كالاشباح ، تتحرك موجودات بشرية خلف زجاج نوافذي المحاطة بالضباب، لغط أصواتهم يتردد الى مسامعي باستفزاز، إلهي! لم كل هذا الكم الهائل من الكائنات، اشعر بمصاعب في التماهي والانسجام معهم، فاعيش معزولا عنهم ولا تثير اهتمامي متطلبات الانتماء اليهم، وتثار ريبتي حين تتكشف وجوههم لي، يعتريني الخوف مرارا، لجهلي بما سيأتي به القادم من أيامي، رقيق انا حد الهشاشة، وغير مكترث بمن هم من حولي، غضوب انا وشديد الحساسية. لا اجيد فن التعامل مع الآخرين، ولا أملك خططا لحاضري، لست موهوبا بالدبلوماسية ولا بالمنطق البراغماتي، في معظم الأحيان أجهل تماما ما الذي يجب علي فعله، واجد نفسي غريبا في كل مكان. فأنا لست اعرف الراحة جيدا واشعر بضيق في صدري، إذا اقتحم أحدهم عالمي سأشعر بالغثيان على الفور، ولكن، حين اتوجه الى منزلي، تبدأ دقات قلبي بالانتظام، ويدخل توتري في عده التنازلي، ساكتب وارسم إذن، ثم انام واحلم، ها انا وصلت الى مملكة ذاتي.

تلك هي عينة من خواطر واحد ممن نطلق عليهم عبارة المختلفون، واحبذ هنا ان استخدم مصطلح اللامتواصل أو اللامتكيف بدلا من المختلف، واود ان اؤكد ايضا على ان اللامتواصل هو ذلك الشخص الذي يشعر بصعوبة او حتى استحالة التواصل بالعالم الواقعي، فهو في حالة أشبه بالغيبوبة أو الموت السريري، واللامتواصل هو اللامنتمي كما نعته كولن ولسن في كتابه (اللامنتمي). وهو المضطرب المرتبك والذي لا يشعر بالطمأنينة. وصفه هنري باربوس في جحيمه بهذه الكلمات: لاغاية يحققها ولا مشاعر ليمنحها ، لا يملك شيء ولا يستحق شيء ومع ذلك يشعر بالحاجة الى التعويض. إلا أنه ليس بالضرورة ان يكون احد نزلاء المصحات العقلية، فهناك المختلف الغير التابع، الذي رفض النزول الى الحلبة، حلبة الحياة، رفض دخول دائرة القوانين الرتيبة التي وضعها أحدهم من دون الاخذ بنظر الاعتبار لرأي الآخرين والمختلفين منهم.

الا ان اللامتواصل هذا لا ينتهي إلى العزلة وفقدان التواصل مع المجتمع فحسب وإنما يتعدى ذلك فيصل الى الكراهية والعداء واضمار الشرور للاخرين، وهو نوع متطور من حاله اللاتواصل وقد يكون من الصواب التمييز ما بين الحالتين. وبهذا يُعتقَد ان مثل هذه الشخصيات ربما تعدت حدود النظام أو ستهدد سلام وأمن المجتمعات البشرية ولا بد من اتخاذ مواقف واضحة وصارمة من هذا التمرّد، فيُعمَد الى ادخاله في المصحات العقلية وإجباره على الخضوع والقبول بما هو متاح باستخدام عدة أساليب، ومنها المخدرات او جلسات الكهرباء وحتى احيانا العنف، آملين بذلك تطويع هذا الثائر الرافض للانضمام الى حظيرة بني آدم.

وللمختلف هذا الفضل الكبير على تغيير أساليب المجتمعات الإنسانية. فلدينا قائمه طويله من المبدعين المختلفين مفكرين وفلاسفه وفنانين، من ديستويفسكي الى فان كوخ مرورا بسارتر، الا اني سأسلط الضوء على بعض من تجارب الفنانين المختلفين المهمين والذين يصنفون ضمن التعريفات المعاصرة كالتالي: الأشخاص الذين يمارسون انجاز الاعمال الفنية بسبب دوافع ذاتية دون إلحاقها بطموحات الشهرة والنجومية والمنافسة التي يخوضها الفنانين في تسقيط وتهميش بعضهم البعض أحيانا،.ومن الجدير بالذكر أن المختلفين لم يدرسوا الفن في المعاهد والأكاديميات و لا يحلمون ببيع أعمالهم في الكاليريهات، وعادة لا يلجأون إلى عرضها للمشاهدين، لابل وحتى ان بعضهم يتحرز من ذلك ، فمنهم من توفي دون ان يعلم احد بمنجزاته. “المبدعون ليسوا رجالا ولدوا وفيهم العبقرية بل هم رجال تمكنوا سواء عن طريق الحظ أو الجهد أن يتخلصوا من ميكانيكية التكرار التي تقضي على معظم الناس بالعبث واللاجدوى” هذا ما أورده كولن ولسن الكاتب الانكليزي في معرض دراسته لشخصية اللامنتمي .

