في أمسية تلوّنت بالحوار والموسيقى والتمثيل والغناء، حملت "ليلة البدر في إثراء" الحضور والمشاهدين إلى عالمٍ نابض بشعر الأمير بدر بن عبد المحسن بن عبد العزيز، وسردت من خلال المقتطفات المسرحية "قصة حب" بروائع الأبيات والحوارات، في مشهديات تجسدت بفرادة التعابير، وسحبت المراقب إلى عراقة التاريخ وتطلعات الغد من خلال رؤى شاعر أتقن التفنن بألوان الحياة.

مسيرةٌ ثرية
إنها ليلةٌ آسرة! هكذا كانت أجواء هذه الأمسية الفريدة التي استضافها مسرح مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي "إثراء"، تزامنًا مع عام الشعر العربي، بحضور الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، أمير المنطقة الشرقية، ونائبه الأمير أحمد بن فهد بن سلمان بن عبد العزيز، وكوكبة من أهل الفن والقلم ومتذوقي الشعر والمسرح الذين صفقوا طويلًا عند كل فاصل، تأثرًا بالحوار والقصائد والأداء المسرحي والأغنيات.

تجمع "إثراء" و"البدر" مسيرة ثرية من العطاءات، وعلاقة تكامل عبّر عنها عبدالله الراشد، مدير مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، في كلمته، إذ رحب بالحضور قائلاً: "يأتي احتفاؤنا بمن جمع بين جزالة القلم وعنفوان الريشة تزامناً مع مرور خمسة أعوام على افتتاح المركز، وامتدادًا لعلاقته بهذا المركز منذ انطلاقته. إننا في هذه الليلة الاستثنائية لا نستضيف "البدر" بل كلنا في ضيافة "البدر"، يتوّج علاقته بـ"إثراء" عبر انتاجٍ مسرحي ضخم وفريد أبدعه وأشرف على تفاصيله بنفسه ليقدم رؤية فنية حديثة ترتقي لذائقة الجمهور. ولقد تشرّف "إثراء" بالمساهمة في إنتاجه تأكيداً على دوره في دعم المشهد الثقافي والفني".


لقطة شاملة للمسرح خلال الحوار(واس)

تفاصيل ورؤى
انطلقت الأمسية بالنشيد الوطني السعودي عزفته الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو وليد الفايد، ثم بدأت بمشهدية مسرحية رومانسيةبعروضٍ لامست المخيلة بأبيات شعر وحوارات جدلية رافقتها أضواء ومؤثرات صوتية رائعة.

أطل الفنان د. عبد الرب إدريس، إلى جانب عدد من الأصوات السعودية الشابة، وهم معاذ بقنة ونواف الجبرتي وزينة عماد، بباقة من الأغنيات سلطت الضوء على بصمات شعر البدر على مسيرة الأغنية السعودية عبر الحقبات الزمنية المتعاقبة.

كان الحوار مشوّقا بوضوح الأسئلة التي طرحها تركي الدخيل، سفيرُ خادم الحرمين الشريفين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي وصف "البدر" بـ"قائدٍ ثقافي ألهم الشعراء والفنانين والكتاب لينحازوا للجمال، وحفّزهم ليحتفلوا بالفن، وحرّضهم على الابداع وأوصاهم بألا يكون لهم سقفًا دون السماء".

استمر اللقاء كجلسةٍ ثقافيّة وثّقت رؤى "البدر" ومقاربته لاختلاجات المشاعر الانسانية، وعبّرت عن قناعاته ووجهة نظره في أمور عدة، بينها رفضه مقارنته بشعراء آخرين، من الزمن القديم أو الحديث.

وإذ أكد تنصله من أي مقارنة مُفاجِئة قد تُطرَح عليه في هذا المجال، قال: "لو قارنت بيني وبين شاعر بحجم المتنبي، سأكون مخيّرًا بين أن أظلمه أو أظلم نفسي، ولست فاعلًا أيًا من الأمرين".

