الساعة السابعة و خمس و أربعين دقيقة ، الشمس عادت لمخبئها و الليل بدأ يسدل ستائره على مهل ، إنه ليس في عجلة من أمره فإبر الوحشة توخز بلطف ، ستكون ليلة طويلة كأخواتها .&
أخذت قلم و أردت أن أكتب عن موضوع كان يشغلني يوم بأكمله ، لكن الحروف أخذت منعرجا آخر ، فكتبت :
إلى السيد "هاروكي موراكامي" ،
لم يعد هناك أمر بداخلي يدعو للشك في أن كتابك "كافكا على الشاطئ" أخذ مأخذه بعقلي مثلما وضع "مسخ" فرانز كافكا بصمته العجائبية .
سيد "هاروكي موراكامي" ، "مع كل فجر جديد لا يكون العالم هو نفسه و لا تكون انت الشخص نفسه" .&
هذا ما قلته في بداية رحلة شخصيتك في الرواية و كأنك تكلمني و تريد مني الإنسلاخ من جحيم وجودي الحالي . لقد دفعتني مع "كافكاك" في البداية للتساؤل رغم رتابة البدايات و غموضها ، لكني لم أقف بل تعمقت مع حرفك و أبحرت فوجدت روحي سابحة في عوالم عديدة لا تلخص و لا تعد .&
تقول لي "أعود إلى قاعة القراءة ، أغوص في الأريكة وفي عالم الف ليلة و ليلة و ببطء ، كما تتلاشى الصورة في فيلم سينمائي يبدأ العالم الحقيقي في التبخر من ذهني ، أصبح وحيداً داخل القصة وهذا إحساسي المفضل . " &حينها أجدني تائها في عوالم مختلفة ، أزور سوداوية "فرانز كافكا" ، أنصهر مع الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية و الشد العصبي للأدب الأمريكي ، ألمح شهرزاد الغالية ترقص مع "ألف ليلة و ليلة" ، لقد جمعت كل شيء في روايتك فأمتعتنا و أتعبتنا أحيانا و لكنه تعب يروق لي .
سيد "هاروكي موراكامي" كتابك "كافكا على الشاطئ" هو مسحة يابانية خالصة ، ثريّ أدبيا أطعمته بالموسيقى و منفتح على روح العالم ، هي كلماتك تلامس مخيلتنا فتحملنا بعيدا مثل حبات الرمل "نجلس هنا متأمّلين المنظر أمامنا . تتحرك السحب ويسترسل شعاع القمر على صفحة البحر. تصفّر الرياح عبر غابات الصنوبر كأنها حشد من البشر يكنسون الأرض معاً. أغرف حفنة رمل وأدعها تنسلّ من بين أصابعي ، تسقط على الشاطئ، و الزمن المفقود ، تصير جزءاً منه . أكرر هذا مرّات ومرّات."..
سيد "هاروكي موراكامي" هذه رسالتي لك حول "كافكا على الشاطئ" روايتك التي لا تلخص و لا حدود لها ، فكلما تقدمت بنا الشخصية أبحرت معها في عالم عجائبي فسيح . شكرا لك لأنك مددت هذا الجمع من القراء و عشاق الكتب بهذا الكتاب العظيم ، لقد قرأته مرتين و يرغّبني أن أقرأه ألف مرة أخرى و كما قلت يا سيد "هاروكي" "الناس عموما نتاج المكان الذي ولدوا و نشأوا فيه" و أنا نتاج كتابك هذه الليلة ...
سقط القلم منهكا متعبا من بين أصابعي بعدما إستوفى التعبير عن رواية "كافكا على الشاطئ" للكاتب الياباني "هاروكي موراكامي" . رفعت رأسي و نظرت جهة نافذة غرفتي فوجدت الليل قد أسدل كامل ستائره و نام جميع من حولي ، إلا "كافكا" مازال عالقا بعقلي ينثر حبات الرمل و يعيد الكرّة مرَات و مرّات .
&