&سيدني: تتحدث الروائية التشيلية إلى صحيفة "الموندو" الإسبانية،عن روايتها الأخيرة "العاشق الياباني"، وتتذكر أيضاً وبحزنٍ عميق، مرض إبنتها باولا، التي كانت في غيبوبة في مستشفى بمدريد.&

عندما لا تكتب إيزابيل الليندي (ليما، بيرو، 1942)، يصاب جسمها كله بالحكة والحساسية، كما تقول. إنها المرأة التي تجرأت ودخلت عالم الواقعية السحرية لغارسيّا ماركيز عبر عملها الروائي العظيم "منزل الأرواح"، 1982. وتعتبر نفسها طاهية جيدة في حقل صياغة الحروف، وتختار مكونات اللغة بعناية فائقة وذكاء وحيوية لتبعث الحياة في كل كتاب تنجزه. أنها المرأة الأكثر مبيعاً في تأريخ الأدب الإسباني، والتي تتنقل بين الرواية الراقية والجمال الطبيعي. قالت الليندي في إحدى المرات "الكتابة مثل ممارسة الحب... دعك من بلوغ النشوة، وإستمتع بالتجربة ذاتها". لا توجد كلمات يمكن من خلالها التعبير عن حياتها، أو رواياتها. وكان آخر عمل أدبي لها رواية "العاشق الياباني"، نشرتها لها دار "بلاثا وخانيس". في هذه الأيام، تزور إيزابيل الليندي إسبانيا، الأرض التي "حدث فيها كل شئ: الأفضل والأكثر ألماً".

من هو العاشق الياباني؟
العاشق الياباني هو إنسان إنطوائي، وهادئ، محب للطبيعة، وموهوب فنياً، قام بأسفارٍ روحية طويلة في شبابه، إستعداداً لمرحلة النضوج، والشيخوخة المرتكزة على القيم الجوهرية للروح والمحبة. هو إنسان رومانسي في الحب وعاشق مرهف في لحظات العشق.
&
ماذا تعني الشيخوخة؟

لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال بالتعميم، لكن يمكنني أن أشير فقط إلى تجربتي الشخصية. أنا ما زلت لا أشعر بأنني كبيرة في السن، وإن كنت أشعر أن كل 10 سنوات تمر أكون قد عبرت مرحلة لأدخل في مرحلة وجود أخرى. في عقد السبعينات أحسّ أنني أفضل من أي وقتٍ مضى، لأنني أعرف من أنا، وما الذي أريده، وما أستطيع أن أعطيه، وما الذي تعلمته. أشعر أنني واثقة من نفسي، ولا أخشى الوحدة. ما أزال أحس بالرهبة إزاء الأوراق البيضاء، لأن كل كتاب يعد بمثابة مغامرة مع جميع المخاطر التي تحيق به، غير أنني لم أعد أفكر أنها ستخيب آمالي من حيث الإلهام أو النظام الذي أسير عليه في الكتابة. وأؤكد لنفسي أنني أساساً راوية قصص، والكتابة هي مهنتي. عاطفياً، إستطعت أن أتحرر من حالة تعلقي بأحفادي الذين كنت شديدة الإلتصاق بهم، وأتريث إعتماداً على حدسي في إختيار أصدقائي والأشخاص الذين يعملون معي، وإبتعدت عن الأنشطة الإجتماعية التي لا مصلحة لي فيها، وإنفصلت عن ويلي (زوجها وليام غوردن) لأن علاقتنا لم تكن تسير على ما يرام. وهذا القرار كلفني خمس سنوات، والكثير من العلاج.

ما الذي تتذكرينه عن كتابتك لرواية "باولا؟
هذه الرواية عبارة عن ذكريات كتبتها بعد وفاة باولا، ولكن بدأت بتدوينها وأنا في مستشفى مدريد، عندما كانت هي في غيبوبة. كنت على يقين أن إبنتي ستستيقظ منها، وتوقعت أن لا تتذكر ماضيها وعليّ أن أرويه لها. أردت أن أشرح لها من أين أتت، وكيف كانت أسرتها، وأنها تتكون من أولئك الذين يحبونها، بدءاّ من زوجها، إرنستو. أنها ذكريات صارخة، وحميمية، وشخصية، ذكريات تمزق القلب خوفاً من فقدان إبنتي.

