أخذ الأدب السعودي مساحة واسعة على خارطة الأدب المكتوب باللغة العربية ، و تجاوز بحضوره الإشارات المحتشمة إلى وجوده، فجأة إكتسح قوائم الإصدارات، و رفوف المكتبات، و أصبحت الأسماء السعودية التي تكتب الرواية يصعب إختصارها في مقال مقتضب كهذا، هناك أسماء نعرفها و أخرى لا نعرفها، صحيح أنّ الأدب النسائي الجريء هزّ المشهد الثقافي السعودي مثل الزلزال القوي، و لكنه هزّنا جميعا، فقد كنّا نظن لعقود أنّ المرأة السعودية هي تلك المرأة التي تتغطى بالسواد و تعيش في القصور كالجواري، كنّا تماما كالأرنب الذي ظن أن السلحفاة لن تسبقه أبدا بسبب ثقل قوقعتها و نمط حياتها البطئ.

الأسماء القليلة التي عرفناها أمثال الراحل غازي القصيبي، و قِلَّةٌ آخرين ظلّت نموذجا استهلكناه إلى درجة فضحنا فيها جهلنا بنمو غابة من الكتب في جزيرة النفط .
إبراهيم محمد النّملة ينتمي لمجموعة أخرى من الكتّاب، الذين لم يدخلوا دائرة الصّخب، و لكنّه مثابر على المضيِّ في تجربته الإبداعية بتنوُّعها. كتب القصة، و الشعر، و الخاطرة، و الرواية، و له عشر مؤلفات إلى الآن، آخرها روايته quot; الشيخquot; التي صدرت عن دار السّاقي، و لكني قبل هذه الرواية قرأت له، كتابه quot; أحبتني من أجل غيريquot; ( منشورات المؤسسة العربية للدراسات و التوزيع)، كما قرأت له quot; شكوت نفسيquot;، و quot;بكاء عمّيquot;، و quot; عائلة تحمل إسميquot; ( كلها صادرة عن دار السّاقي- بيروت) و quot; تفاصيلquot; (صادر عن المؤسسة العربية للدراسات و التوزيع).
أعتبره كاتب قصة من الصّف الأول، مُلِمُّ بتقنياتها، يعطي النّص حقّه بإختيار فضاءات تناسب تماما شخصياته. ليس بالكاتب الذي يُقشر الواقع بلغة جارحة، و مع هذا فهو يكشف الغطاء بهدوء عن عيوب مجتمع تعوّد أن يعيش الإزدواجية ، أو بمعنى آخر بوجهين كلاهما يغطيه قناع.
في روايته quot; الشيخquot; يحكي النقلة الإجتماعية للمجتمع السُّعودي، و يصف من خلال مجموعة من الأفراد يجمعهم فضاء قرويّ بسيط كيف نشبت الحرب بين شيخ الأموال و شيخ الأخلاق، و كيف اشترى المال الذمم و تلاشت بساطة القرية و ذابت في التبعية العمياء .
نعم تبدو القصّة ساذجة من أول وهلة، و لكنها بعد صفحتين من القراءة تتحوّل إلى أحجية معقّدة، فيها شيء من أساطير مجتمعاتنا العربية ، شيئ يشبه القرى المشيّدة في رؤوسنا، و الأرياف النائية التي لم تصلها الحضارة، و لم تصلها الكهرباء و لكنّها تسكننا في الداخل.
كل أبطال quot; النّملةquot; أبطال سلبيون في الغالب، مُرَيّفون و مزيّفون في الوقت نفسه، هم هذا النّمط من الناس الذين يعشش التخلف في أدمغتهم، و يعتبرون إمتلاك سيارة تقدما أمّا ارتداء البدلة الإفرنجية فهو تقليد للغرب...
مسلسل من المتناقضات يفرده الكاتب في روايته الصغيرة على مساحة قرية صغيرة أيضا، لكنها الخليج بأسره، و هو ينزلق في فخ المدنية المزيفة، و الصراعات التي تقوم أساسا على سلبية الفرد نفسه تبدأ من القحط الذي يضرب تلك البقعة من الأرض، و الإستسلام الكامل لقدر مجهول، دون تحريك ساكن لإنقاذ الأرض و من عليها.
فمن يقرر الهروب للمدينة يهرب، و من يبقى ينتظر غيث السماء يلجأ في الأخير لبيع الأرض ليعيش...
شخصيتان بارزتان في الرواية هما قطبا الخير و الشر تصنعان أحداث الرواية بشكل تصاعدي، و هما الشيخ مرزوق ( الخيّر) و سعيد النّخال ( الشرير) و كلاهما يقدمه الكاتب بشكل لائق و جميل في البداية، ثم يكشف عن شخصيته quot; الشريرةquot; أقنعتها شيئا فشيئا، إلى أن يستولي هذا الأخير على الأراضي التي يريدها، و يتحكم في أهل القرية كما يريد، و ينتهي بقتل الشيخ مرزوق.
هناك إشارات عميقة إلى أن ما ضاع في البؤرة البشرية في الفضاء السعودي لن يعود، و لكن ربما هذه القراءة مجحفة لواقع مفتوح على إحتمالات عدة. فالكاتب له نظرة سوداوية في الغالب نحو ما يحيط به، هناك حجم ضخم من الألم في كتابات quot; النّملةquot; نجده في كل نتاجه، و لكنه مبالغ فيه ربما في روايته quot; الشيخquot; ، و حتى و إن وجدنا كمّ التشاؤم موجود في نصوص سعودية كثيرة، فإن الرواية التي تقوم على قراءة الماضي لإستنتاج معطيات الحاضر، تحتاج لتغذية صحية، لتقديم حلول لهذا الحاضر البائس...
و لا أظن أن الركيزة الأساسية للرواية يجب أن تكون دوما قاعدة من معطيات الماضي، يمكنها أن تكون قائمة على نظرة بعيدة و سديدة لمستقبل لا يزال ممكنا صناعته بأيدينا، و إطلاقه من خلال رواية تروي quot; عصر ما بعد الشيوخquot; ..تراه كيف يكون لو استمرّ الكاتب في كتابة جزء ثانٍ لروايته على هذا الأساس؟
الشيخ رواية صدرت عن دار الساقي ببيروت مطلع 2013 .