يذخر معرض القاهرة للكتاب في الفترة من 23 يناير إلى 4 فبراير بالعديد من الكتب في شتي انواع المعرفة، 900 دار نشر تقدم انتاجها لهذا العام ، ولاعجب فهو ثاني أكبر معرض للكتاب بعد معرض فرانكفورت.. من أهم الكتب التي يقبل عليها الزوار ، كتب االسفر والرحلات، فهي اكثر الكتب واقعية وصدقا لما تحملة من انطباعات حقيقية، وتجارب شخصية، يضعها المؤلف في قالب مثير وجذاب، فتكون سهلة القراءة، غير مملة، ترضي شغف محبي السفر والترحال دون الحاجة إلي تكبد عناء الرحلة .

تأشيرة سفر ـ هو كتاب صلاح سليمان الثالث بعد كتاب حكايات من ميونيخ، وذكريات ورحلات ـ فقد برع الكاتب في هذا اللون من الكتابة، فهو يري تفاصيل السفر الصغيرة كبيرة، ويهتم كثيرا بعادات وثقافات الناس، لذلك نجده حريص على تسجيل التفاصيل الصغيرة والتي كثيرا ما يمر بها المسافرون دون أن يشعروا بها .

الكتاب صدر عن دار فصلة للنشر ويقع في 260 صفحة من القطع الكبير، وهو متاح الآن في جناح الدار في معرض القاهرة للكتاب.

تصفح أحداث الكتاب، والرحلات المتتالية فيه، يشعرك وكأن الكاتب يأتي بها كموجات بحر دافقة مليئة بالمعلومات والحكايات ليطرحها على شاطئ القارئ، فيشعره بالراحة والانسجام وهو يتأمل متعة مافيها.

نذهب مع المؤلف في رحالاته الممتدة، التي لاتسير على نمط واحد، فهو دائم الترحال والتنقل، فمن سيارة إلى قطار، ومن مركب إلى طائرة، ومن وادي سحيق إلى قمم الجبال العالية، يقضي هنا أياما فاخرة في أفحم الفنادق، ثم نجده تائها في الشارع هناك، أو يقضي ليلته في بيت ريفي مع الأبقار كما حدث في سالزبورج في النمسا، اوبعيدا عن هذا وذاك في خيمة في كامب على ضفاف جزيرة صغيرة في ايطاليا.

من أطرف ماجاء في الكتاب في مطار هيثرو في لندن عندما أوقفته حارسة أمن عجوز، ورفضت دخوله الطائرة بالحقيبة التي يحملها بحجة أنها كبيرة، وأرغمته على شراء أخرى جديدة، لينقل فيها اشيائه وسط دهشة المسافرين، تاركا حقيبتة الأخرى التي رافقته في أكثر سفرياته دون أن يعترض عليها أحد.

وفي مطار أثينا لم يستطيع العودة إلى ألمانيا بسبب اضراب العاملين في شركة الخطوط الجوية لوفتهانزا ، فقضي يوما كاملا متنقلا بين أكثر من طائرة ومطار رغم أن الرحلة لا تستغرق أكثر من ساعتين، وبعد كل هذا العناء وفي محطة الوصول فوجئ بمندوب الشركة يعطيه تعويضا بقيمة 300 يورو، فيأخذهم ويحجز في التو لرحلة سفر جديدة .

حرص أيضا المؤلف أن ينقل للقارئ شيئا من ثقافة الطعام عند الأوربيين، ابتداء من وجبة أعشاب تناولها مع قرويين في قرية على سفوح جبال الألب وصولا إلى وجبة طعام من القرون الوسطي تناولها في أستونيا.

التغيرات التي مرت على أوربا، كان الكاتب جزءا منها، وقد سردها في الكتاب، فقد عاصر سقوط سور برلين، وذكر في كتابه أنه من الصدف العجيبة تلقيه دعوة قبل سقوط الاتحاد السوفيتي وهلاك الشيوعية لزيارة دولة تشيكوسلوفاكيا آنذاك ليتعرف على مميزات العهد الشيوعي، والمكاسب التي تحققها الدول الأشتراكية للعمال فيها، ويشاء القدر أنه بعد سقوط الأتحاد السوفيتي وانفراط عقد الدول الشيوعية أن يتلقى دعوة من نفس الدولة للتعرف على الآثار المدمرة التي خلفتها الشيوعية .

الكتاب ملئ بأحداث وقصص كلها واقعية وممتعة، فقد شاهد أمام قصر الدوقية في لوكسمبورج كيف خرج ولي العهد الأمير جيوم ليستقل سيارته دون حراسة عائدا إلي بيته، وكيف أن كل الوزارت الحكومية دون حراسة، وفي استونيا تستطيع بالبطاقة الشخصية أن تدخل لحضور جلسات البرلمان، وماذا رأى في أقدم صيدلية في العالم وأنواع الدواء فيها.

وكيف وصف " سوق الحرامية "في مدينة بيفرفيك الهولندية ، ومهرجان موسيقى الجاز العالمي في روتوردام، وكيف تجول في ميناءها الشهير الذي يعتبر ثاني أكبر ميناء بحري في العالم. ثم كيف وصف قرية تشنجن التي فيها وقعت اتفاقية الاتحاد الأوربي ،وتأشيرة تشنجن التي أصبحت معروفة باسمها.

يقول الكاتب إن خبرة السفر ومتعته لاتقف عند حدود الشخص المسافر وحده، لكنها تنتقل إلى كل المحيطين به في شكل ما يقصه عليهم من نوادر وحكايات السفر المثيرة .

من أكثر مميزات هذا الكتاب إنه لم يغفل ذكريات وانطباعات المؤلف، مما أضفى لمسة شخصية على تسجيلاته تدفع بالتأكيد محبي السفر إلى ربما تكرار التجربة ذاتها دون الشعور بالملل .