جمع د.غازي القصيبي بين الشعر والنثر متميزا في كليهما ومحققا انجازا مهما في مسيرة الأدب السعودي، وقد انعكست انسانية وحساسية الشاعر والروائي على مختلف المسئوليات التي باشرها في عمله الدبلوماسي والوزاري، فبقي في ذاكرة قرائه من العرب والسعوديين نموذجا راقيا للأديب الذي انحاز إلى قضايا وطنه السعودي داخليا وخارجيا، ليترك إرثا إبداعيا متميزا سواء في الشعر أو النثر جنبا إلى جنب سيرته الإنسانية الراقية.

الشاعر أحمد الشهاوي: القصيبي العارف بالتراث
لا أنسى لغازي القصيبي جهده الذي بذله في كتب مختارات الشعر العربي " وهي ثلاثة كتب : قصائد أعجبتني ، في خيمة شاعر ويقع في كتابين يضمان أبياتا مختارة من الشعر العربي القديم والحديث. وقد صدر" في خيمة شاعر" في عامي 1988 و1992 ميلادية، عن دار رياض الريس للكتب والنشر، وكنت وقتذاك أتردد على لندن مرتين أو ثلاثا في العام . وكان رياض الريس وداره ومكتبته "الكشكول" مقصدي، بل هدفي اليومي، حيث الصديقان الشاعران نوري الجراح ولينا الطيبي، وفي تلك الأيام صدرت مختارات القصيبي الشعرية بمقدمة للصديق الراحل الناقد الكبير رجاء النقاش .
والقصيبي عارف بتراث الشعر العربي، وإن لم يلتزم علميا بتراث الجمع، من حيث المنهج، أو التسلسل التاريخي، أو الانحياز إلى طبقات الشعراء، بل جاءات اختياراته متداخلة دون تصنيف للشعراء وعصورهم.
ومنذ مختارات أبي تمام المسمَّاة بـ "الحماسة"، ونحن في حاجة& دائمة وماسة لمن يقدم لنا مختارات شعرية طبقا وتبعا لذوقه الشعري، ومعرفته بالتراث العربي، إذ كل كتاب يتضمن مختارات من الشعر العربي القديم، هو إعادة حياة لهذا الشعر، وكذا تقديم رؤية مختلفة وجديدة، وانحياز جمالي ما إزاء نصوص بقيت طويلا تقاوم الأزمان، وما تزال تتسم بالتجديد والحداثة، إذ ليس كل قديم بالضرورة تقليدي.
وعلى مدى اهتمام القصيبي بفكرة المختارات الشعرية تأرجح بين اختيار قصيدة البيت الواحد" في كتابين " ، وبين القصيدة المتعددة الأبيات، وذلك في كتابه "قصائد أعجبتني".

الكاتب والإعلامي الإماراتي محمد المسكري: قيمة شعرية ونثرية
إنّ الراحل غازي القصيبي لا يزال حياً في ذاكرة معاصريه وقارئيه الذين لم يلتقوه إلا عبر صفحات نص نثري أو شعري، يجذبهم بقيمة سرده العالي وخطابه الشعري الجميل، مع أهمية الإشارة إلى أنه الرجل الموسوعي الذي عمل في كل المجالات وكان رجل دولة بامتياز، ناجحاً في كلّ ميدان شارك فيه وكلّ مجال خاضه.
ويتابع المسكري: "لا يغفل أحدٌ عن أنّ غازي القصيبي كان رجل مرحلة، وبخاصة لجهة تمثيله الرأي العربي المعترض على كثير من السياسات الغربية والأممية تجاه قضايا العرب، وهو وإن كان ممثلاً لشعبه وأمته دبلوماسياً، إلا أنّه تميّز بحمله همّ شعبه وقضاياه في قلبه معبراً عنها بقلمه أولاً".

الشاعر والناقد سامح كعوش: لو لم يكتب غير "الشهداء" لكفته
المنجز الشعري لغازي القصيبي بين معاصريه من الشعراء والأدباء العرب هو ما يبقي بصمته واضحة وجلية، إذ إنه مثّل صوتاً شعرياً عالياً في منابر الحق والحقيقة، صدّاحاً في مجالي الشعر والرواية معاً، محلّقاً بجناحي الشعر والنثر، فهو حيناً عاشق لسناء، وللشهداء، ولسلمى ولوجهٍ في لندن، مستعيداً لغزل الفقهاء الأعلام، وهو حيناً آخر راوياً لحديث عصفورية وشقة حرية وعن رجل جاء وذهب وعن سلمى التي يحبّ وعن ذاته التي التي لم يحبّها إلا بقدر ما كان يعتبرها قدوةً لآخرين وسيرة تجريب واختبار حاول أن يوفّر مشقّته عليهم.
لم يكن غازي القصيبي رحمه الله في نظري إلا فلسطينياً حقيقياً آمن بعروبة القدس وقضية فلسطين وأحبّها وأعطاها من مواقفه وعمره أكثر ربّما من كثيرين من الأدباء الفلسطينيين أنفسهم، لذا فهو يستحق عن قصيدته "الشهداء" تقدير كل فلسطيني في أرجاء المعمورة، ولو أنه لم يكتب قصيدة سواها لكفته.

