0.

كُلُّ مَن ماتَ، ماتَ منتحراً: هذه هي الحقيقة..

1.

الأكاذيبُ تظلُّ أكاذيبَ، إلى أن تصبح مُترعةً بما يكفي من السأم، حينئذ -أو ضجرئذ- ندعوها حقائق.. أما هذه، فلا أفحم سطوعاً منها ولا أوقح جلاءً.. كقروح اللثة في لجاجتها، في قبضتِها تتذكر الأشياءُ أسماءها.. مَن يدركها فقد احتواها، ومَن ينكرها ndash;فحتماً- تكون قد احتوته..

2.

لئن تعذر علينا الاعتراف بها، فضلاً عن تصديقها؛ فذلك لأن الثُلة الأعظم بيننا تحيا بما يكفي لطَمْرِ موتها المقصود: تُتقِن مَحْوَ بصماتِها الخاصة -بكل حذقٍ ودهاء- عن أدوات انتحارها؛ ليبدو موتاً طبيعياً يفجؤها.. فحينما يكون خمر الزوال مشوباً بقرنفل الإرادة فإن الثُلة الأعظم تسكبه في أقداح من الصَلصَال الصفيق وتُرفد التسكابَ بجدعِ أنوف أرواحها..

3.

إننا -جميعاً- انعكاسات متباينة لفردٍ وحيد، يبعثر اغترابه على سطح المرايا التي تُحيق به.. باذراً خُطى أنفاسه في صحراء النهار الممحل وأمداء الليل الساكن؛ كي يبرأ -لنفسِه المثخنة بالخواء الثرثار- موتاً: رزيناً كأنين الزجاج تحت لفحات الضياء، ورقيقاً كزهرةٍ تحلُم بالتحليق إلى الدِّيَم المضمخةِ بشذا النجوم..

2.

فما نحن ndash;وأسلافنا وأحفادنا وأحفاد أحفادنا- غيرُ صورٍ هشَّة لهذا الكائن، الذي يحتجن من أحلامه المزنرة بالبروق، ويحتفن من رماد العالم اللاهث، ما يجعله إلهاً مُرائياً.. إلهٌ يستطيع أن ينمنم جدرانَ عزلته: لحمنا، برسومٍ لكافة الطيور المتخمة بغناءٍ يبهظ أجنحتها ويُرشد الجوارح إلى مواطن أوكارها..

1.

إلهٌ يمتح نسغ عظامنا، ويختضم أُهُب ظلالنا اللحيمة؛ ليكون بمقدوره في لحظته الأخيرة ndash;حيث الروح بصقة دَبِقة مُدسسة في مطاوي الزفير- أن يموِّه ملامحه؛ كي يبدو فَزِعاً من الموت: كأنه لم يكن في انتظاره منذ أمدٍ بعيد..

0.

هذه هي الحقيقة: كُلُّ مَن ماتَ، ماتَ منتحراً..