريمته و يعتبر ان عقوبة الاعدام بحقه كانت عادلة، و لكنه يخشى على أبنته الوحيدة quot;بيرلاquot;الشابة الحسناء في مرحلة عمرها المراهق، و قبل أعدامه يوصي أبنته الذهاب الى بيت واحدة من قريباته، هذا الدور تقوم به و بشكل مثير الممثلة الرائعة quot;جينيفر جونزquot; 1919-2009، تصل بيت قريبة والدها quot;لاوراquot;، و هذه تخفي في قلبها قصة حب جميل مع والد الشابة في زمن مضى، تحتفي بها و تحميها، هذا الدور تقوم به الممثلة المجربة و الشهيرة منذ أيام السينما الصامتة quot;ليليان غشquot; 1893-1993، هنا هي زوجة أقطاعي قاسي و عضو سابق في quot;الكونغرسquot; ملاك أراضي رعي شاسعة

و معارض لبناء طرق سكك القطارات التي ستعبر مقاطعته، هذا الدور يقوم به الممثل المحنك quot;ليونيل باريمورquot; 1878-1954.
تصل quot;بيرلاquot; الحسناء بيت العائلة هذه لتبدأ المشاكل المتعبة بين ابنيهما المتناقضين في الثقافة و الاطباع، quot;جيسيquot; الاخ الاكبر هو شاب متعلم و مثقف و محترم، دور رائع يقوم به quot;جوزيف كوتينquot; أمام أخيه الاصغر و المدلل من قبل أبيه، و هذا يغفر له كل مجونه و رعونته، وحتى جريمة القتل..quot;لويتquot; هو أسمه، دور غريب و جميل يلعبه quot;غريغوري بيكquot; شاب وسيم، و فارس محترم، الاثنين يقعون في غرام quot;بيرلاquot;، ولكن بطرق مختلفة، الاول بحب محترم و صامت، الثاني، بروعنة و قسوة.
quot;جيسيquot; يغادر منزل العائلة بعد نزاع مع والده الذي يعارض و بشدة قانون quot;الكونغرسquot; الذي يسمح قطع أراضيه الشاسعة و مزارعه لبناء طرق و سكك القطارات التي كانت ضرورية في مشروع بناء البلد الكبير، يلعن أبنه بسبب وقوفه بجانب القانون و يطرده، و هنا تبقى الشابة المغرية تحت براثن quot;لويتquot; الفاسق الذي لا يتورع في اغتصابها فيما بعد ليهجرها بعد ذالك و هي تشعر بالعار، و لتغطية الفضيحة تتزوج من أحد رعاة البقر، و هذا ينتهي قتيلا على يد الشاب الارعن quot;لويتquot; في حادث استفزاز واضح من قبل هذا الاخير، الاب هنا يساعد أبنه المدلل في الهرب من قبضة العدالة، و يسهل هربه الى الجبال الحدودية و الاختفاء هناك الى حين، لا ينتظر طويلا و يحاول الاتصال من جديد بعشيقته السابقة الارملة حاليا التي لم تترك عشقه رغم الذل و الاهانة الذي عانته من هذا الشاب الردئ، و بعد أخذ و رد و النزاع من جديد مع الاخ الاكبر الذي ينتهي بجرح هذا الاخير في محاولة حمايتها من quot;لويتquot; يطفح كيل غضب quot;بيرلاquot; و تقبل دعوة الاخ الشرير للهرب معا الى المكسيك، ولكن هذه المرة تحول الحب الى حقد شديد، و رغبة عارمة في الانتقام، تذهب اللقاء مع بندقية تخفيها بين ثيابها، و على مسافة من اللقاء تطلق عليه النار يرد عليها، تتبادل الجروح و الرصاص في تلك الجبال تحت شمس صيف ساخن ليموتا أخيرا في عناق دامي.
فيلم quot;صراع في الشمسquot; و صناعته كانت تحديا شخصيا للمنتج العبقري الشاب quot;ديفيد شليزنكquot; الذي أشتغل في كل مؤسسات السينما في quot;هوليوودquot; مثل quot;بارامونتquot; و quot;مترو غولدن مايرquot; و quot;ر. ك. وquot;، وكان على رأس إنتاج الفيلم الاسطوري quot;ذهب مع الريحquot; 1939. وهو في قمة الشهرة و الثراء يعاني من انفعالات زوجية و غير زوجية يقع في غرام الممثلة الشابة quot;جينيفير جونزquot; و هذه كانت من نجمات الاغراء في تلك الفترة، و في لحظة من هوس العظمة يقرر ان يعيد تجربته الاولى في محاولة انتاج فيلما ملحميا أخر بعد 7 سنوات من شريط quot;ذهب مع الريحquot;، ولكن القلق يختلف الان، فهو ليس مستقرا عاطفيا، و جنونه بالممثلة الجميلة قاده الى الطلاق من زوجته الاولى لتصبح quot;جونزquot; عشيقته الرسمية، و أراد ان يعمد هذا الحب في صناعة فيلما مميزا مناسبا لمقاييس العشيقة الجديدة، و ليس غريبا ان يكون مميزا اذا أخذنا بعين الاعتبار كلفته التي بلغت أكثر من 8 ملايين دولار، و هذا كان رقما قياسيا في الانتاج السينمائي حتى ذالك الحين.
