في الساعة الثالثة من فجر أحد أيام العام 2021, وضعت سيدة حامل اول بيضة بشرية.
عشرات الكاميرات, والأطباء والعلماء حضروا هذه اللحظة التاريخية, وبصحبتهم زوج السيدة. لم تكن من حاجة لإقناع الأخير بأن زوجته لم تخنه مع ديك عابر. فقد كان وضعها لبيضة أمرا متوقعا, بعد ان صارح الطبيب الزوج, قبل ثلاثة اشهر من الآن, ان زوجته الحامل لن تلد, بل ستبيض.
أما كيف حدث ذلك, فقصة ليست اكثر عجبا من ظاهرة وباء كورونا, وما اصاب البشرية من رعب بسببه. إذ بعد ان وقف العلماء والأطباء عاجزين امام طغيان الوباء, قالوا إن افضل طريقة للسيطرة على الفيروس الذي يطور ذاته تلقائيا, يكون بتطوير الجينات البشرية نفسها. أي خلق جيل بشري جديد محصن ضد المرض أيا كانت قوته ودرجة تطوره.
لم ترق الفكرة للجميع. خاصة وان العبث بالجين البشري, هو للبعض عبث بكتاب مقدس. لكن العالم في حاجة الى علاج سريع. فمراقبة الموتى يسقطون جسدا اثر جسد, لا يمكن القبول به, وعزل الناس في منازلهم لا يمكن ان يدوم للأبد.
هكذا, ومع اغداق مالي كريم من الدول الكبرى, والمؤسسات التجارية الطبية العملاقة, تم اجراء تعديلات على الجينوم الإنساني في عجالة. وأخضعت العديد من النساء للتجارب في عجالة. وراح العلماء يترقبون ما سيحدث في عجالة. فكانت النتيجة, أن حملت امرأة ببيضة.
هل ستنام عليها الزوجة, ام الزوج؟
طرح العلماء السؤال فيما بينهم, وتناقله العامة وسط سخرية فاقت سرعة انتشار الوباء.
لا شيء يمكن فعله الآن, سوى انتظار فترة حضانة البيضة حتى تفقس, ليروا الإنسان الذي سيخرج منها. قدر البعض ان تستمر فترة الحضانة لشهرين, وقال آخرون شهرا يكفي. تسلطت الاضواء على المرأة وزوجها. ووضعا تحت المراقبة وهما يتناوبان الرقاد على البيضة, لحظة بلحظة, حتى بدأت تتحرك بعد خمسة اسابيع فقط.
توقفت اعمال الأمم المتحدة في انتظار أن تفقس البيضة. وتعطلت المدارس والجامعات, وأغلقت المحال التجارية. وأوقف المتصارعون على الساحات الدولية ضرباتهم, وصمت الكون في انتظار اللحظة التاريخية التي سيخرج فيها الى العالم انسان جديد.. من بيضة.
أتى طفل وسيم الوجه, لكن له قدمان تشبهان دجاجة, ويدان يملأهما الريش حتى الكتف. باختصار, نصف انسان هو ونصف طائر.
صدم الجميع, وصمت كل شيء. حتى العلماء, ما عرفوا ما يقولون.
قبل ان يستوعب الناس القصة, ترددت أنباء عن وضع امرأة في مكان بعيد بيضة أخرى.
وكما حدث في المرة الأولى, راح الكل يترقب متى تفقس البيضة الثانية, وأي كائن سيخرج الآن؟
ما عاد من حديث سوى السؤال: ماذا سيأتي؟ فواحد يراهن على فشل التجربة, وثالث يبشر بعهد جديد, وآخر يقول خصي الرجال افضل من اللعب بجينات نسائهم.
حتى الزعماء المتخاصمون, راحوا يتواصلون ببعضهم, يحللون ويرسمون, ويبنون على ماذا لو, وماذا إذا؟
لم يتطلب الأمر اكثر من ثلاثة اسابيع هذه المرة, لتفقس البيضة الثانية كاشفة عن انثى بشرية, لها أنف بارز, وعينان صغيرتان, وأذنان طويلتان, ويا للمفاجأة.. ذيل سميك احمر طويل. كانت باختصار, طفلة ثعلبية.
توالت الأخبار عن بيضة ثالثة هنا ورابعة هناك, فخامسة وعاشرة. وكل مرة, تفقس عن انسان بملامح مختلفة, فمن ريش على اليدين, الى شعر على الوجه, مرورا بطفل له جلد نمر أرقط.
