ليس هناك أدنى شك في أن الفرنسي لوي فارديناند سيلين (1894-1961) هو أكثر كتّاب فرنسا إثارة للجدل سواء على مستوى فن الكتابة، أو على مستوى المواقف السياسية.
فعلى مستوى فن الكتابة هو اختلف عن كبار كتّاب عصره، سابحًا ضدّ كل التيارات، مبتكرًا لغة نحتها من اللهجة الدارجة، جاعلا من تقلبات حياته واضطرابات زمنه الموضوع الأساسي لكل روائعه.

أما على المستوى السياسي فقد ساند النازية، ووقف إلى جانب حكومة فيشي التي خضعت للاحتلال النازي لفرنسا خلال الحرب الكونية الثانية. كما أنه كان مُتّهما بمعاداة السامية إذ أنه كان يُجاهر بكراهيته لليهود مُحمّلا إياهم مسؤولية "تدهور أوروبا"، و"خراب العالم" كما كان يقول.

وعندما دخل الحلفاء باريس، فرّ سيلين مع زوجته وقطه "بيبار" إلى ألمانيا، ثم إلى الدانمارك حيث تم اعتقاله ليمضي هناك سنتين في السجن... ومؤخرا عُثر على مخطوطات له اعتبرت "كنزا" ثمينا".

وتقوم الآن دار "غاليمار" المرموقة بإصدار هذه المخطوطات. كما ستقوم بإعادة نشر روائعه الأخرى ضمن سلسلة "البلياد" الشهيرة المتخصصة في اصدار أعمال عظماء الأدب والفكر من القدماء، ومن المحدثين.

ويسعى فرانسوا جيبو البالغ من العمر90 عاما، الذي كان محاميا للقذافي في قضية "لوكربي"، وبوكاسا الذي نصّب نفسه امبراطورا على افريقيا الوسطى، إلى انجاز فيلم اعتمادا على رواية "رحلة في أعماق الليل"، إلاّ أنه اصطدم بمن تبقى من عائلة كاتبها رغم أنه كتب سيرته، وكان محاميه في أوقات الشدة. كما أن زوجته أودعته كل حقوقه قبل وفاتها. غير أن فرانسوا جيرو لم يبد اهتماما باحتجاج من تبقى من عائلة سيلين قائلا: "هؤلاء لا يعرفون سيلين، وما أظن أنهم قرأوا كتبه.. ومشروع الفيلم قيْد الاعداد منذ أشهر، والعقد جاهز. وسوف يُمضى قبل نهاية الصيف".
ويضيف فرانسوا جيبو قائلا: "إنه مشروع صعب لأن تكلفة الفيلم ستكون باهضة لأنه لا بد من الذهاب إلى افريقيا لتصوير مشاهد الحرب".

وكان لوي فارديناند سيلين الذي كان يتقن اللغة الإنجليزية، قد انطلق إلى نيويورك عام 1934ومنها تحول إلى هوليوود، وفيها تعاقد مع أحد المخرجين بهدف تحويل رائعته "رحلة في أعماق الليل" إلى فيلم إلاّ أن المشروع فشل في النهاية. كما فشلت مشاريع سينمائية أخرى في هذا الغرض. إلاّ أن فرانسوا جيبو الذي تنعته وسائل الاعلام الفرنسية بـ"مجنون سيلين"، يؤكد أن المشروع سوف ينجح هذه المرة لكي تزول "لعنة السينما" نهائيا عن سيلين. إلى جانب ذلك يشرف فرانسوا جيبو على اصدار المخطوطات المنسية منذ عقود طويلة والتي لم يتم العثور عليها إلا في نهايات السنة الماضية.