الكويت: نظم الملتقي الثقافي للروائي طالب الرفاعي ورشة للشباب في فن كتابة الرواية واستضاف فيها الروائي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل، ليقدم رحيق تجربته في العالم الروائي التي استمرت ربع قرن من الزمن عبر ورشة استمرت لأربعة أيام وشارك في الجلسة الأولى الروائي السعودي يوسف المحيميد.
وفي تصريح خاص لإيلاف قال إسماعيل الفهد: الغرض من الورشة التي جاءت باقتراح من طالب الرفاعي لرواد وأعضاء الملتقى الثقافي هو توجهها إلى جيل جديد من الكتاب الشباب وأحد أهدافها الرئيسية هو محاورتهم عن الكتابة وكيفيتها ونوعيتها ولمن تتوجه بها
وأضاف : وأردت التأكيد على أن كل عمل إبداعي لابد وأن يحمل رسالة متضمنة فكرة ما داخل النص ودار الحوار عن المفاضلة مابين الشكل والمضمون في العمل الأدبي والغالبية فيه لمن ؟ وأنا مع الشكل واللغة وأقول في الوقت نفسه إن الروائي مقاتل وإذا لم تكن لديه قضية لابد أن يبحث عنها وياحبذا لوكانت خارج الإطار الشخصي كأن تكون إقليمية ومحلية لتكون أوسع وأشمل فالرواية العالمية هي الرواية المحلية بامتياز .
وأكمل : وأردت أن أقول في ملخص الورشة أن على الروائي أن يكون موسوعي الثقافة وأن يفهم كل شيء عن كل شيء يخص عمله وخاصة أدواته الفنية وأن يكون عالما بلغته العربية وأن لايقدم على الكتابة بمجرد وجود فكرة ما بل لابد من اختمارها بالكامل في ذهنية الروائي حتى تتضح حميميته بموضوعه من خلال العمل للقارئ.
واختتم بقوله: في الرواية كما الشعر كما في الحياة يلزمك ككاتب أن ترتاد مجاهل جديدة لم تطأها قدم روائي قبلك عبر جرأة التجريب
هذا وخلال أربع جلسات ناقش إسماعيل مجموعة كبيرة من المحاور والقضايا التي تتعلق بفن الرواية وتقنياتها، بدأها بتأكيده أن laquo;الإبداع لا يُعلم ولا يورثraquo; لكنه يُصقل، في إشارة مكثفة إلى أهمية laquo;الموهبةraquo; وهي هبة إلهية لا يمنحها أحد لك ولا يسلبها أحد منك.
أما ما يمكن تعليمه فهي laquo;الصنعةraquo; وlaquo;حرفة الكتابةraquo; وتقنياتها وأدواتها، والتي تبدأ من إدراك حقيقة أن العمل الإبداعي laquo;كائن حيraquo; لأنه من نسيج لغوي، واللغة بطابعها هي laquo;كائن حيraquo;.
يتولد هذا الكائن الإبداعي عبر ممارسة الكتابة وفق خطة ما، عن مكان أو شخوص في عقل الكاتب، ومنذ الصفحات الأولى يبدأ الكاتب في توجيه كائنه الإبداعي ويتيح له أن ينمو ويتنفس من خلال الأحداث وتطوير الحبكة. وهنا يبدو إسماعيل منحازاً إلى أهمية استيعاب القالب الكلاسيكي كما رسمه أرسطو في كتابه الأشهر laquo;فن الشعرraquo;.
ولكي يتطور النص تطوراً طبيعياً، فهو يحتاج إلى معايشة كاملة إلى درجة أن الكاتب يحلم بتفاصيله ويصبح الحلم نفسه مكملاً للنص ومغذياً له.
منوها إلى أن الكثير من رواياته عايشها عشرين عاماً قبل أن يكتبها، فالنص الذي ينضج في الذهن يولد تلقائياً.
بعدها انتقل إلى سحر البداية، التي عادة تبدأ من laquo;المنتصفraquo; وإن كان يفضلها أن تبدأ من قبل النهاية بقليل، ثم تستوعب كل ما سبق عبر الاستعادة والتذكر، لأن القارئ يصدق تلقائياً كل ما لم تقل في بداية النص ثم يبدأ في محاسبتك على كل كلمة لاحقة على البداية.
كما تطرق إلى laquo;عنونة العملraquo;، فقد يكون العنوان مستقراً في وعي الكاتب قبل أن يبدأ الكتابة، وقد يكون لديه عدة عناوين مقترحة، وأشار إلى صيغ متنوعة للعنونة، فمنها ما يؤخذ من اسم بطل الرواية أو مكانها الأساسي أو ما يعبر عنها بشكل مباشر، أو ما لا يُوحي بتفاصيلها، موضحاً أنه يفضل العنوان الذي لا يكتمل معناه إلا بقراءة الرواية.
