&

في المقهى الذي بنهاية الشارع على النهر الذي يفتح صدره لنرمي به أمنياتنا على أن تعود ذات يوم على هيئة واقع حي , وضع النادل فنجان الشاي أمامه وبجانبه كأس ماء صغير , فأخذ ينظر إلى عيني ويده تتسحب لتمسك بالكأس الصغير ليضعه على طرف الطاولة التي نجتمع حولها كل يوم لساعتين بعد أن ترتفع الشمس قليلاً ليكتمل جمالها فوق وجه البحر , و النوارس تقبل الوجه الأزرق الكريم الذي يفتح خزائنه كي تشبع جوعها .
أمسكت الكأس معه واضعة يدي فوق يده سائلة: ما معنى هذا الذي تفعله ؟ فأبعد يدي كي لا أفزع ذلك الطائر ذو الأجنحة القصيرة ويتجرأ على الاقتراب .
ثم قال وكأنه واثقاً من اندفاعي لسؤاله : ألم تتركي لي سؤالاً على هذه الطاولة أنهيت به لقاؤنا أمس؟
:& بلى .
فأشار إلى كأس الماء قائلاً : إذا أنا ذا أجيب عليه .
أحاطتني الاستفهامات و علامات التعجب ثم أخذت تتراقص أمام عيني فقلت : لم افهم ما تقصده !

في الأمس وبمثل هذا الوقت شرد هو مع ذلك السرب الذي مر أمام أعيننا& , فأطلق أفكاره مع تلك الأجنحة البيضاء جاعلاً تلك الصور ترفرف بحرية و الحروف تركتها نائمة على لسانه , ثم عكست عيني ابتسامة الحرية التي رسمت على شفتيه , فخشيت أن أبقى وحدي على هذه الطاولة الخشبية الصغيرة التي تسع أحلامنا وشاهد أحاديثنا زهرة حمراء وضعوا بجانبها بضع مناديل بيضاء , كل يوم يكتب لي على واحدة منها كلمة واحدة فقط& , وفي نهاية الأسبوع اجمع تلك الكلمات لأصل إلى الجملة التي تنبض في قلبه , و يريد مني أن أفرشها مع ذكرياتي كلما رغبت بأن احسب العمر الذي عشته , لقد خطفني لحظتها بريق في عينيه الشاردة و انطلقت نحو سؤال واحد : كيف تكتمل القلوب ؟
أعاده هذا السؤال& إلى الواقع , فأخذ يتأمله بهدوء ثم قال : هيا لننهض .
و الآن يود أن يجيب قائلاً :
يا حبيبتي عندما نجد من يسقينا قبل أن نشكو العطش , عندما تفرش لنا يد نستوطنها و ننام عليها ويكون الآمان فيها لحافنا , عندما نعطى من القلب و ينظر إلينا ببصيرة القلب , فإننا نكتمل بمن يشعل الضوء بداخلنا ويصالحنا مع أنفسنا ثم يوقظ الطفل الذي بداخلنا , ذلك الذي يضم أحاسيسنا و يهتم بمشاعرنا و يجمع شتاتنا , فالحب عطاء و اهتمام , إنه باختصار احتواء الأرواح للأرواح.