يعتبر الكاتب النرويجي جون فوس أحد أبرز الأسماء في فن الدراما المعاصرة. ولد في عام 1959 ويعيش في بيرجن بالنرويج. إنّه كاتب روائي وشاعر وكاتب المسرحي وقد ألف أكثر من 30 عمل مسرحي. منذ بداياته في عام 1994، . لقد سبق له أن حصل على عدد من الجوائز ، بما في ذلك جائزة المسرح الاسكندنافي الوطني (2002)، وجائزة مجلس الفنون النرويجي الفخري (2003) وجائزة الأكاديمية السويدية الشمالية (2007) وحاصل على جائزة الكاتب النرويجي هنريك ابسن ويعتبر الوريث الشرعي له وقد ترجمت مسرحياته الى عدة لغات عالمية وتعرض مسرحياته في العديد من المسارح الاوروبية وفي ستوكهولم شاهدت مسرحية موت في طيبة أوديب على المسرح الملكي دراماتن ومسرحية معطف اصفر واق من المطر،حلم خريف،مسرحية شخص ما سوف يأتي، ومسرحية سوزان والعديد من المسرحيات وجون فوس من الاسماء الرائدة في الدراما الحديثة تتسم مسرحياته بلغة التلغراف القصيرة والحوار الشعري& والغموض أحيانآ إنها دراما مضيئة في الظلام ويمتاز اسلوبه في الكتابة بخلق التوازن مابين الظلمة والنور وكذلك الاكتئاب والتصوف ومابين العزلة والموت والانتظار وهو القائل:ينبغي على الكاتب المسرحي والجمهور أن يفكرا بطرق جديدة وهو من أبرز المرشحين لنيل جائزة نوبل للأداب . وقد شاهدت العديد من العروض المسرحية للكاتب جون فوس . وأخترت كتابة قراءة نقدية لمسرحية فتاة على الاريكة على مسرح كلارا سينن مسرح مدينة ستوكهولم والمسرحية من تأليف الكاتب النرويجي جون فوس واخراج المخرجة السويدية صوفيا جوبيتر وتمثيل نخبة من نجوم المسرح السويدي بيا يوهانسون ،صوفيا هيلين، صموئيل فرولر، سونيا هيدمان، مولينا إنجستروم& والممثل بيورن يد. اتجه المؤلف في معالجة وكتابة النص الدرامي الي لعبة المسرح داخل المسرح والاسلوب البريختي في نفس الوقت .سلوك وتحجر الاباء والامهات في التعامل مع الابناء.عندما تصبح اللوحة التشكيلية وسيلة للهروب من الواقع،إمرأة ترسم صورة جدتها وتمزقها إختارت العزلة مشاعر وامزجة مختلفة وخيانات زوجية& الزوج يعمل بحار وغائب الزوجة تمارس لعبة الغزل والجنس مع أخ الزوج الغائب& وتبدأ لعبة التمثيل من خلال شخصية الفتاة، الام والاخت وشخصية العم والاب. كل الممثلين يتواجدون علي خشبة المسرح تحت اضاءة فيضية كاشفة للجميع، والمسرحية مجردة من الموسيقي ما عدا مؤثرات دقات القلب في بداية المسرحية ونهايتها وهذا دليل علي استمرارية الحياة بالرغم من رتابتها. خشبة المسرح عبارة عن جدار ابيض وارضية بيضاء مع خمسة كواليس جاهزة للرسم مع وجود سلم وادوات الرسم وفتاة تحاول الرسم وتمتنع عن مزاولة فن الرسم دليل علي انها فنانة تشكيلية. اتجهت المخرجة صوفيا جوبيتر في التكتيك لاخراج المسرحية والتعامل المباشر مع منهج بريخت والاعتماد علي البساطة والاشكال الحركية في الكثير من المشاهد، وقد ساعد في ذلك البساطة في الديكور والاضاءة ودون اللجوء الي الاغراق في ديكورات ضخمة وجعلت المخرجة من المتلقي وقادته للتركيز علي الحوار المسرحي والاداء التمثيلي& وعالجت مسرحية فتاة علي الاريكة وخاصة الفكرة بشكل مناسب وهي علاقة الاباء والامهات مع الابناء في عرض مسرحي مليء بالتناقضات داخل المجتمعات الانسانية والمادية والتربوية، قد ينشأ الابناء في ظروف وحياة قاسية مليئة بالتناقضات والصراعات الاجتماعية المحيطة بهم وفق سلوك وتحجر الاباء والامهات والتناقض القائم في التصرفات مع الابناء ودون الاكتراث والاهتمام علي تربيتهم وباختصار ان ازمة المجتمع البرجوازي المنهار والانعزالية الفردية والتي تظهر بوضوح في شخصية وسلوك الفتاة في هذه المسرحية، والتي تجسدها شخصية الفتاة الرسامة والتحلل الاجتماعي والعقدة الاجتماعية منذ طفولتها ومرحلة الشباب وتفكك الروابط الاسرية وسيادة