كل عناصر صناعة الفيلم كانت مذهلة، من اخراج و تصوير و موسيقى، لكنه يخفق في اهمها باعتقادي، و هنا اعني quot;السيناريوquot; رغم تعاقده مع أهم كتابه و هو الشهير quot;بن هيشيتquot; 1894-1964، و لا يكتفي بهذا فيطلب من كاتب الرواية quot;نيفين بوسشكquot; التعاون في صياغة النص السينمائي لراويته الشهيرة التي يرصعها بالعديد من الحكم quot;الانجيليةquot; و نلاحظ هذا في العداء بين الاخوين حيث يشير بشكل غير مباشر الى قصة quot;قابيل و هابيلquot; المعروفة، و السبب في الاخفاق يعود الى تدخل quot;شليزنكquot; في كتابته و تعديلاته اليومية على النص ليكاد ان يكون هو كاتبه، فكان يضيف و يحذف حسب أهوائه حريصا على أبراز دور عشيقته quot;جينيفر جونزquot;مما أثار حساسية هؤلاء، و لكنهم التزموا الصمت حفاظا على رواتبهم العالية، و على مضض يعودوا مرة بعد أخرى كتابة النصوص كل يوم حسب مزاج المنتج، و لكن المخرج الكبيرquot;كنغ فيدورquot; ضاق ذرعا من نزق quot;شليزنكquot; و ضاق من وجوده الدائم أثناء الاخراج و في مواقع التصوير، و حتى اثناء عملية التقطيع و هذا كان قد ساهم في اخراج قسم من فيلم quot;ذهب مع الريحquot;، و الخلاف يطفح أثناء تصوير مشاهد الفيلم الاخيرة. كما هو معروف، بعض الافلام تشتهر أحيانا بسبب تفاصيل بسيطة، مثل الحوار الذكي، أو جملة ذكية و قصيرة او لقطة تصوير لا تنسى، و هذا الفيلم يتذكره مشاهديه من خلال لقطاته الاخيرة في الصراع بين العشيقين في تلك الجبال تحت الشمس، و أثناء تصوير quot;جونزquot;و هي تزحف جريحة فوق الصخور الساخنة طلب المخرج وضع نوع من الحماية لجسد الممثلة، و لكن المنتج يرفض بشكل قاطع و يأمر بالتصوير دون حماية، و هذا أصاب الممثلة بالعديد من الجروح الحقيقية، و كان المخرج يستمع لهثات هذا خلف ظهره متمتعا بشكل quot;ساديquot; في هذا المشهد الذي أعيد تصويره عدة مرات، و هنا ينهض quot;فيدورquot; من كرسي الاخراج غاضبا و يقول للمنتج quot;أنت و فيلمك، الى الجحيم،، و إذا استطعت ضعه في مؤخرتكquot; و غادر موقع التصوير وترك quot;شليزنكquot; حائرا في أمره الذي سارع في طلب العون من المخرج quot;أوتو برويرquot; 1895-1946. كان بإمكان الفيلم ان يكون انجازا أسطوريا أخر في صناعة السينما ليدخل في حساب المنتج الكبير لولا رعونته و هوسه العاطفي في تلك الفترة، و تدخله ايضا في التقطيع و المونتاج كان كارثيا بالنسبة للفيلم و تبدو القفزات غير المبررة في العديد من المشاهد، أما أجمل ما في الفيلم كان التصوير الرائع لثلاثة من أحسم مصوري السينما في quot;هوليوودquot; مثل quot;هارولد روسنquot; و quot;راي ريناهانquot; ثم quot;لي غارنيسquot;، و يبدو ان تدخل المتج في هذا الشان لم يضر الفيلم.
ليس في نيتي التقليل من شأن quot;ديفيد شليزنكquot; فهو كان بارعا في كل فروع صناعة السينما، و تربى في استوديوهات مدينة السينما و عمل و أنتج العدديد من الافلام الناجحة و نرى أسمه مرتبطا في الكثير من التحولات المهمة في تأريخ صناعتهاعلى مدى 3 عقود، ولكنه في فيلم quot;صراع في الشمسquot; كان يعاني انفعالات أخرى. رغم حرصه على أختيار أروع ممثلين تلك الفترة و أشهرهم، و اكثرهم سعرا خصوصا في تعاقده مع quot;ليونيل باريمورquot; و quot;ليليان غشquot; و هذه الاخيرة تفوز بجائزة الاوسكار على دورها الثانوي، و في هذا كان يريد تقدير الجيل الاول من الممثلين، ثم دعوته لنجمين رائعين لبطولة الفيلم مثل quot;غريغوري بيكquot; و quot;جوزيف كوتينquot; في عز شبابهما و في قمة الشهرة في تنافس أدائي خالد، و اللمسة الجميلة في الفيلم كان صوت quot;أورسون ويلزquot; مقدما للفيلم في البداية و في النهاية في إضافة مسرحية تزيد من الثقل التراجيدي للفيلم.
الفيلم يتأخر في النجاح تجاريا رغم فوزه بجائزتين quot;أوسكارquot; الاولى لquot;جينيفر جونزquot; و الثانية للممثلة السيدة quot;ليليان غشquot;، ولكنه أثار جدلا أخلاقيا صاخبا، و نقدا تنوع في التقييم، فهناك من رأى فضيحة أخلاقية تواصل عشق المغتصبة لمغتصبها، و موقف عضو سابق في quot;الكونغرسquot; تحول الى اقطاعي واسع النفوذ مستغلا صفته السياسية، و في التالي وقوفه ضد قوانين هذه الهيئة المنتخبة من قبل الشعب الاميركي. في كل الاحوال و على مرور السنين زادت قيمة هذا الفيلم خصوصا بعد عرضه كاملا فهناك كانت العديد من اللقطات الاغرائية المثيرة لquot;جونزquot; قد قطعت. أعتبره انا كما النبيذ بمرور السنين يزداد نكهة و طيب.
[email protected]