أطلق الفنان الفرنسي جان دي بوفيه تسمية (الفن الخام) على المنجزات الابداعية لهذا الفصيل من الناس، أما الناقد التشكيلي ديفيد كاردنيال فقد نعته بالاوت سايدر واكتشف الأول اهمية اللامنتمين المبدعين فجعلهم المصدر الالهامي الكبير لإنجاز أعماله الفنية، مما دفعه الى جمع وحيازة عددا كبيرا من أعمالهم، وذهب الى حد تأسيس متحف لهم في سويسرا (متحف المختلفين) واستلهم منهم مبحثه المهم الموسوم بالفن الخام أو (الارت بروت)، واكتشف جان دي بوفيه ايضا ان هذه الاعمال تتميز بعذريتها، اي انها لم تتعرض الى تدخل الثقافة، ناهيك عن أنها لا تلتزم بالاعراف الاجتماعية الزائفة ولا بالدبلوماسية او محاباة المتلقي ومراعاة شروطه الذوقية، فهي أعمال خارجة عن المألوف والاليف، ومن خصائصها الجمع ما بين المبالغة العاطفية الشديدة والشطط في التعبير.

وهناك أيضا مجموعة متنوعة من العوامل التي ساهمت في اهتمام الاوساط الثقافية والفنية بالفن الخام او اللامنتمي واحيانا مايسمى بفن المجانين أو المختلفين. ففي النصف الأول من القرن العشرين زاد البحث عن الأساليب الفنية الجديدة بشكل مكثف، وعن مايعبر بشكل عميق عن مخلفات الحربين العالميتين، والبحث أيضا عن أسلوب ينقل بأمانة وصدق الحالة التي يمر بها المجتمع الإنساني وخاصة الأوروبي من فوضى وارتباك وفقدان ثقة بالانسان، فقد انجذب العديد من الفنانين الممتهنين للفن إلى الفن البدائي القادم من الثقافات البعيدة. وكان لابد لشخصية فصامية مثل أدولف ولفي، الذي قضى خمس وثلاثون عاما في احدى المصحات العقلية في سويسرا وعاصر كومونة باريس والثورة الروسية والحرب العالمية الأولى وصعود الفاشية، أن تجد طريقها الى قلوب الفنانين الشباب.

لقد قدم الفنان الفرنسي ديبوفيه أعماله واهتم بها، وقد تألفت أعماله في المقام الأول من خمس وأربعين مجلداً مصنوعا باليد بأكثر من خمس وعشرين ألف صفحة، امتلأت بالنصوص النثرية والقصائد والروايات الرائعة والخرافات والأغاني ورحلات السفر ومؤلفات موسيقية ومجموعة لا نهاية لها من الخط والرسم التوضيحي والتصميم. كان ولفي يخلق عوالم دقيقة ومنظمة، اعماله تذكرني بنتاجات الأبورجين الاستراليين الاصليين، فالحرية التي اكتشفها في التناظر والنهج الفريد الذي اتبعه في التدوين الموسيقي، والطريقة الغير النمطية في خلق الجمال، حيث اعتمد السرد بشكل مزخرف واحتلت الأشكال الهندسية المعقدة والخرائط الوهمية والصور الشخصية والقصور والكنائس والملوك والملكات والحيوانات والنباتات الناطقة معظم أعماله. الا ان اسلوبه في استحضار الأشياء الكثيرة والمختلفة في اللوحة الواحدة أثر على الفنانين من جيله والأجيال التي لحقته وظهر الأمر في سياق محض صدفة. ولكن لم لا؟ فقد تخلق الصدفة أنماطا جديدة، فوضع الخطط والتركيز الشديد قد تفقد الفنان بوصلته الإبداعية ويغدو حبيس القوانين والشروط التي وضعها لنفسه قبل التنفيذ.

