تركي عبدالله السديري

لست أدري من أي مواقع تقديره أقدم شخصيته المتناهية صعوداً في حجم ما لَه من جماعية إكبار..

في أي الوديان الخضراء التي جرت فيها منطلقات مجالاته في الشعر والثقافة والرأي والمسؤولية فجعلها جميعاً امتدادات اخضرار دائم.. يزدهر بالتواضع والابتسام والاقتراب من كل عواطف تقارب إنسانيته.. في أي هذه الوديان التي ليس لها صيف وبها كل زخات العواطف ورياح دفع الناس نحو التآلف..

غازي القصيبي..

الرجل الذي تستطيع أن تقول عنه صديق الجميع فلا تكون قد أخطأت في أي حرف..

الرجل الذي ضرب أمثلة حيوية متتابعة في كيفية أن يكون الوزير معتدلاً ونزيهاً ومتابعاً لكل ما يُراد منه..

من أكبر إيجابيات غازي القصيبي - رحمه الله - ظاهرتان مهمتان في حياته:

الأولى: أنه في مسؤوليته الوطنية وإخلاصه لدولته ومجتمعه عندما كان يقوم بممارسة دور الإخلاص الصادق لكل من الدولة والمجتمع لم يكن موقع مسؤوليته هو الذي يُملي عليه نوعية السلوك، فسواء كان وزيراً أو سفيراً أو خارجهما تجد أنه ذلك المتواجد الحيوي إلى جانب كل حقيقة وكل توجه يخدم مساعي الدولة واحتياجات تطور المجتمع..

رغم وجوده في البحرين واقتراب المكان جغرافياً من رصاص صدام حسين الذي كان يسعى لالتهام الخليج وليس الكويت فقط ومع ذلك كان غازي - رحمه الله - أجرأ صوت ارتفع يعلن الرفض ويسفّه حماقات التسلط والعداوات..

الظاهرة الثانية في حياته: تعدد ثقافته.. هو كاتب الشعر المبدع، وفي الوقت نفسه هو كاتب الرواية الرائعة وهو راصد الثقافة المتميز..

هنا ظاهرة ثالثة لافتة للانتباه وهي وجود تنافس في الجماليات من النادر أن يحدث في شخصية رجل واحد.. جماليات ما كان يقوم به من مسؤوليات كوزير أو كسفير التي لم تتعطل أو تضعف لأن مَنْ يتحمّل مسؤوليتها قد استولت عليه جماليات الثقافة التي هي الأخرى حين أبدع في تعدد قدرات بروزه فيها وتواجده كرجل ثقافة متميز لم يكن هذا أيضاً في بروز الجماليات إلا رافداً ومتكاملاً مع جمالياته الأخرى.. رحمه الله رحمة واسعة.. الرجل الرمز في نزاهة المسؤولية، والرجل الرمز في كفاءة الثقافة..