تحول الامر من تجربة, الى صدمة, ثم مصدر للتفكه, خاصة وان صور الاباء وهم يتناوبون الرقاد على البيض كان مثيرا للضحك. وراح كل زوج يتخيل نفسه يفعل الشيء ذاته, ويردد أن الموت اشرف له من ان يرقد على بيضة.
تسائل الجميع, هل تم إجراء التجارب على كل النساء فأصبحن يبضن بدل ان يلدن؟ وهل ستأتي كل الفراخ البشرية الجديدة حيوانية الملامح؟
لم يكن احد يعلم مدى قدرة الفراخ القادمة على مقاومة الوباء. والأهم من ذلك, لا أحد يعلم اساسا في أي تصنيف يمكن وضعها فيه, بشر, ام دواجن, ام سنوريات؟ وكيف يمكن العيش معها؟
ثار الناس على العلماء, وقادهم رجال الدين الذين راحوا يرددون اللعنات ذاتها, والتهديدات السماوية ذاتها.
عقدت المؤتمرات, والندوات, وانسكبت على المحافل الدولية عشرات الأبحاث العلمية تناقش الأمر, بين مدافع عنه, ومعارض له.
قال المدافعون, ان الخطأ في التجارب الأولى لا يعني توقف المشروع, فلا ينجح كل شيء من أول مرة, وأن لا بد من صنع انسان اكثر حصانة أمام الأمراض, إن لم يكن الآن فمتى؟
المعارضون قالوا بدورهم, ان التلاعب بالجينوم البشري عمل غير اخلاقي, وأن المؤسسات الطبية الكبرى, لا تعنى من وراء ذلك سوى التربح المادي, فالجسم قادر على تطوير مناعته بنفسه دون حاجة إلى العبث بإنسانيته.
وقد ناصر المعارضون الشارع الثائر في موقفه. وراحوا يرفعون اللافتات ضد من يلبسون ثياب العلماء, الذين لا هم لها سوى التربح السريع فقط.
من بين اسئلة راح الكل يتداولها, سؤال مهم: ما السبب الذي يجعل الأطفال الجدد يأتون بملامح حيوانية؟
لم تعط المقابلات التلفزيونية, والاحاديث الصحافية, والتحليلات الطبية تبريرا منطقيا. فالكل يكرر اسبابا غير مقنعة, ويراوح مكانه, إلى أن قال واحد من العلماء شيئا مختلفا ومثيرا للإنتباه: ان الإنسان هو حيوان كباقي الحيوانات من حيث التصنيف البيولوجي, والاختلاف الوحيد الذي يميز بين الحيوانين هو قدر من العقل يملكه الأول ولا يملكه الثاني. وما حدث ببساطة, ان العبث العلمي بالجين الإنساني, ادى الى تضاؤل العقل البشري حتى تساوى مع الحيوان, فما عاد هناك فرق بين الانسان والحمار, او الانسان والدجاجة.
بدا الشرح منطقيا ومخيفا في الوقت ذاته, لكنه أثار سؤالا آخر: لماذا تختلف هيئة الفرخ البشري كل واحد عن الآخر, فتارة هو على شكل دجاجة, وتارة في هيئة ثعلب أو حمار؟
لم يأت الجواب هذه المرة من عالم أحياء أو مركز ابحاث, بل من فيسلوف. قال: كشف العبث العلمي بجينات الإنسان عن حقيقتنا. فاصبحنا نرى من نكون في داخلنا بعيدا عن اقنعتنا المزيفة. فأحدنا هو دجاجة في داخله وفكره وشخصيته, وآخر فيه مكر الثعلب أو صبر الحمار.
تصاعد غضب الشارع من الفراخ البشرية, ومن ربطه وسلالته بالحيوان. وراحت المظاهرات تعم العالم رافضة هكذا تجارب علمية لا أخلاقية.
تدخلت منظمة الصحة العالمية وأيدت مطالب المحتجين, لكنها زادت على ذلك ان طلبت جميع الازواج, التوقف عن المعاشرة الجنسية, حتى انجلاء الأمر. واضافت بأن العزل اثناء الممارسة الجنسية لا يكون مضمونا, فخصوبة النساء باتت عالية جينيا, حتى انهن قد يحملن من قبلة. عليه, فمن الافضل انفصال الازواج عن بعضهم, مع توصية بأن يكون لكل منهم غرفة مستقلة, ولفترة قد تطول.