&&&وإذا قلت لك أننا نرى حياتك من خلال أعمالك، ولا سيما في "العاشق الياباني"؟
&أعتقد أنني أكتب عن ما يهمني في جميع أعمالي، وعن ما يعجبني، بحيث أن تجاربي، ومشاعري، وذكرياتي، ومبادئي، تنتشر حتماً بين ثنايا السطور. أنا لا أمثل أية شخصية من شخصيات "العاشق الياباني"، لكن القضايا المطروحة فيها كانت دائماً الهاجس الذي يؤرقني: الحب، والموت، والوفاء، والأسرة، والمنفى.

يقول من عاش التجربة، أن الألم الأكثر وجعاً عندما يرى المرء الموت يغيّب أحد أولاده... ماذا بعد فقدان إبنتك؟
لقد تعلمت أن أعيش مع ذكريات باولا. ومن خلال التمرين المستمر على الحب والخيال أصبحت أعيش أيضاً مع روحها. أشعر أن إبنتي ترافقني، تطوف العالم وهي تلمس قلوب بعض القراء. لقد مرّ على وفاتها أكثر من 20 عاماً، ولا زلت أتلقى كل إسبوع العديد من الرسائل من الأشخاص الذين يقرأون "باولا" أو كانوا قرأوها منذ فترة طويلة، وحدث شئ لهم مؤخراً وراحوا يتذكرونها. أملك مؤسسة أنشأتها لتكريم ذكرى إبنتي، والتي تتركز مهمتها في مساعدة النساء والفتيات في مجالات الصحة والحماية والتعليم. أن الحزن على فقدان إبنتي لا ينتهي، لكن قد يتحول هذا الحزن إلى صديقة، أو إلى رفيقة محترمة تريح القلب وتدفعنا لأن نتجاوز أحزاننا.&&&&&&&

كيف تصفين صورة حياتك؟
عندما أفكر في صورة تصف حياتي، أرى أنها عبارة عن منظر طبيعي فيه صيف، وزهور، وأشجار مثمرة، ونحل، وطيور، وكلاب تركض، وأرانب، وحمير، وحرارة، وماء، وخضراء. أشمّ رائحة خوخ ناضج، وعسل، واسطبلات، وأسمع أزيز الحشرات وخرير المياه بين الأحجار.

ماهي طقوسك أثناء الكتابة؟
أبدأ كتبي في الثامن من شهر كانون الثاني/ يناير، وأعتكف خلال الأشهر الأولى من السنة مع الحد الأدنى من التشويش. أنا أكثر إنتاجاً في الصباح، لذلك أبدأ منذ ساعات الصباح الأولى. ولا يوجد في مكتبي هاتف، أو فاكس، ولا بريد الكتروني، أو أي شئ يمكن أن يلهيني. أحب أن أشعل شمعة أمام صورة باولا وأجدادي، وهي أرواحي التي تحميني، وعندي دائماً صحن أضع فيه إثنين أو ثلاث زهور غاردينيا عائمة، لأنني أحب رائحتها.

هل تعتبرين نفسك أميرة الأدب في أمريكا اللاتينية، كما ينعتك أغلب قراءك؟
&هكذا يسمونني؟ يا للروعة! لا أقول عن نفسي أميرة، بل طاهية جيدة. أن عمل الطاهية الجيدة يكمن في الإختيار وبعناية لأفضل المكونات، وإعداد كل طبقٍ عن حبٍ وتأني لإدخال الفرحة إلى قلوب الضيوف. وبالنسبة لي يكمن ذلك في إختياري للشخصيات والأحداث، وكتابة كل عمل عن حب وصبر لإسعاد قرائي.