وأوضح مفهومه للحب بأنه واسع باتساع الحياة؛ إذ هو مرادف لحياة الإنسان، فهو لا يقتصر، من وجهة نظره، على العلاقة بين إنسان وآخر فحسب، ولا على المعنى الضيق في حب رجل وامرأة، إنما له أشكال عدة أشمل، مثل حب الخير والسعادة، قائلًا: "نحن بشكلٍ أو بآخر، نحيا بالحب ونحب لنحيا".

تعقيباً على الجملة اللافتة التي وردت في إحدى المشهديات المسرحية خلال اللقاء، وهي "الحزن لعبة الشعراء"، أوضح ان أكثر الناس طلبًا للحزن هم الشعراء. قال: "حتى المتنبي الشهير شكر سيف الدولة لأن الخلاف بينهما، إضافة إلى الحزن الذي عاشه، هو ما دفعه إلى كتابة أجمل القصائد في الشعر العربي".

=سأله الدخيل: "كيف تحرّض المعاناة على الإبداع؟". فأجابه الأمير: "المعاناة تحرّض على الشعر عند تجاوزها، فالشاعر يُسخِّر المعاناة لشعره ولا يُسخِّر شعره للمعاناة".

واعتبر"البدر" أن الشعر كالصديق الحميم والطيب، "تناكفه ساعات وتصفو له ساعات"، موضحًا أن قامة الإنسان تختلف باختلاف الظروف التي يمرّ بها، فقد تثقل عليه الظروف فيشعر بأن قامته أقصر، وقد يسير في صفو وقوة، فيشعر أنه يطول السماء.

وتطرق الحوار للفخر والاعتزاز في شعره، فاعترف بكتابة أشعار الزهو بالنفس والعزة، وقصائد في تقدير الذات، مشيراً إلى أن زوجته اتهمته بالغرور بسبب تلك القصائد. وأردف موضحاً: "يتعرّض الإنسان في حياته لبعض المواقف التي تستوجب اللجوء إلى الفخر في حديثه، كأن يتحدث عنه شخص بالتقليل منه، وكمن يرى كوكب المشتري صغيرًا بسبب بعده بينما هو لا يعرف حقيقة حجمه".

روح الوطنية
وشرح البدر أن رغبته في بعث الروح الوطنية في الشباب كانت الدافع وراء نظمه الشعر الوطني. قال: "عندما أؤلف أغنية وطنية، أريد إيصال شعور الوطنية إليهم، كأنني أقول لهم هذا بلدكم، عندنا وطن وناس نفخر بهم".

تابع: "من لا يعتز بوطن مثل المملكة وناس مثل أهل المملكة فلا أمل في أن يعتز بالحياة"، مؤكدًا أن الأرض التي يتحدث عنها في قصائده هي أرض المملكة التي تتسم بالطهارة. وقال: "هذه الأرض بالنسبة إلي هي البلد والطهارة التي تستمدها من بيت الله ومسجد نبيه، فهي أراضِ مقدسة لا أطهر منها على وجه الكوكب".


لقطة من افتتاح معرض الرسوم(واس)

افتتاح المعرض
فيما أكد الأمير عزته وفخره بقيادة المملكة الرشيدة، مبينًا فخره بخادم الحرمين الشريفين، وولي العهد، شكر كل من ساهم في إنجاح هذه الليلة الثرية بالفن والشعر والثقافة، مثمنًا جهود كل القيمين على "إثراء" والعاملين فيه.

يذكر أن أمير المنطقة الشرقية دشن خلال الحفل، معرض" البدر" المصاحب للأمسية، والذي يستمر في مركز "إثراء" حتى نهاية مايو المقبل. ثم جال مع الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن بحضور نائب أمير المنطقة الشرقية، واطلع على المحطات الملهمة التي دفعته الى رسم هذه اللوحات منذ الثمانينات وحتى الوقت الحاضر في انطباعات تجمع بين العراقة والحداثة الممزوجة برؤية شاعر يغمس ريشته بعبق الصور والكلمات.


جولة في معرض "البدر" لرسومات الأمير الشاعر في مركز إثراء(واس)