ثم دار نقاش حول تسلح الكاتب بالثقافة، فالمبدع ابتداء يجب أن يتمتع بالفضول منذ صغره حتى تتشكل ثقافته، ثم لاحقاً يجب أن يكون قارئاً محترفاً في شتى المجالات مثل الموسيقى أو الشعر والمسرح، ويجب أن يعرف أموراً تكفيه من ثقافات متعددة حتى عن القضايا الجينية أو الزلازل والبراكين.
وهنا كان للروائي يوسف المحيميد ملاحظة مهمة بأن هناك laquo;قراءات أوليةraquo; لتهذيب اللغة وامتلاك ناصيتها لدى الكاتب، وlaquo;قراءات انتقائيةraquo; تتعلق بالجانب البحثي الخاص بعالمه الروائي.
فيما تطرق الشباب إلى نوع ثالث من القراءة يتعلق بقراءة الواقع نفسه عبر السفر والمعايشة والتجارب الحياتية والفضول.
بعدها دار نقاش ثري حول laquo;ديمقراطية الكاتبraquo;، ما بين التزام الكاتب بالقيم الإنسانية العام كالحق والخير والجمال أو التزامه بفكر إيديولوجي معين يستنطق من خلاله كل شخصياته، وما بين أن يكون للكاتب رؤية وموقف وأن تتعدد أصوات شخصياته وتتصارع فيما بينها حتى لو كان الكاتب عاطفياً متأثراً بإحدى الشخصيات، فهو يبقى أشبه بمحرك الدمى والعرائس، يعطي لكل شخصية حضورها وصوتها الخاص بها.
واختتمت الجلسة الأولى بقضية شجاعة الكاتب وقدرته على التجريب، وكان ثمة اتفاق بأن الإبداع شجاعة وموقف، وأن التجريب ضرورة للرواية لكن بحذر لعدم الإغراق في الغموض والإلغاز.
وخلال الجلسات التالي واصل إسماعيل فهد إثارة العديد من القضايا والمفاهيم منها جدل laquo;العام والخاصraquo; مستشهداً بمقولة طالب الرفاعي بأن الكاتب هو من يستطيع أن يكتب الخاص فيبدو عاماً ويتناول الخاص كما لو كان عاماً.
وكذلك إشكالية المحلية والعالمية، ومدى نجاح الكاتب في التعبير عن عوالم أخرى سواء عايشها عبر السفر أو القراءة. وايضاً التماهي والتلاقح بين الأجناس الأدبية والفنية وفن الرواية خصوصاً الموسيقى والسينما والتشكيل، وأنه لا يوجد فن خالص لا يتناص مع الفنون الأخرى، وقدرة النص مهما كان مستغرقاً في محليته من الوصول إلى العالمية كما حدث في تجربة نجيب محفوظ.
وحرص إسماعيل كذلك على التفريق ما بين laquo;الأيديولوجياraquo; كإطار جامد يضر بالكتابة، وبين أن يكون للروائي رسالة إنسانية وفكر يتسلل عبر إبداعه، من هنا أهمية المزاوجة ما بين الشكل والمضمون وضرورة الانحياز إلى المهمشين والمظلومين.
وعن إشراك القارئ في التأليف، قال إن هذا يأتي من خلال احترام ذكاء القارئ ومنحه المساحة لكي يقرأ ويحلل وينقد ويعارض، ليدخل في حالة جدل مع المؤلف.
وعن مسألة الرواي الراوي في الرواية، وهل يجب أن يظهر المؤلف بشخصيته الحقيقية أم يختفي من العمل؟
تحدث الروائي طالب الرفاعي قائلا: إنه ليس هناك عمل روائي من دون راو، وأننا يجب أن نميز بين وجود شخصية المؤلف بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي النهاية نحن نكتب عن عوالمنا، وأشار الرفاعي إلى مدرسة التخييل الذاتي التي تسمح للروائي بوضع جزء من سيرته الشخصية في العمل، وهو ما فعله في روايتيه laquo;ظل الشمسraquo; وlaquo;سمر كلماتraquo;.
وفي نهاية الورشة أكد إسماعيل أنه على الروائي أن ينقل سحر العمل إلى القارئ من خلال الصدق، وابتكار لغة جديدة دون أن يقع في الافتعال والمبالغة.
وفي نهاية الورشة أشار إسماعيل فهد إسماعيل إلى أن الرواية شريحة حياة ويجب على الروائي أن ينقل سحر العمل من الراوي إلى القارئ من خلال الصدق، ونصح إسماعيل فهد الروائيين الشباب بنحت اللغة، حيث ان الروائي عليه أن يبحث عن كلمات جديدة في كل عمل ويبتكر لغة جديدة به من دون أن يقع في الافتعال والمبالغة.