يقدم المؤرّخ الإسرائيلي المعروف توم سيغف صورة جديدة ومختلفة لمؤسس دولة إسرائيل ديفيد بن غوريون. يصفه بعدو السلام، والرجل المسيطر، ويسمّيه لينين الصهيوني المستبد.

إيلاف: في كتابه الجديد "دولة بأي ثمن: حياة ديفيد بن غوريون" A State at Any Cost: The Life of David Ben-Gurion، (المكون من 816 صفحة، منشورات فرار ستراوس جيرو، 40 دولارًا، ومنشورات هيد أوف زيوس، 30 يورو)، يروي المؤرخ الإسرائيلي المعروف توم سيغف كيف استطاع ديفيد بن غوريون، الرجل المليء بالعيوب، تأسيس دولة إسرائيل.

لا ترجع شهرة بن غوريون إلى أنه أول رئيس وزراء إسرائيلي فحسب، بل إلى أنه واحد من المؤسسين الأوائل للدولة الإسرائيلية. نشأ في عائلة ناطقة باللغة اليديشية في بولندا القيصرية. وبعد وفاة والدته وهو في الحادية عشرة من عمره، أنقذته الصهيونية من الانطواء والتشتت، وأعطته هدفًا يسعى إليه.

عدو السلام
اعتبر كثيرون سيغف المنظِّر الرئيس للمؤرخين الجدد الذين تمرّدوا على الصيغة الصهيونية الرسمية. وتنطلق قصة كتابه، الذي ترجمه حاييم واتزمان، من وصول بن غوريون إلى فلسطين في عام 1906، حين كانت الحياة صعبة بالنسبة إلى المستوطنين الصهاينة الأوائل.

احتلت علاقة اليهود بالعرب مساحة واسعة من اهتمامات بن غوريون، فإذا كان السلام محورًا مهمًا، شغل ولا يزال يشغل الجانبين. فإن بن غوريون جزم منذ عام 1919 بصعوبة هذه العلاقة، وبأن العداء العربي يستلزم قوة عسكرية رادعة. وكان يردد دائمًا: "لا حل. هناك هوَّة في العلاقة بين الطرفين لا يمكن تفاديها. نريد أن تصبح تلك الأرض وطنًا للأمة. ويريد العرب أيضًا الأرض نفسها وطنًا لهم. ولا أعرف عربيًا واحدًا يمكنه التنازل عن موقفه، والموافقة على تحويل الأرض إلى وطن لليهود".

عندما اندلعت أول حروب العرب مع إسرائيل، عقب إعلان قيام الدولة العبرية في عام 1948، كان بن غوريون يأمل في دولة تضم أقل عدد ممكن من العرب. وكانت استراتيجية استبدال العمالة العربية بعمالة يهودية نتيجة إيمانه بالفكرة التي لم يعلنها إلا لاحقًا: التهجير.

يقول سيغف: "طاردته الهجرة العربية، وهذا كان بمثابة الغموض الأخلاقي في قلب وجود إسرائيل".

الرجل المسيطر
بعد إقامة إسرائيل في عام 1948، أصبح بن غوريون أول رئيس وزراء لها، وعمل فور توليه منصبه الجديد على توحيد العديد من المنظمات الدفاعية التي كانت موجودة آنذاك في قوات واحدة أُطلق عليها قوات الدفاع الإسرائيلية. وخلال مدة خدمته رئيسًا للوزراء أكثر من 13 عامًا، فرض سيطرته الكاملة على البلد الجديد.

ينتقد سيغف في كتابه، نزوع بن غوريون إلى السيطرة، وهذا ما تجلى في دفعه دولة ألمانيا الاتحادية في عام 1952 إلى توقيع اتفاقية لوكسمبورغ التي التزمت فيها دفع تعويضات إلى اليهود الناجين من الهولوكوست؛ وإطلاق برنامج نووي منذ الخمسينيات تحت إدارة وزارة الحرب الإسرائيلية، لإنشاء قدرة نووية تكون في يد الجيش الإسرائيلي، للإخلال بالتوازن العسكري مع الدول العربية.

في الخلاصة، يقدم الكاتب صورة مغايرة تمامًا لما هو شائع بين الإسرائيليين عن بن غوريون العملاق. وعلى الرغم من أنه لا ينكر بعض إنجازاته، فإنه يُظهر الجوانب السلبية من حياته الشخصية وعدم اكتراثه لعائلته ومعاملته السيئة لزوجته بولا. كما يركز على الخط الاستبدادي الذي اتبعه، وطموحه بأن يكون "لينين صهيونيًا"، متبعًا مبدأ "لا صوت يعلو فوق صوت السياسة".
&
&
&
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط:
https://www.economist.com/books-and-arts/2019/08/22/a-life-of-david-ben-gurion-israels-founding-father
&