&لم يكن لدى الشعب&الألماني موقف واحد إزاء الحرب العالمية&الثانية، بل مواقف متعددة ومتباينة. بعضهم اعترض على احتلال فرنسا، وآخرون لم يبدوا أي اهتمام باجتياح بولندا، فيما كان بعض آخر يشعر بكراهية كبيرة تجاه الروس.&

إيلاف من بيروت: كانت تكلفة الحرب العالمية الثانية هائلة على الصعيدين المادي والبشري. ألمانيا نفسها كانت تفقد كل يوم ما يقارب من 10 آلاف جندي. وعندما انتهت هذه الحرب كانت أجزاء واسعة من أوروبا في حالة دمار، فيما سجل التاريخ أضخم خسارة بشرية في العالم بموت 60 مليون شخص على مدى سنوات قليلة.
&

&لم يكن لدى الألمان موقف واحد إزاء الحرب العالمية الثانية

بالطبع كثيرة هي الكتب والمؤلفات التي صدرت حول هذه الحرب وحول الشخصيات البارزة التي أدت أدوارًا رئيسة فيها، ومنها هتلر نفسه وعدد من معاونيه.

شرخ في تاريخ البشرية
لكن المكتبة العالمية ظلت تفتقر إلى إصدارات كافية عن موقف الشعب الألماني نفسه، وكيف واكب سنوات الحرب، وكيف كان ينظر إلى الأمور، وما كان تقويمه لها.

من هنا تأتي أهمية كتاب "الحرب الألمانية: صورة شعب في حالة حرب 1939-1945" للمؤرخ البريطاني والأستاذ في جامعة أوكسفورد نيكولاس ستارغاردت، الذي صدر أخيرًا بترجمته الفرنسية.

يتفق نقاد ومتخصصون على أن هذا المؤلف يُعتبر الأهم حول هذا الموضوع، لأنه يحاول التعمق في فهم تاريخ الحرب العالمية الثانية من وجهة نظر الشعب الألماني نفسه، ويسعى إلى الإجابة عن أسئلة عديدة منها: كيف دخل هذا الشعب حربًا كانت خاسرة من البداية، وتركت شرخًا كبيرًا في سجل التاريخ البشري بكل فصوله؟.

أرشيف ويوميات
يقع الكتاب في 800 صفحة في نسخته الفرنسية، وقد استند فيه الكاتب إلى أرشيف ضخم من رسائل جنود ألمان إلى أحبائهم وذويهم في الجبهات الخلفية وإلى يوميات كتبها العديد منهم، إضافة إلى أخرى كتبها آخرون لم يشاركوا في الحرب، وظلوا في مدنهم وغالبيتهم نساء وشيوخ، إلى جانب محاضر جلسات محاكم ومراسلات عسكرية.

أتقن الكاتب الربط بين هذين المكانين أي الجبهات الأمامية والجبهات الخلفية وعرض وجهات نظر هذا الشعب وشرح كيفية تطور هذا الصراع بشكل يومي تقريبًا مع عرض وجهات نظر جنود من جهة ووجهات نظر مدنيين من جهة أخرى.

نلاحظ هنا أنه لم يكن لدى الألمان موقف واحد إزاء الحرب، بل مواقف متعددة ومتباينة. بعضهم اعترض على احتلال فرنسا وآخرون لم يبدوا أي اهتمام باجتياح بولندا، فيما كان بعض آخر يشعر بكراهية كبيرة تجاه الروس. ويبيّن الكاتب أن شخصًا واحدًا قد يعبّر عن مواقف متضاربة بمرور الزمن ودخول الحرب أعوامها اللاحقة. الكاتب يشير أيضًا في أحد الفصول إلى أن هذه المواقف كانت تختلف أيضًا من منطقة إلى أخرى.

تجاهل مقاومة هتلر
أولى المؤرخ اهتمامًا خاصًا بالكتابات الخاصة والرسائل واليوميات لفهم سلوك الألمان بشكل عام وطريقة تفكيرهم وكيفية تقبلهم للأيديولوجية النازية، ونجح من خلال ذلك في إعطاء صورة عن مجتمع كامل خاض تجربة لم يخضها شعب مثله في التاريخ الحديث.

ويلاحظ الكاتب أن دعاية غوبلز كانت ناجحة بشكل عام في التأثير على نفسية الألمان وطريقة تفكيرهم، حتى إنهم ظلوا يحاربون إلى النهاية، ولم يفكروا في التراجع، بل وشعروا بنوع من خيبة الأمل عندما بدأ الحلفاء يدخلون مدنهم وقراهم.
&
غير أن نقادًا يأخذون على الكاتب عدم تطرقه إلى حركة المقاومة الداخلية لهتلر وأيديولوجيته وممارساته، علمًا أن هذه المقاومة كانت موجودة، حتى لو أنها لم تكن كبيرة جدًا. ومن الشخصيات البارزة في هذه الفئة هانز وصوفيا شول وفون شتوفنبرغ، الذين لم تعد ألمانيا لهم اعتبارهم في نظر الرأي العام إلا في العقود اللاحقة.

يشرح الكاتب الآليات التي كانت تستخدمها السلطة في خلق المجتمع النازي من خلال إنشاء تنظيمات خاصة بالأحداث وأخرى بالشباب، ثم بالعمال وتنظيمات خاصة بالنساء الألمانيات أيضًا. وكان انتشار هذه التنظيمات هو ما حيّد حركة المقاومة وهمّشها إلى حد بعيد.&

استياء
يظهر هذا الكتاب أن بعض الألمان كانوا يشعرون بنوع من الإستياء من هذه الحرب، ولكنهم ساندوا جيشهم وجنودهم بعد اندلاعها دون أن يعني ذلك إسنادهم للنازيين بالضرورة.

إلى جانب ذلك يسرد الكتاب تاريخًا عامًا للمجتمع الألماني بأسلوب سلس مع احترام التسلسل الزمني، ويجعل القارئ يتابع الأفكار التي سادت وظهرت مع تطور النزاع وتقدمه زمنيًا.&

وبالنتيجة، هذا كتاب عن حياة المهزومين في حرب غيرت مجتمعًا كاملًا، إن لم نقل مجتمعات، وتركت قارة شبه مدمرة عدا تدميرها ألمانيا نفسها، التي فقدت عددًا كبيرًا من سكانها حتى حلول عام 1945. وكان ذلك العام بمثابة نقطة الصفر التي بدأت فيها انطلاقة جديدة نحو عهد وزمن جديدين.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "نوفيكسيون". الأصل منشور على الرابط:
https://www.nonfiction.fr/article-9216-la-seconde-guerre-mondiale-vue-par-le-peuple-allemand.htm
&