شيكاكو عام ١٩٧٣ توفي هنري داركر رسام الفن الخام ونزيل احد المصحات النفسية في فترة من فترات حياته، تاركا ورائه ارثا فنيا هائلا في غرفه كان يستأجرها في دار المصور والمصمم ناثان ليرز، ترك اعمالا ابداعية مكدسة على شكل كتابات ورسومات ملونة على أوراق.
&ولد داركر يتيما وعاش حياة معزولة، حيث قضى معظم حياته بمفرده في غرفته. كرس داركر وقته لبناء عالم خيالي واسع، حيث بدأ العمل في كتاب ضخم في عام ١٩١٠، تناول فيه موضوعات الحرب ومعاناة الأطفال الأبرياء هذا بالإضافة الى العوالم الغير واقعيه مثل قصة فتيات فيفيان وعاصفة حرب كانديكو - أنجلينيين، امتد هذا الكتاب حتى وصل إلى خمسة عشر مجلداً بلغ مجموع صفحاتها أكثر من ١٥٠٠٠ صفحة.
كان رسوماته مليئة بأجواء المعارك الشرسة والتعذيب والإعدام . وكان الضحايا على وجه الحصر من الأطفال، والجناة من الجنود الذكور البالغين ، لكن في النهاية كان النصر حليف قوى الخير وهن البطلات الاخوات فيفيان الجميلات السبع ومعهن كائنات بأجنحة خرافيه ضخمة تناصرهن، بعد أن عانوا جميعا من ويلات الحرب الضروس والتي سجل مناظرها المفزعة داركر بكل مباشرة ووضوح ، حيث الجثث المكشوفة في الشوارع بالآلاف، وأعداد هائلة من الاطفال المقطعه والتي علقت قلوبها بالسلاسل على جدران المنازل.

يظهر في الصور ايضا الفنان داركر بشخصية (الكابتن هنري داركر) الشجاع الذي يقاتل من أجل حماية السبايا الأطفال جنبا الى جنب مع الاخوات السبع الجميلات. عثر ناثان ليرنر على سبعة وثمانين لوحة مرسومة بالألوان المائية، طولها سبع أقدام ، وسبع وستين عملا مصغرا. كانت تلك اللوحات تعكس روح داركر ذات الحساسية العالية والتوتر والخوف، وهو الشعور الناجم عن الخطر أو التهديد المتصور في شخصية اللامنتمي: العالم غير آمن ومشاهد المجزرة تعرض تلك النظرة التشاؤمية ليس تجاه البالغين وحسب وانما ايضا تجاه أصحاب السلطة والنفوذ، اما الاطفال فهم رمز للابرياء العزل.

يعتبر داركر أحد أهم الفنانين المختلفين الذين تركوا بصمة كبيرة وأسلوب خاص سمي بالداركرزم، لم يستلهم الفنانون الشباب المعاصرين مفردات نتاجاته الفنية والتي تتمتع بإمكانيات هائلة وقدرة عظيمه حسب، بل استلهموا ايضا تلك الكفاءة العالية في صياغة عالم اسطوري جديد ينتصر فيه الخير على الشر في ملحمة داركرية لا يبدعها إلا الأحرار والثوار على الأرض . استخدم داركر عدا الرسم الكتابة والكولاج ، كوسيلة لمساعدته في التعامل مع الحياة ، ومن الواضح أن تلك الحياة التي قضاها كانت مروعة تماما مثل محتوى اعماله الفنية ، على الرغم من أن نتاجاته تلك لم تكن مخصصًه للجمهور إلا أنه من السهل علينا رؤية العذاب الذي مر به داركر وهو ينقل أفكاره وهواجسه الداخلية.

الفن البدائي او الساذج
انه ليس انا وإنما ماتصنعه يداي في النهايه (دونير روسو)
الفن الساذج لا يمكن تعلمه ولاتدريسه ولا تقليده، فهو أسلوب ابتكر أبجديته المعبرة دون تدخل خارجي. هذا لا يعني بالطبع أن الرسام المحترف ليس بإمكانه أن يصنع فنا ساذجا بل على العكس وخير مثال على ذلك مارك شاكال .فلكل رسام ساذج حقًا رؤيته الخاصة للعالم التي تختلف بشكل فريد عن غيرها من الأشكال بطريقة غامضة.

