&
"انه شيء لن أنساه ما حييت". &بهذا العبارة بدأ خوان بونيت ميرو حديثه وهو يقف على عتبة المشغل في جزيرة مايوركا حيث عمل جده الفنان الاسباني الشهير خوان ميرو من اواخر الخمسينات حتى وفاته في عام 1983. وتابع خوان قائلا "كان 20 نيسان/ابريل 1978 عيد ميلاد جدي الخامس والثمانين. &وكنتُ العاشرة من العمر. &صفق جدي يديه وقال "خوان ، اليوم نزور مشغلي". رغم ان الحفيد نشأ في بالما عاصمة جزيرة مايوركا وكان عادة يزور جده مرتين في الاسبوع عادة فان هذه كانت المرة الأولى التي سُمح له بدخول المشغل الذي صممه صديق ميرو المعماري الاسباني جوزيب لويس سيرت. &
قلة من الأشخاص وجهت اليه الدعوة الى هذا المبنى الذي يطل على البحر المتوسط بسطحه الأبيض المتموج وكأنه جناحا نورس وصفاقات نوافذه المتألقة بالأزرق والأصفر والأحمر وكأنها تذكير بألواح الفنان ميرو. يطغي على مدخل المشغل جدار يبدو بدائيا من الحجارة المحفورة بخشونة ولكن ضوء جميلا يغمر الداخل. &وهنا كانت صومعة الفنان يمارس فيها فنه التهويمي &والحلمي بسلام. &ورغم ان ميرو كان يحب الموسيقى فانه كان يصر على العمل بهدوء ، وهو بكل تأكيد لم يشجع احفاده على اللعب قرب مشغله حين كان يرسم. &
ويتذكر الحفيد الذي كبر ليصبح الآن شاعرا وفنانا أدائيا انه شعر "بشرف عظيم" وهو يستنشق رائحة التربنتين والألوان الزيتية والأكريليك في المشغل محاطا بمئات اللوحات في كل ركن منه. &واضاف انه في طفولته لم ينظر الى ميرو على انه ذلك الفنان العظيم بل كان "جدي" فحسب. &ولم يفهم أهمية جده وشهرته في العالم إلا حين دخل مشغله في عام 1978.
في اواخر السبعينات ، بعد وفاة صديقه وغريمه الكبير بابلو بيكاسو ، اصبح ميرو أهم فناني اسبانيا الأحياء. &وخلال العشرينات والثلاثينات كانت لوحاته الشعرية شبه التجريدية التي بدت عفوية وكأنها مجروفة من اعماق اللاوعي ، محسوبة عموما على المدرسة السوريالية. &ولم تتحقق شهرته إلا بعد الحرب حين تبدى تأثيره واضحا على الجيل الناشئ من الفنانين التجريديين ـ التعبيريين في الولايات المتحدة. ولكن الاعتراف بميرو رائدا للفن التجريدي جاء مصحوبا بما يلهيه عن الفن. لذا قرر في عام 1956 الاقامة بصورة دائمة في جزيرة مايوركا بتشجيع من بيلار جونكوسا زوجته المايوركية وكذلك ذكريات طفولته التي قضاها في الجزيرة حيث كانت أمه ايضا مايوركية. &واوضح حفيده ان ميرو "استقر هنا لأنه أراد ان يكون بعيدا عن مدراء المتاحف ومقتني الأعمال الفنية وتجار الفن والصحافيين".
في عام 1981 انشأ ميرو وزوجته مؤسسة باسمهما في مايوركا حيث تحافظ على مشغله الذي صممه المعماري سيرت. &ويمكن ابتداء من 21 كانون الثاني/يناير زيارة نسخة من المشغل في لندن تضم 25 لوحة ورسما للفنان مع قطع من اثاث المشغل الأصلي وملحقات منزلية. &وأُقيم مشغل ميرو ال1ي يحاكي الأصل في سانت جيمس وسط العاصمة البريطانية &بمبادرة غاليري مايورال في برشلونة. كما تتولى مؤسسة ميرو رعاية مشغله الثاني قرب الأول في بيت يعود تاريخه الى القرن الثامن عشر اشتراه الفنان عام 1959. &ويزهو هذا المبنى على جدرانه البيضاء برسوم غريبة نفذها ميرو اثناء تخطيط منحوتاته. &&
كما يضم المشغل قطة محنطة ماتت حين غاب ميرو ستة اشهر عن منزله ونسى انه أغلق الباب عليها ورحل. &وأقدم على تحنيطها وفاء لذكراها. ويقول الناقد الفني البريطاني الستير سوكي الذي نقل حكاية القطة عن حفيد ميرو ان الواقعة تشير الى تناقض اساسي بين الفنان وعمله. &إذ كان المعروف عن ميرو حبه للنظام والاناقة ويقول حفيده خوان بونيت ميرو ان جده كان يرتدي ما يرتديه الصيرفيون أو المحامون ، بدلات جميلة واحذية غالية وكان يبدو كأنه "لورد انكليزي" ، على حد تعبير الحفيد. &وفي مشغله كان يحرص على ان يكون كل شيء مرتبا وفي مكانه. &ولكن هذا الرجل نفسه الذي يبدو تقليديا منضبطا كان يطلق على قماشته رؤى من الحدة والخيال حتى ان مؤسس السوريالية الفنان الفرنسي اندريه بروتون وصفه ذات مرة قائلا ان ميرو هو "الأكثر سوريالية بيننا جميعا".&
وقال حفيده ان ميرو الذي يلتقيه المرء لا يمت بصلة الى ميرو الفنان. &"ولكنه حين يدخل المشغل ينزع قناعه ويصبح وحشا جامحا ، وساحرا بالألوان" ، على حد تعبير الحفيد. واعتبر خوان بونيت ميرو ان جده وبيكاسو "شخصيتان مختلفتان تماما. &إذ كان بيكاسو منفتحا على الآخرين وميرو انطوائيا. &وكان بيكاسو بركانا من الخارج وميرو بركانا من الداخل". وبحسب خوان بونيت فان الأمر الغريب ان "بركان" الابداع داخل جده ثار بقوة مفاجئة حين كان شيخا بعد ما افترض الآخرون ان ميرو قرر التقاعد من حياة فنية ناجحة في جزيرة مايوركا لينتظر الموت هناك. &واضاف الحفيد ان جده "لم يكن يخاف الموت بل كان يخاف الفشل. &وكان يخاف شيئا واحدا هو ان يكرر نفسه".&
&
&