السلوك المنحرف في شخصية الام وتأثير سلوك الام والخيانة الزوجية علي اخت الرسامة وكيف تحولت الي فتاة رخيصة في الشارع. واتسم سلوك الفتاة الرسامة منذ البداية بالعزلة والشك والرفض لكل شيء وعدم الرغبة في الرسم وعدم الخروج والانغلاق والعزلة عن الاخرين وظهر ذلك واضحا في مشهد رفضها لمشروع الزواج من قبل الشاب صموئيل فوولر. انها فتاة مقهورة تعيش ذكريات مؤلمة عاشتها في غياب الاب الدائم عن البيت لكونه يعمل بحارا ولم تشاهده الا في السنة مرة ولم تسمع عنه اي شيء سوي من خلال الرسائل التي يبعثها. وفي ظل هذه الاسرة وام غير حنون وقاسية التعامل مع بناتها، انها حقا ام انانية لا تفكر الا بنفسها وهي تمارس الخيانة الزوجية وبكل خسة مع اخ زوجها اي عم البنات. حاولت المخرجة استحضار الفتاة علي خشبة المسرح وهي شابة تجلس علي الاريكة ـ وهي فتاة كبيرة ورسامة في نفس الوقت. واستطاعتا الممثلتان ان تجسدا الشخصية بكل الاحاسيس والانفعالات وهما ترحلان عبر سراديب الاحزان والخوف والتمرد. وكانت الفتاة وهي تجلس علي الاريكة تمثل الطفولة وقصة حياتها في ظل ام قاسية وانعكاس ذلك علي سلوكها مع حبيبها والذي رفضته نتيجة الحزن والخوف من المجهول. وقصة حياتها عبارة عن البوم من الذكريات والخيالات المرعبة في ظل طفولة بائسة مليئة بالذكريات والخيالات المرعبة، الام تعيش حالة التناقض مع ذاتها وتجبر ابنتها للخروج من البيت لكي يتهيأ الجو المناسب لها لممارسة القصص الغرامية مع عم الفتاة. وفي ظل هذا الجو المشحون بالمشاكل والخيانة الزوجية تحاول المخرجة ابراز الخيانة الزوجية وتحت الاضواء وعلي خشبة المسرح واذ يحضر الزوج حاملا الهدايا من رحلة طويلة واذا به يفاجأ بالخيانة الزوجية ويقف مبهورا والزوجة تقول هل رجعت يا حبيبي والشاهد علي كل هذه الاحداث هي البنت الرسامة تلحق بأبيها لكي يبقي ولكن دون جدوي في بيت مليء برائحة الفساد. ويمكن ان تضيف مسرحية فتاة علي الاريكة علي انها مسرح نفسي او سايكولوجي او دراما سايكولوجية لان علم النفس يختص بدراسة سلوك الفرد تبعا لعوامل متعددة منها عامل الوراثة والعوامل التاريخية التي تبحث في تاريخ حياة الانسان والظروف الخاصة التي مرت به في الماضي وكل هذه العوامل تجتمع في تحديد سلوك الفرد. فالنشاط الفني هو مظهر من مظاهر السلوك الانساني، ان عجز الفرد عن مسايرة الحياة من حوله والعزلة التي يقع فيها ابطال المسرحية وانهيار مقاومة الشخصيات لضغط الحياة من حولها. ومسرحية فتاة علي الاريكة حاولت المخرجة صوفيا& جوبيتران تجمع كل الشخصيات المسرحية تحت الاضواء الكاشفة وليصبح المتلقي شاهد عيان وحاكما لما يجري امامه ومحاسبة كل شخص علي سلوكه، فضياع الاخت واصبحت مومسا بسبب سلوك الام والاخت فتاة الاريكة ترفض الخروج مع اختها خارج البيت وترغب الجلوس علي الاريكة وتراقب سلوك الام الخائنة وعلاقتها والضغط علي ابنتها للخروج من البيت. لقد ابدعت المخرجة الشابة صوفيا جوبيتر في رسم شخصية الفتاة وهي شابة وفي مواجهة نفسها وهي كبيرة في مواجهة مع الاحداث ومواجهة مع الذات. وفي مشهد الذروة تأتي الاخت لتطلب من اختها الرسامة لزيارة الام في المستشفي ترفض الفتاة الرسامة ومن خلال حالة التداعي نتذكر سلوك امهاالمتعجرف والقاسي وتعلقها بالاب. وفي مشهد سماع خبر وفاة الام تفرح وتصرخ وتبكي عندما تسمع خبر وفاة الاب. نجحت المخرجة صوفيا جوبيتر في قيادة فريق العمل وفي اخراج مسرحية فتاة علي الاريكة وابرزت كل سماتها واهدافها الرئيسية واعترف لها الجمهور لهذه المسرحية الرائعة والسهرة الممتعة وفي مشاهدة هذه التحفة الفنية لفرقة مسرح مدينة ستوكهولم ولشجاعة المخرجة والممثلين لتقديم مثل هذه المسرحيات ونحن بأمس الحاجة لهذا الفن الرفيع.

عصمان فارس مخرج وناقد مسرحي السويد