رضخ الجميع لمسألة الانفصال, فذاك افضل من الرقاد على بيضة.
بدأت اعداد النساء البياضات تنخفض, وبالمثل اعداد المواليد الطبيعيين.
في المقابل, امتلأت السجون بالمتخاصمين, والمتضاربين, وحتى بالأزواج المخالفين لقانون العزل.
فتحت ضغط العزلة الجنسية, والصيام الإجباري, بات ادنى سبب يدمر بيتا. تساوى الغني بالفقير, والعالم بالجاهل, والقوي بالضعيف, فالكل مأزوم ومستنفر.
ما عاد غريبا لو جز أحدهم رقبة صديق له, وحوله إلى قطع صغيرة. ولا هو بالامر الاستثنائي ان تتحول الاحياء الى ثكنات عسكرية يتمترس فيها الجيران ضد بعضهم. النساء كانت فرصهن في تصفية الحسابات اكبر. فواحدة دفنت حماتها حية, وأخرى صلبت جارتها على سطح منزلها. واختفى في حي واحد ثلاثة ازواج لم يعثر على اثر لهم حتى اليوم.
حتى الاطفال, راحوا يحولون العاب القتل التي تعلموها على اجهزتهم الالكترونية, الى واقع يمارسونه مع بعضهم, فمن يموت يخسر, ومن يربح ينجو الآن ليموت لاحقا.
تغلغلت الخصومة في كل نفس. وباتت النار في كل بيت, والدم طلاء كل شيء, والأظافر والاسنان تنتظران الضحية القادمة. لقد كشف الانسان بالفعل.. عن الحيوان في داخله.
تم زيادة اعداد القوى الأمنية في كل دولة لفرض القانون, وفض أي اعتصام وقمع اي احتجاج. وراحت هذه القوى تستخدم الهروات حينا, أو ترفع صور بيضة حينا آخر, وكأنها تقسم ان تجعل الجميع ينام عليها.
هدأت الامور قليلا, وعاد العلماء يبحثون في اجتهاد عن لقاحين, واحد يحارب كورونا, وآخر يزيل لعنة البيضة. وجرمت الأمم المتحدة, ومنظمة الصحة العالمية, أي تجربة علمية جينية جديدة.
مضت عدة اسابيع, والأمن يجاهد لفرض الأمن, حتى توقفت كل النساء عن الحمل لا ببيضة ولا جنين. استبشر الناس خيرا, وتم وضع خطط لبدء الخروج من العزلة, وتنظيم العلاقات الزوجية من جديد, وعودة الحياة الى طبيعتها.
أصبح كورونا مرض عابر, بل ومرحب به, ان كان ثمن ذلك ان لا تبيض امرأة مرة ثانية.
بعد أشهر, ما عاد احد يذكر الأيام الماضية وكأنه يهرب منها, فقد كشفت عن وجهه الحيواني أمام نفسه وعائلته, صديقه وجاره. والصديق والجار مثله يهربان, الى حضن كذبة عن تاريخ نبيل لجسدهما الانساني, المسكون بالحكمة والبصيرة.
أحرقوا سجلات الشرطة والمستشفيات, والصحف التي تحدثت عن تلك الحقبة الدموية, والكتب التي وثقت ايام البيضة والعزلة. عملوا باستماتة, كي تخرج أيام الخصومة المخزية تلك من ذاكرتهم.
تزينت الحدائق بالورود. وفتحت المدارس والجامعات أبوابها, وقرر كبارات كل دولة, البدء بمناهج علمية جديدة ومختلفة, توثق نبل الجنس البشري في الأوقات الصعبة, المتسامح الشهم وقت الشدائد.
غسلت البشرية ذاكرتها, ودفنت الماء الملوث في حاويات في أعماق الأرض, كنفايات نووية.
لكن حدث ذات صباح, داخل مستوصف طبي صغير في قرية بعيدة, ان وقف طبيب امام صورة اشعة لبطن مزارع يشتكي من ألم في جسمه. لم يصدق الطبيب ما يراه, وهو يقلب نظره بين صورة الأشعة والمزارع الخمسيني امامه. ثم سأله: هل خضعت لأي تجربة جينية سابقة؟
أجابه بالنفي.

تنحنح الطبيب, وقال: حسن, يبدو أن الأمر قد خرج عن السيطرة. فأنت يا سيدي, وبكل بساطة, حامل. وفي بطنك جنين, له ملامح بقرة.

[email protected]