بعد لأيّ ٍ، وتجوال مضنيين أطلّ علينا المكانُ الذي يُقامُ فيه المعرض المُشترك، الحضورُ كثيفٌ، وأكثر من أربعين لوحة مُغطاة بقماش أحمر. عنّت ساعةُ الافتتاح، فيُنادى على كلّ رسّام ليُزيل غطاءي لوحتيه. أسلوب غريب مورس في ذي التظاهرة الابداعية. كنتُ أتوخى أن أرى أعمالاً رصينة تُكرسُ لها المُخيلةُ والجدّة والابتكار، بيدَ أنها أثقلت بشروط مجحفة : بورتريت لشخصية علمية ، ولوحة عن تفصيلات ابتكار لها. لذلك ظهر جلُّ لوحات المعرض كما لو كانت مُقحمة تغلُّ تلقائية الرسم. فغشي معظمها افتعالٌ مكانيكي لا تكنيكي نأى بجهد الرسام عن دينامية الابداع. كما ساهم ضيقُ المكان وبعدُه وعزلته المرمية خارج نبض العمران في فقره وقمع كثافة ِ جماهيريته. نعم.. بدا الافتتاح كثيفاً الى حدّ ما، لكن حضوره الجماهيري في ايامه القابلات سيكون محدوداً. لا أدري لمَ اختيرت هذه القاعة الجاثية وسط الغابة مثوى للعرض الفني. لا أظنّ أن الأيام القادمة ستشهد كثافة عددية للزيارة. كما أنّ كلّ فنان مشترك فيه أثقِلَ بشروط اعجازية الحقت بمهارته الإبداعية ضيماً ، وبخست قدرَه وسمعة شغلُه . كان ينبغي أن تُترك له حريتُه ليمتاح من معينه الوجداني الحلمي التخيّلي ما يُسعفه على افراز خلاصته الإبداعية، لهذا حظي جهدُ كلّ فنان باحباط كلّيّ أو جزئي.
حملتني رجلاي المُتعبتان ، جُلت في القاعة طولاً وعرضاً ، فتوقفتُ أمام لوحتي كلّ فنان، فوجدتُني لا آلفُ، أو أتعاطفُ مع اللوحة. البورتريتات كانت محضَ صورٍ ذات جغرافية فوتوغرافية ، والثانية تعروها أليةٌ لا تلامسُ الابداع بأيّ حال. الفنُ بكلّ أجنحنه مقترن ٌبالحريّة التي تمنحه حياته من روح ودم ولحم وعظام وجمال.
قلتُ: جُلتُ مراراً أمام الرسومات، بل استمعتُ الى شروحات بعض المشتركين، فلم أخرج بقناعة تُرضي هاجسي الذي ظلّ قلقاً يشكو عبئاً معنويّاً ونفسيّاً . أظنّ أن بدايات الشروع بإقامة مثل هذا المشروع / المعرض المشترك / بنيت على التسرع في اتخاذ القرار وتنفيذه. فالرسمُ من دون حرية حق الاختيار مضيعة للجهد والخَلق والفائدة. تُرى أيّ فن سيحملُه الينا فوتوغرافيةُ الخطّ واللون؟ وحين يفتقدُ الفنُ، أو الفنانُ ضمير حريته ، وحمّى غريزته المأهولة بالعزم والتصميم والخيال الطري لن يكون مؤهلاً لأن يجتاب أفضية الابداع. ويمنحنا ما يُشدهنا ويُعزّزَقناعتنا الشخصية وتراكماتِ ثقافتنا العمرية .
كلّ عمل ابداعي في مسيس الحاجة الى فضاء يحتوي قامات محبي الفن بكلّ أجنحته يقفون طويلاً أمام اللوحة يتريثون في تبيان آرائهم د، ولن يأتي التقويم جُزافاً اذا لم يتوقف الرائي العليم بمجهرية الفن أمام العمل الفني، يتغوّرُ ويُمعن ُفيه، يتبصّرُ اللون والخطّ والايقاع، بل يلمسَ نبضَ المنظور والمكتوم. ولا أغالي أن اللوحة تبين تموجات مشاعر الرسام نكوصاً ونشاطاً، فاعلاً ومُحبطاً. فليست في قراءة الرسم، بل كلّ عمل ابداعي، حيادية ٌأو مجاملة تصل حدود النفاق. الأمانة ُ تقتضي أن يقال فيه: جيدٌ أو رديءٌ، مع بيان الأسباب. لذلك لا يُمكن الحكمُ على ما تمرأيناه في هذا المعرض عبر زيارة خاطفة لا تنطوي على التأمل والقراءة التأويلية المتأنية. سأعتبر ما قلتُه الآن مجردَ انطباع خاطف يفتقرُ الى جهد قرائي عميق. هو بعض إشارات عابرة لا ترقى الى مستوى النقد المنهجي.

ملاحظة : عنوان المعرض هو : خالدون عبر التأريخ ، هوسبي ، ستوكهولم