الشاعر شريف الشافعي: حل المعادلة الصعبة
حضور غازي القصيبي في المناخ الثقافي السعودي خصوصًا، والعربي عمومًا، لم يكن فقط من خلال كتبه، لكن ـ ولعل هذا الأكثر بروزًا وتأثيرًا ـ كان أيضًا من خلال حيويته كمثقف عضوي، فاعل، أسهم في خلق حالة من الحراك والتفاعل كانت السعودية بحاجة ماسة إليها في عقود سابقة، تحسست فيها سبيل التنوير.
القصيبي الأديب، هو أيضًا القصيبي المسئول، والأستاذ الجامعي، والوزير، والسفير، وهو الكاتب الذي لا تكاد تخلو صحيفة سعودية بارزة من إسهام له، أو عنه، أو مناظرة، أو حتى معركة تخصه، في يوم من الأيام، طوال الفترة التي كان فيها حاضرًا بقلمه ونشاطاته، وأيضًا بعد رحيله.
شهدت بداية السبعينيات صدور ديوانه "معركة بلا راية"، ذلك الديوان الذي هوجم وقتها، وسعى البعض إلى مصادرته، ولعله عنوانه يمثل ما شكله القصيبي في الوعي الثقافي السعودي من أثر، فهو قائد معركة دائمًا، لكنه أيضًا ـ ربما بحكم عمله ـ دبلوماسي، يتعامل مع المعارك بحساسية تكثر من أصدقائه، وتقلل من أعدائه، وتلك هي المعادلة الصعبة التي استطاع القصيبي حلها ببراعة.

الشاعر السعودي محمد خضر: شاعرا وروائيا ومسئولا قديرا
القصيبي المثقف والمبدع والوزير الذي تشكل معه وعي جيل كامل من خلال أعماله الأدبية وحضوره ومواقفه الشجاعة..الشاعر والمثقف الذي لا يكاد يخلو من إنتاجه بيت أو مكتبة في الخليج قاطبة.. الذي طالما كان يردد في حواراته أن التاريخ سيذكره شاعراً فقط كما يتمنى ..لكن التاريخ منحه أكثر من ذلك فحياته الحافلة - طيلة ثلاثين عاما أو تزيد -& بالأفكار والمواقف والسجالات والمعارك والتي احتضنتها كتبه في الرواية والاقتصاد والتنمية والإدارة وكانت ذروتها في كتابه الجدلي "حتى لا تكون فتنة" بينما في الرواية سجلت رواية "شقة الحرية" فتحاً في عوالم الرواية السعودية الحديثة وكذلك فعلت رواية "العصفورية".. هذا الوزير له مواقف لاتنسى خلال عمله في وزارات الكهرباء والصحة والعمل.. زياراته للقرى البعيدة والنائية واشتغاله على تنميتها وتطورها.. أحبه الناس وأخذوا يروون عن مواقفه الشجاعة والإنسانية والتي لم تكرر بعده كثيراً..
في تجربته كشاعر أعتقد أن تجربة "سحيم" و "الأشج" و"معركة بلاراية" هي الأهم كونها تقدم تجربة تجاوز بها القصيبي ماحوله ذاهباً نحو صوته الخاص والواضح ولاننسى أنه في الستينات كانت تجاربه الأولى جديده على مشهد الشعر أو كما أطلق عليها أحد النقاد آنذاك "الدم الجديد".. ولايعني ذلك التقليل من شأن بقية أعماله الشعرية كالحمى و ورود على ظفائر سناء وخصوصا دواوينه البعيدة عن الحدث والمباشرة..