تنبثق الرؤية الفردية لكل رسام ساذج عن حالة من الروح القيادية الفريدة من نوعها. هذه الرؤية ، شأنها شأن كل مفهوم فني ، تندمج مع ضرورة التعبير عن نفسها، وهي ضرورة أقوى بكثير من الفنان نفسه. يستسلم الرسام لهذه الضرورة ويضطر إلى تحقيق رؤيته بأي ثمن. لعله نتاج فني بعيد عن المنطق إلا أنه مصحوب بموهبة عالية. ولا يمكن تصنيف الهواة كصناع للفن الساذج . انها اعمال شبيهه برسوم الاطفال الا انها لا تعادلها . فهي غالبا تتسم بالترتيب والتنظيم والايقاعات المتسقة والألوان المتناغمة. ربما يبدو لنا من الوهلة الأولى أن كل الأعمال الفنية ذات الأسلوب الساذج هي متشابهة الا ان النتائج متنوعة للغاية فهي تتبع الثقافة والمنشأ وبيئة الفنان والمناخ والارض التي ينتمي لها، ولذلك فان الفنانين الاوربيين مختلفين عن بعضهم وكذلك عن الاميركيين وهكذا. ولكن هذا لم يمنع الفنانين السيئين من قرصنة الأسلوب وطرح اعمال فنيه تافهة أساءة للذوق العام.
مارك شاكال الفنان الروسي الأكثر شهرة وامتاعا بالنسبة للجمهور الفني من اي فنان معاصر آخر. وهو كقرينه ولفي كان قد عاصر الحربين العالميتين والثورة الروسية وما تبعها من التهجير والنفي . قدم شاكال العديد من الأعمال والتي كانت مبنية على الذكريات والحنين لوطنه الروسي . ربط الفنان ماضيه وجذوره الإثنية، بتجربة فنية عالمية عكس فيها الأسلوب الساذج ممزوجا باالتكعيبية والسريالية، حيث ركز فيها على التقاليد والقصص الشعبية، وعلى سبيل المثال احدى لوحاته التي تدعى باسم ( مشهد القريه) والتي عكس فيها التلوين والترتيب الغريب للشخصيات مشهدًا خياليًا خالصا.

وفي لوحة اخرى تدعى (شموع في الشارع المظلم)، والتي يتم وصفها في كثير من الأحيان بأنها لوحة غير منطقية ولكنها رائعة الجمال. تنعكس فيها الطريقة التي يحول بها شاكال هذه العناصر إلى مسرح دراماتيكي متخيل. انها اعادة تجميع لحكايا وقصص شعبية بالإضافة الى الذكريات الممزوجة بالأحداث الحقيقية والمتخيلة، فحادثة جده الذي كان في عداد المفقودين وفتشوا عنه في جميع الجهات ووجدوه اخيرا على السطح يجلس بهدوء ويعزف الكمان، وصرخات في الشارع أسفل النافذة. ثم رؤية بصيص من المصباح الليلي وامرأة تهرب بمفردها في الشارع المهجور. كانت تلوح بذراعيها ، تبكي، تتوسل إلى الجيران الذين كانوا مازالوا نائمين علهم ينقذون زوجها. وجثة ترقد على جانب الشارع محاطة بالشموع.

ولم يكن المسرح الدراماتيكي وحده من سيطر على أعمال شاكال، وإنما كانت للموسيقى الحصة الأكبر، فكانت العنصر الفلسفي والجمالي الأكثر أهمية في وعيه الفني، حيث ترتبط الصور الموسيقية في عمله بمفاهيم جوهرية مثل الحب والحياة والإلهام والراحة والوئام والجمال. الا ان الموسيقى تأخذ في أعمال شاكال أهمية احتفالية وطقوسية. ترافقها الأحداث الكبرى في حياة الأفراد والمجتمع الذي ينتمي له، وتكثر صور الآلات الموسيقية والموسيقيين في لوحاته. وكانت العناصر الأكثر شيوعًا في الأيقونات الموسيقية لشاكال هي الكمانات العائمة في الهواء والتشيلو والبشر والملوك والأنبياء مثل داود وسليمان يحملان القيثارات والملائكة المبهرة والحيوانات التي تعزف الآلات الموسيقية، فضلاً عن الفرق الموسيقية الكلاسيكية والأوركسترا السمفونية الشعبية.

