في التاسع من شهر حزيران-يونيو من العام الحالي، توفي عالم الاجتماع الفرنسي الكبير ألان توران المولود عام1925. وهو يعدّ واحدا من أهم من ابتكروا ما أصبح يسمى بـ"علم الاجتماع الميداني"، أي ذاك الذي يحتك أصحابه بالتجارب الاجتماعية قبل أن يبلوروا نظرياتهم وأطروحاتهم حولها.

ومن أهم أعماله تلك التي خصصها لثورة ربيع 68 الطلابية، وأيضا تلك التي دَرَسَ فيها بعمق تجربة حركة "التضامن" النقابية في بولونيا، والتي مهّدت لسقوط المنظومة الشيوعية في أوروبا الوسطى.

وفي مقالٍ له صدر بالأسبوعية "لوبس" ذات التوجّه اليساري المعتدل، كتب الصحافي الكبير جاك جوليار مقالاً يرثي فيه ألان توروان، مُضيئا أعماله ومسيرته الفكرية التي تمتد إلى أزيد من سبعين عامًا.

وهو يقول إنه-أي ألان توران- كان يتمتع بمظهر وخصال "السيد" القادر على ان يفرض نفسه في أي مجال، وفي أي مكان. وكان يسعى دائما لتجنب السقوط والتورط في "المؤامرات" الصغيرة التي يحيكها الجامعيون والأكاديميون بمن في ذلك الكبار منهم.

وبالنسبة لجاك جوليار، كان ألان توران أحد رموز العصر الذهبي لعلم الاجتماع الفرنسي إلى جانب بيار بورديو، وميشال كروزيي، ورايمون بودون.

وكل واحد من هؤلاء عرف كيف يؤسس عالما خاصا به في زمن التحولات الكبرى، والرأسمالية الجديدة التي برزت بعد الحرب العالمية الثانية، والشيوعية التي بدأ تألقها ينطفئ شيئا فشيئا بعد اكتشاف الجرائم التي ارتكبت خلال الحقبة الستالينية، ثم خلال الثورة الثقافية الصينية التي أطلقها ماوتسي تونغ في منتصف الستينات من القرن الماضي.

ويقول جاك جوليار أن ألان توران دأب على مدى مسيرته الطويلة على الاعتماد على التجارب الميدانية لبلورة أفكاره وأطروحاته قائلا:" لم يكن ألان توران عالم الاجتماع لمجتمع قائم بذاته، بل لمجتمع بصدد التشكل، والذي هو جوهريًا مجتمع ما بعد العصر الصناعي. لذلك ابتكر كلمة "حركة اجتماعية" السحرية التي تخترق كل أعماله، وتمنحها الانسجام والوحدة". ويضيف جاك جوليار قائلا:" بهذا المعنى يمكن أن نقول بأن "السترات الصفراء"، والنضال ضد اصلاح منظومة التقاعد، حركات اجتماعية. أي أنها ليست أمواجا، وإنما اضطرابات أمواج، تلك التموجات التي تؤثر عموديًا على سطح الماء من دون تدفق الماء".

وكان ألان توران يصف شيوعية ثورة ربيع 68 الطلابية بـ"الشيوعية الطوباوية". وفي كتابه: "ما بعد الأزمة" الصادر عام 1976 ردّ على أصحاب نظرية الصراع الطبقي قائلا: "يجب الكف عن اعتبار الطبقات مجموعات واقعية، والاعتراف بحقيقة العلاقات بين الطبقات، أي الصراعات بين من يمسكون بالسلطة، وبين الذين يناضلون ضدهم".

وفي نهاية مقاله كتب جاك جوليار، يقول: "نحن نأسف شديد الأسف لموته كما لو أنه واحد من أفراد عائلتنا. هو ليس هنا، إلاّ أن فكره، ونبله، وسخاءه وكل هذا يرافقنا دائما".