سيدني: إعتراف فريدريك فورسايث بالعمل لحساب المخابرات البريطانية أثناء الحرب الباردة يقود لتسليط الضوء على بعض الحالات المعروفة للكتّاب الذين تمّ تجنيدهم للعمل كجواسيس.&

قامت أجهزة المخابرات العالمية على مدى التأريخ بتجنيد العديد من الكتّاب للعمل لديها كعملاء وجواسيس. والروائي البريطاني فريدريك فورسايث المعروف بروايته "يوم إبن آوى"، هو أحدث إسم في سلسلة الكتّاب (معظمهم من أصل بريطاني) الذين أغراهم عالم التجسس.&
أن إعتراف فريدريك فورسايث، الذي يروي في سيرته الذاتية التي ستصدر خلال شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، بأنه كان عميلاً للمخابرات البريطانية (MI6) أثناء الحرب الباردة، يعيد إلى الذاكرة أسماء البعض من الكتّاب الذين، سواء بدافع الطموح أم الفضول، إنخرطوا في عالم الجاسوسية.
دون أن نترك القرن العشرين أو نخرج من المملكة المتحدة، وقبل فورسايث يعتبر سومرست موم الكاتب الأعلى أجراً في الثلاثينات من القرن الماضي. وكان ولد موم في السفارة البريطانية في باريس، وترعرع في تلك البيئة مذ كان صغيراً. وفي الواقع، كان والده من أجبر على ولادته خلف أسوار السفارة كي لا يخدم في الجيش، حيث أن القانون الفرنسي ينص على أن أي شخص يولد على الأراضي الفرنسية& عليه أن يخدم في الجيش، ولكن لأنه فتح عينيه على العالم في السفارة البريطانية نفسها فقد أنقذته من الإلتحاق بالخدمة العسكرية.
وأدى موم مهام ذات أهمية كبيرة لأجهزة المخابرات في بلاده، وكان يختلف عن بقية العملاء. وكان سومرست موم وصل إلى روسيا بصفة مراسل أمريكي وتحت إسم سومرفيل، وإلتقى في ذلك الوقت برئيس الوزراء الروسي ألكسندر كيرينسكي عقب سقوط القياصرة.&
في نهاية المطاف، كما يروي إيريك فراتيني في كتابه (MI6: تأريخ جهاز المخابرات البريطاني)، أن القصص التي ظهرت في كتب موم كانت حقيقية جداً ودقيقة جداً، الأمر الذي دفع ونستون تشرشل إلى تحذير الأجهزة السرية من أن هذه الكتابات قد تشكل خطورة على (MI6).
وبعد أن أحسّ موم بالخطأ، أتلف العديد من مخطوطات أعماله. وعلى الرغم من قيامه كوسيط بين الحكومة الروسية والبريطانية إلاّ أنه لم يكن يتقاضى أجراً عن عمله هذا، بل عن كونه كاتباً.
وبعد أعوام، سار الكاتب الإنكليزي غراهام غرين، صاحب رواية "السلطة والمجد" الشهيرة، على مسارٍ مماثل وعمل لحساب المخابرات البريطانية، قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية. لكن، الفرق الوحيد بين موم وغرين في هذا الخصوص، أن الأخير كان يتخذ عمله مع المخابرات البريطانية تسلية له. حتى ذهب إلى حد القول بأن الأجهزة السرية كانت "أفضل وكالة للسفر في العالم". ويروي كتاب "الجواسيس والعامل البشري" لمانويل أدولفو مارتينيز بوخالتي، أن غراهام غرين وضع دليلاً سرياً تضمن أسماء مجموعة من عملاء ألمان يقيمون في جزر الأزور.
في تلك الأيام، كان الكاتب الإنكليزي إيان فليمنغ، مبتكر شخصية الجاسوس الشهير جيمس بوند، سافر أيضاً إلى موسكو كصحفي من وكالة رويترز. وكانت الأجهزة السرية تعمل منذ سنواتٍ عديدة بصورة مكثفة وقامت بتعيين فليمنغ في منصب مساعد الأميرال غودفراي، الرجل المفكر والمتغطرس، ورئيس وحدة المخابرات البحرية. ووفقاً لرواية الكاتب والصحفي إيريك فراتيني أن مؤلف روايات العميل السري رافق غودفراي في رحلته إلى الولايات المتحدة، والتي كانت بمثابة تجربة منحت أعماله الروائية زخماً معلوماتياً ملحوظاً.
وقام فليمنغ برسم شخصيات رواياته على غرار أؤلئك الذين إلتقى بهم وعرفهم، ومع مرور الوقت ظهرت هناك العديد من النظريات عن الذي ألهم الكاتب لخلق شخصية جيمس بوند لأول مرة. مع نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت مرحلة تجسس كثيفة جداً وأكثر من ذي قبل. ومن دون اللجوء إلى الأسلحة، قامت أثناء الحرب الباردة عمليات تبادل سريع للمعلومات، تتوافق و"الحرب الصامتة". مرة أخرى، وأيضاً في بريطانيا، إلى جانب شهرة جون لي كاريه ككاتب، كان لديه الوقت للتعرف بدقة على أجهزة المخابرات البريطانية. وكان لي كاريه بدأ العمل لحساب MI5 (المتخصص لمكافحة الإرهاب والتجسس)، بصفة مدير مكافحة التخريب عندما كان في الجامعة. ولاحقاً، إنتقل لي كاريه إلى جهاز المخابرات البريطاني المعروف (MI6)، وإنتهي كمخبر، وفي نفس الوقت كان يمنح وقتاً لأعماله الروائية. كان لي كاريه جاسوساً معروفاً، لكن قصة حياته لا تزال مليئة بالأسرار، ولا يزال الوصول إلى ملفه الشخصي يعد من الممنوعات، على الرغم من الطلبات التي قدمت والتي تتعلق بهذا الخصوص.
تختلف قصة بوريس باسترناك مقارنة ببقية زملائه من الكتّاب. فقد رأى مؤلف رواية "دكتور زيفاغو" كيف أن عمله الروائي يطبع ويوزع في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما الإتحاد السوفيتي، موطنه الأصلي، يمنع نشره بسبب الطريقة التي صوّر فيها الكاتب ثورة 1917. وكانت ان إقتنصت وكالة المخابرت المركزية الأمريكية (CIA) هذه الفرصة لتقرر طبع الرواية مجاناً وتوزيعها في روسيا، ولتتحول، بعد ذلك، إلى سلاحٍ ثقافي ضد الشيوعية. وفي وقتٍ لاحق، منح باسترناك جائزة نوبل للآداب في 1958، لكنه رفضها نظراً للضغوط التي مارستها السلطات السوفيتية ضده .&&