وبعيدا عن الاسطورة والعوالم اللاواقعية وحكايات الشعوب، يدعونا هذه المرة المبدع الشاب الفنان جان ميشيل باسكيات لرحلة اكتشاف فنية، نتصفح فيها ملامح وجه العالم مثل ما رآه، حيث استدعى باسكيات عناصره الفنية من تفاصيل يوميات حالم طموح متشرد أمريكي ملون. وبرأيي أعده &النسخة الاصلية لرسام الشوارع البريطاني بانكسي. عاش باسكيات حياة صاخبة ثرية بالتجارب المتناقضة رغم صغر سنه ، نام على الارصفة وتعلم في المدارس الخاصة ، كان شابا يافعا ذكيا ومشاكسا، خرج من الاحياء الفقيرة في نيويورك وكان فيما بعد صديقا لاندي وارهول ومادونا، يتطلع للنجاح والشهرة والنجومية عاش في البدء كواحد من المهمشين، ثم بدأ رحلته في حياته القصيرة كرسام كرافيتي يرش الكلمات على جدران الشوارع والأنفاق والساحات العامة الملغومة بالرسائل الموجهة الى السياسيين والعنصرين والأثرياء. اشتهر باسم سامو، وهو التوقيع الذي كان يتركه على الجدران والذي حمل له الشهرة والاهمية فيما بعد وقبل ان تغريه فاترينات الغاليريات والمتاحف، كان رساما يحب الخربشة، يضع كتاباته ويخطئ أحيانا في كتابتها فيصححها مبقيا على اثر التصحيح ويسجل نصوصه في دفاتر ملاحظاته، التي نُشرت مؤخرًا في نسخة رائعة من برينستون، وهي مليئة بالعبارات الغامضة والمجموعات الغريبة. بدأ الرسم والكتابة على البطاقات البريدية الملونة المرسومة باليد، وعلى الثلاجات والملابس والخزائن والأبواب، و بغض النظرعما إذا كانت هذه الاشياء بحيازته أم لا. حيث كانت مفرداته تتنقل في معانيها ما بين التمييز العنصري والمال والسلطة . وكان من أهم كلماته التي استخدمها هي الكيمياء والقطة الشريرة والصابون الأسود، والأجساد البشرية والأسنان والقطن والجريمة والتاج والشخصياتت المشهورة والفنادق والملك والحرية والحليب والزنجي، وعبارة (لا شيء يمكن كسبه هنا)، والأولمبياد وشارلي باركر عازف الساكسافون الاميريكي الملون، والشرطة. لم يتعلم باسكيات الرسم في المعاهد والأكاديميات لكنه كان متابعا جيدا للفن عن طريق زياراته المستمرة بصحبة والدته للمتاحف قبل ان تتغير ظروف معيشته وتصبح والدته احدى نزيلات المصحات النفسية مما اضطره للعيش مع والده كان من الممكن ان اكون انا) عبارة استخدمها باسكيات وهو يستنكر مقتل شاب اميريكي ملون كان لديه الحظ ان يكون مشروعا) لفنان كبير، مايكل ستيوارت الذي كان يدرس الفن في برات ويبلغ من العمر ٢٥ عاما، مات عقب القبض والتعدي علي بالضرب المبرح من قبل اثنين من الشرطة بتهمة الرسم الغير مشروع على جدران أنفاق محطة مدينة نيويورك، الأمر الذي أدخله في غيبوبة وتوفي بعد ثلاثة عشر يوما على اثر الحادث. لم تكن هذه التراجيديا فريدة من نوعها، فالقضاء الأميركي كان ولايزال غالبا ما يبرئ القتلة البيض ويدين الضحايا الملونين. الا ان بساكيات لم يعد يحتمل وجع الظلم وجعل من هذه الحادثة فضيحة مدوية عن طريق صرخاتة المكتومة على الجدران . (كان من الممكن ان اكون انا ترايفون مارتن قبل خمس وثلاثين سنة) وهي العبارة التي كررها الرئيس اوباما عندما تم اطلاق النار على شاب ملون اعزل، وهو ترايفون مارتن البالغ من العمر ١٧ ربيعا ، قتل عام ٢٠١٣ على يد حرس خاص ابيض البشرة، حيث تمت تبرئته وإخلاء سبيله لاحقا من قبل القضاء الأمريكي المتحيز.

ومن هنا يمكننا القول ان للفن الساذج سمات الحميمية والألفة والانتماء على الضد من ماهو عليه في الفن الخام، رغم تبني المجموعتان لعناصر فنية مشتركة. لكن الوعي الثقافي والموهبة والرؤية الفردية والموقف الوجودي بالإضافة الى الكفاءة والإمكانيات قد تكون الفيصل في النهاية.

تغريد هاشم كاتبة ومعمارية تعمل وتعيش في السويد