إيلاف من الرباط :صدر أخيرا للباحثة المغربية مريم مكرم كتاب بعنوان "الإقناع العاطفي في خطاب الحملات الانتخابية " ،وهو عبارة عن دراسة تروم مقاربة الخطاب السياسي الذي وظف في الحملات الانتخابية البرلمانية بالمغرب مقاربة حجاجية تتغيا الوقوف على دور العاطفة في تحقيق الإقناع لدى المخاطبين لبلوغ السلطة وتدبير الشأن العام،انطلاقا من أخلاق المتكلم وصفاته (الإيتوس)، وانفعالات المتلقي المصاحبة وإثارة أهوائه (الباتوس).
الباحثة المغربية مريم مكرم
وتناولت الدراسة الخطاب السياسي لأربعة أحزاب مغربية هي : حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب الاستقلال، وحزب العدالة والتنمية، وحزب الأصالة والمعاصرة؛ إذ من الطبيعي أن تكون خطابات هذه الأحزاب مؤثرة، بالنظر إلى حضورها القوي في المشهد السياسي المغربي خلال المرحلة التاريخية المدروسة.
تجدر الإشارة إلى أن مقاربة خطاب هذه الأحزاب جرت من منظور حجاجي يعرض للحجاج من داخل الخطاب من خلال تصور نظري معاصر يربط بين الحجاج وتحليل الخطاب، أو ما يعرف اليوم بالحجاج داخل الخطاب، الذي يعود الفضل في تأسيسه إلى نخبة من الباحثين من أمثال: روث أموسي، وباتريك شارودو، ودومينيك مانغينو وغيرهم.. ومن المعلوم أن هذا التصور النظري هو امتداد للخَطابة (أي الريطوريقا) التي أسّسها أرسطو قديما، وأحياها شايم بيرلمان منتصف القرن الماضي ، وجدّدها فريق من الباحثين أواخر القرن العشرين وبداية الألفية الجديدة. واتخذت هذه الدراسة من خطاب انتخابات سنة 1997 إلى غاية انتخابات سنة 2016 مدونة لها، وهي مرحلة تاريخية شهد المغرب خلالها، كما هو معلوم، تحولات سياسية غير مسبوقة، فقد عرفت هذه المرحلة مجموعة من الإصلاحات الدستورية بين سنتي 1992 و1996، كما شهدت تكتل أحزاب تاريخية معارضة، وتأسيس حكومة التناوب التوافقي، وبروز أحزاب جديدة بمرجعيات متعارضة، وانطلاق ما سمي ب"بالربيع العربي" الذي توج بوضع دستور جديد للمملكة سنة 2011، وقد أعقب كل ذلك انتخابات جديدة وإصلاحات سياسية جديدة.وكان لكل هذه التحولات، من دون شك، تأثيرها ووقعها على الخطاب السياسي بالمغرب.
وتنطلق هذه الدراسة من سؤال مركزي هو: كيف يشتغل الحجاج بالإيتوس والباتوس داخل الخطاب السياسي بالمغرب من خلال الخطابات التي توظفها الأحزاب السياسية في الانتخابات البرلمانية؟
وبعبارة أخرى، ما دور الانفعالي والعاطفي في الحجاج الذي يمارسه الخطاب السياسي بالمغرب من أجل إقناع مخاطبيه واستمالتهم؟ .
لقد بني هذا الكتاب على ثلاثة فصول أساسية، تضمن أولها المباحث النظرية والمفهومية التي تم من خلالها تحديد التصورات والمفاهيم التي توظفها الدراسة في التحليل والتطبيق. أما ثانيها فقد خصص لتحليل الحجاج بالإيتوس وبناء صورة الذات في خطاب الأحزاب السياسية المغربية انطلاقا من ثنائيات دومنيك مانغينو: الإيتوس داخل الخطاب/ الإيتوس خارج الخطاب، والإيتوس /الإيتوس النقيض، ومن خلال إيتوسات المصداقية كما نجد عند باتريك شارودو، واختص الفصل الثالث والأخير بالاشتغال الحجاجي للباتوس ومخاطبة الأهواء من خلال استراتيجية الترهيب واستراتيجية الترغيب في خطابات الأحزاب السياسية. وذيلت هذه الدراسة بخاتمة تضمنت أهم النتائج والخلاصات المتوصل إليها من الدراسة.ولعل أهمها:
- من الناحية النظرية والمنهجية،يبدو واضحا أن الجهاز المفهومي الذي تقدمه نظرية الحجاج داخل الخطاب، وخاصة عند دومينيك مانغينو وباتريك شارودو، هو جهاز مفهومي قابل للأجرأة.
- من الناحية التطبيقية والتحليلية، يبدو واضحا أن الحجاج بالإيتوس والباتوس مجال بكر وخصب للدرس وللتطبيق، وخاصة عندما يتعلق الأمر بخطاب سياسي تؤلفه الأحزاب السياسية في برامج انتخابيةوشعارات وخطابات وتقارير ونداءات وغيرها من أنماط الخطاب،وتوظفه في حملاتها الانتخابية في سياقات سياسية وتاريخية لها ما يميزها ويخصّها،مع ما يصحبها من شحنات انفعالية تهيج النفوس والأذهان والفضاءات العامة.
التعليقات