الشاعر والناقد عبد الله السمطي: حالة ثقافية خاصة في سيرة الأدب السعودي
يمثل الدكتور غازي القصيبي . ضمن ما يمثله. حالة ثقافية خاصة في سيرة الأدب السعودي. هو لم بالطبع مجرد أديب أو كاتب أو شاعر. لكنه هو ومجايلوه البارزون كالقرشي والبواردي وزيدان والفقي والحميدان وغيرهم كانوا يشكلون ريادة أدبية للإبداع السعودي المعاصر بغض& الطرف عن القيمة الفنية وقتها. لكن من المؤكد أن القصيبي لعب دورا مهما في مسيرة هذا الإبداع. لقد كان القصيبي نجما ساطعا في كل مجال عمل به سفيرا أو إداريا أو وزيرا. بيد أن السطوع الابقى والأكثر وجاهة يتجلى في إبداعه. بالتأكيد قدم على أصداء ريادته ومناصبه حالة شعرية رومانتيكية كتب لها الذيوع والانتشار سواء على مستوى كتاباته الوجدانية او الوطنية كما في : أنت الرياض او في كتاباته عن القضايا العربية . لكنه أحدث نقلة مهمة في فضاء الرواية السعودية بكتابته . شقة الحرية والعصفورية وحكاية حب ودنسكو وغيرها من الأعمال. فيما أسس من جديد لفن السيرة بالسعودية بكتابه . حياة في الإدارة. الذي كان ملهما لكثير من الكتاب. القصيبي كان أديبا جماهيريا لذا فإن كتاباته كانت اكثر تأثيرا وكذلك مواقفه وتصوراته. وهو من فصيلة الكتاب الموسوعيين خاصة في المجال الشعري الذي تأثر فيه بشاعرين مهمين هما إبراهيم ناجي ونزار قباني. إن سيرة القصيبي الأدبية والعملية بمثابة كتاب مفتوح لمن يريد أن يدرس ويفحص. وهي سيرة جديرة بالقراءة والمتابعة والبحث لتنوعها وثرائها.

الشاعر محمد الشحات: شاعرا أبقى منه روائيا
عندما يهل اسم الشاعر والراوئي والدبلوماسى والوزير د.غازى القصيبى التى تحل ذكرى رحيله فى 15 أغسطس من كل عام& لا يختلط الكثير من الامر، عند الكثير من المنصفين لما خلفه الراحل الكريم من ارث ثقافي،& لأنه كان قد حسم أمره& بينه وبين نفسه مفضلا صفته الشعرية عن باقى كل صفاته كروائي أو باحث، ورغم الكثير من المناصب التى تقلدها كوزيرا وسفيرا ودبلوماسيا، إلا أنه أيضا كان يفضل الصفة الشاعرية فيه، والتى تفجرت أول ينابيعها مع مطلع حياته بالقاهرة عندما كان شابا يبلغ من العمر 21 عاما، وكان لمجيئه إلى القاهرة فى بداية حياته التعليمية لدراسة القانون، واختلاطه بالحياة الأدبية المصرية خاصة أن أوائل الستينات هى الفترة الأثيرية فى تاريخ الادب المصرى المعاصر وظهور موجه أدباء الستينيات، سواء كانوا شعراء وروائيين، إلى جانب مواكبة عدد من أبرز الأسماء النقدية لإبداعاتهم، فى هذه الفترة كانت البداية الابداعية للقصيبى، خاصة الشعرية، حيث كانت موهبته الشعرية متدفقة بإصداره اول ديوان له، ليقدم أوراق اعتماده كشاعر للوسط الثقافى القاهري وتوالت بعد ذلك أعماله الشعرية وكان& ديوان "الحمّى" أحد دواوينه الباكرة الذي أحدث رد فعل صادم أشبه بما تفعله الحمّى في الجسد، بما انطوى عليه من تجديد ورؤية مغايرة وتشوف لما ينبغي أن تكون عليه القصيدة. وكان الشاعر فيه شديد التمرد وهو ما تلاقى مع موجه الشعرى التمردى فى مصر مع ميلاد القصيدة الحديثة أو قصيدة التفعيلة رغم انتمائه للبناء التقليدى فى الكاتبة الشعرية، ثم كان عمله الشعرى المميز "ورود على ضفائر سناء"& الذى خصه لسناء& المحيدلي تك الفتاة ذات السادسة عشر من عمرها كما وصفها المؤلف في ديوانه، فهى تعتبر أول استشهادية في تاريخ النزاع العربي الإسرائيلي، بهذه اللغة الشعرية الجميلة المتقنة تحدث الشاعر عن تلك الفتاة "عروس الجنوب":
" أطاغية أنا ؟& هُم أجلسوني
على عرش روما .. وهم مجدوني
وقـالوا بدونـي .. رومـا تـضيع
وقـالوا الحياة .. ممــات بدونـي
وهم زعموني .. الإله الجــديد
وهم ركعوا لي .. وهم عبدوني
تأملـى العـــذاب .. كالـضباب
فـــي&& . . .&& تــفـــكــري
ومــــزقي الـقــناع عــن
زيفـــي وعــــن تـنـكــري
أضحك للناس وفي روحي دموع الأعصر .
هكذا يكون الشعر حيث توالت بعد ذلك أعماله الشعرية وإصداره للدواوين ، كما& قدم العديد من الاعمال الروائية كـ "العصفور" و"شقة الحرية" التى تحولت إلى مسلسل تلفزيوني، إلا أن ارثه الشعرى اعتبر هو الابقى والأكثر تأثيرا وديمومة، خاصة لما كان يحمله من تمرد وثورة، سيظل باق إلى أن يرث الله الارض وما عليها.


&