&هل فكرت يوماً في التوقف عن الكتابة؟
بلا، لكن لم يثمر عن نتيجة، لأنني عندما لا أكتب أشعر أن كل جسمي مصاب بالحكة والحساسية، وتراني أعود للكتابة بشكلٍ مفرط، بحيث لا يستطيع أحد أن يتحملني.

هل يمكنك الإرتباط عاطفياً بعد إنفصالك عن زوجك؟ ولماذا ينضب الحب؟
أنا دائماً مستعدة للحب والمغامرة ، وبطبيعة الحال، بإمكاني أن أحب من جديد. ينتهي الحب لأسبابٍ عديدة، كما تعلم، وأود عدم الخوض في حديثٍ عن ويلي وعني، لأنها قصة لا تمسني أنا وحدي، وعليّ أن أحترمه.

هل الحب أبدي؟ وهل من الضرورة بمكان أن نعاني كي تتحقق السعادة؟
هناك حب أبدي، كما تجري العادة مع الأطفال. ويمكن أن يكون حب الزوجين أبدي كالسابق، عندما كنا نعيش في بساطة، ولكن الآن نادراً ما يحدث ذلك، لأن الواحد منا عليه أن يتغلب على عقبات مرور الزمن، سوء الحالة الصحية، تداعيات العمر، الملل، إغراءات حب الآخرين، اللامبالاة، المشاكل الأسرية. وأعتقد أن لا مفر من المعاناة، وأنها الجزء الأساسي للوجود. أن الذي يكون قادراً على تحمل الألم من دون أن يصاب بالإكتئاب، يكون قادراً أيضاً على الشعور بالسعادة المفرطة. أنا شخصياً لا أخشى المعاناة، ومستعدة دائماً للفرح، مع إدراكي أن كل شئ عابر، والشئ الوحيد الثابت هو التغيير.

ماذا كنت ستكتبين على قبرك؟
هنا ترقد كاتبة المستقبل لأعظم رواية.

كم مرة أشيع في شبكات التواصل الإجتماعية إنك توفيت؟
أعتقد مرة واحدة فقط، ولكن من دون قصد. أمي أصابها ذعراً هائلاً.

قلت مرة أن فنزويلا كانت السبب في أن تصبحين كاتبة. ماذا تعني هذه الأرض بالنسبة لك؟
فنزويلا هي موطني الآخر. هذا البلد السخي كان فتح ذراعيه لي عندما إضطررت لمغادرة تشيلي، عقب الإنقلاب العسكري في 1973، ورحّب بي، مثل الآلاف من اللاجئين من جنوب القارة، حيث كنا هربنا من ديكتاتوريات متوحشة. كنت قد جئت من بلدٍ غدا فقيراً وخائفاً ومضطهداً، وكانت فنزويلا الدولة الغنية الثانية في العالم، بعد السعودية، وفرحة، ولا تنام، وممتعة، ومثيرة، وخضراء، وساخنة. في بادئ الأمر، كنت مصدومة وتائهة، ولكن مع مرور الوقت إستطعت تقييم الكثير مما منحته لي فنزويلا، تعلمت أن أعيش بلا تعقيدات، وأشعر بالراحة مع جسدي، وأحدد مشاعري، وأستمتع بالحياة بإمتنان. كتبت أول رواية لي "منزل الأرواح"، كتجربة عن الحنين للوطن المفقود، لكن هذا الكتاب مفعم بألوان الحياة في فنزويلا.

ما الذي تمثله إسبانيا بالنسبة لك؟
في إسبانيا حدث الأفضل والأكثر وجعاً. خضت في إسبانيا تجربة عاطفية قوية جعلتني سعيدة لبضعة أسابيع، وإنتهت بشكلٍ سئٍ للغاية. هناك توجد دار النشر الخاصة بأعمالي الأدبية، وأصدقائي، وهناك أيضاً نشرت جميع كتبي، وهناك بدأت نهاية إبنتي باولا، وهناك تعرّفت على أنطونيو بانديراس.&&&

ترجمها عن الإسبانية يوسف يلدا