أعلنت حكومة نابلس التابعة للضفة الغربية عن مبادرة جديدة لترميم المنازل المتضررة خلال المداهمات الأخيرة لقوات الاحتلال، على أن يُمول المشروع بشكل مشترك من ميزانية السلطة الفلسطينية وبلدية المدينة.
ورغم إيجابية هذه المبادرة، إلا أنها أثارت انتقادات بين السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ إذ يرى البعض أن هذه الأموال كانت مخصصة في الأصل لقطاعات أساسية كالتعليم والرعاية الصحية، وأنه من الظلم صرفها بعيدًا عن الأطفال والطلاب والمرضى، فيما يرى آخرون أنه بما أن المداهمات العسكرية كانت نتيجة تصرفات الفصائل المسلحة العاملة في المدينة، فمن الأنسب أن تتحمل تلك الجماعات تكاليف إعادة الإعمار بدلاً من تحميل العبء على عامة الناس.
وعانت نابلس ومناطق متفرقة في الضفة الغربية من ممارسات الفصائل المسلحة التي تنشر الفوضى باستمرار، وتستهدف زرع الفتنة بين الأهالي وتشكيكهم في قدرات السلطة الفلسطينية، كما أنها تشتبك تارة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي وتارة أخرى مع قوات السلطة الفلسطينية في محاولة لإبراز نفسها، مما يحول الشوارع إلى ساحات حرب لا تهدأ، ويعمق معاناة الأهالي بين ويلات القصف الإسرائيلي والفوضى التي تمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية.
إقرأ أيضاً: الفلسطينيون والهدنة وضبط النفس
لذلك، تبدو مبادرة ترميم منازل نابلس جيدة لأنها تخدم المدنيين وتعيد للمدينة الأثرية رونقها التاريخي، ولكن من المهم تحميل تلك الجماعات المسلحة تكاليف إعادة الإعمار، بدلاً من تحميل العبء على عامة الناس وعلى السلطة الفلسطينية.
وواقعيًا، تتحمل السلطة الفلسطينية مهام كثيرة، أبرزها حماية المدنيين والحفاظ على الأمن العام والقضاء على فرص الفوضى التي تشيعها الجماعات الإرهابية المسلحة، بالإضافة إلى توفير مقومات الحياة لصالح الأهالي. وبالتالي، لا يجب عليها دفع فاتورة الحرب أو ترميم البيوت، بل عليها أن تواصل دورها الرئيسي في حماية كل ما هو فلسطيني، وتوفير متطلبات الحياة، وتعزيز الخدمات الطبية، وزيادة الاهتمام بالتعليم. وعلى هؤلاء المسلحين أن يتحملوا الفاتورة.
وربما يبدو مقترح تحميل تلك الجماعات المخربة مسؤولية الإعمار بعيد المنال، خاصة مع تمسك قياداتها بحقها المزعوم في الدفاع عن الأرض وحقها في السلطة، إلا أنهم في الأساس لا يريدون إلا إشاعة الفوضى واستفزاز الاحتلال لارتكاب مزيد من التضييقات والاعتقالات بحق الأهالي وتضييق أفق الحياة عليهم. بل وتسعى تلك الجماعات إلى نزع الحكم من قبضة السلطة الفلسطينية الشرعية وتحويل الضفة الغربية إلى ساحة اشتباكات، أو بالأحرى إلى غزة جديدة.
وعلى تلك الجماعات أن ترفع يدها عن الضفة الغربية، وألا تنصب نفسها وصيًا على الأهالي أو متحدثًا رسميًا باسمهم. وإذا كانت فعلاً ترغب في الإصلاح، فعليها أن تتحمل فاتورة الإعمار من خلال المساهمة في إعادة الهدوء لحياة المدنيين، وتحمل مسؤولية ضياع الأموال التي كان ينبغي أن تُستثمر في الصحة والتعليم بدلاً من إعادة الإعمار. فببساطة، لو لم تكن هناك مواجهات بين الفصائل المسلحة وقوات الاحتلال، لذهبت تلك الأموال لدعم حق المدنيين في توفير متطلبات الحياة الأساسية، وتعزيز الرعاية الصحية، ودعم صحة الأطفال والمرضى والنساء في ظل ما يواجهونه من نقص الغذاء وانتشار الأمراض النفسية الناتجة عن التهديدات المستمرة ومداهمة المنازل.
إقرأ أيضاً: متى تكتمل فرحة أهالي الأسرى الفلسطينيين؟
وتبقى مصلحة الأهالي في العيش بهدوء بعيدًا عن الحرب، والحصول على مقومات الحياة والرعاية الصحية، حقًا أصيلاً تدعمه السلطة الفلسطينية. في حين تتهرب الجماعات المسلحة من مسؤولياتها تجاه خدمة الأهالي، بل وتزيد الطين بلة بتنفيذ أعمال العنف والفوضى التي تستفز بها قوات الاحتلال الإسرائيلي. وهكذا، يدفع المدنيون ثمن سلوكيات المسلحين.














التعليقات