إيلاف من فيينا: في روايته الثانية، "شمال الخط"، الصادرة عن مؤسسة الفرقان في مدينة أورفا التركية، يفاجئنا الزميل الصحافي والكاتب تركي محمد رمضان باستصدار روايته التي كان باشر فيها قبل نحو عشر سنوات، فضلاً عن مخطوطات كان قد أنجز أغلبها، لمشاريع روايات وقصص، ولم يكمل بعضها لأسباب صحية من جهة، ومادية لجهة عدم تمكنه من تأمين أجور طباعة روايته الحالية، ولولا مساعدة الأصدقاء والمعارف لم ترَ النور، وهو الذي يعاني الفاقة، ويعيش أزمة صحية خانقة، وجليس مخدعه.

سبق أن أجريت مع الكاتب حواراً في الرّقة بمناسبة إطلاق روايته المتميّزة "برج لينا"، الصادرة عن وزارة الثقافة في نهاية التسعينيَّات، وحدثني عن روايته المخطوطة "شمال الخط" التي ستصدر قريباً.. وهذه الــ"قريباً" مضى عليها أكثر من عشر سنوات.


الكاتب تركي رمضان

وقال لي إنَّ رواية "شمال الخط" وافق عليها قرّاء وزارة الثقافة، وهم نخبة من الروائيين المتميزين، ومنهم الروائي المعروف فوّاز حداد، لكنَّ رئيس الهيئة العامّة للكتاب حينها، وهو موظف إداري (مدير) لم يوافق على إرسالها للمطبعة لأسباب لها علاقة بمضمون العمل الذي يتحدث عن الرَّقة في فترة الخمسينيَّات، اجتماعياً وسياسياً.

تتحدث الرواية عن الانقلابات، وبداية تنظيم الأحزاب في الرَّقة، وعهد الوحدة، وطبعاً هل يمكن ذلك دون الحديث عن المخابرات، وأساليب القمع والتسلّط، ومطاردة شباب الأحزاب من البعثيين والشيوعيين والإخوان وسواهم. وبعدها بقيت الرواية مخطوطة، ولم يستطع طباعتها على نفقته الخاصة لحجمها الكبير آنذاك (600 صفحة من القطع الكبير أي حوالى 160 ألف كلمة)، وقد اختار الكاتب صورة الغلاف للرواية "المأساة"، للفنان العالمي المبدع بابلو بيكاسو بلونها الأزرق رمزاً للوحشة والحزن والخواء.

يقول الزميل تركي محمد رمضان: "اضطررت إلى حذف 200 صفحة من مواقع مختلفة من الراوية لتوفير نفقات الطباعة، التي توفرت من مساهمات بعض الأصدقاء الأحباب، ولا أدعي بأن أي جهة، سواء معارضة أو موالاة ساهمت بقصد أو غير قصد في دعم هذا العمل الروائي الضخم".


غلاف رواية "شمال الخط"

وعن مضمون الرواية يقول: "تتحدث الرواية عن حياة أسرة رقّاوية؛ الأب سوري من أصول تركية، والأم عربية ذات أصول حسينية (نعيمية)، أمّا الأولاد فهم متعلّقون بالوطن سورية وبفلسطين التي كان جرحها لا يزالُ ساخناً. يقرر الأب العودة إلى أورفا، ويحاول مع أهله وذويه أن يعبر الخط، خط الحدود (سكة القطار)، وكل ما يحيطهما مزروع بالألغام، وهو الخبير بالعبور غادياً وآتياً في الاتجاهين، وفجأة يجد نفسه يقف على لغم، وأي حركة سينفجر اللغم، وتتداعى أحداث حياته حتى منتصف الرواية وهو واقف على اللغم".

ويضيف: "في أثناء كتابتي للرواية كنت، في الواقع، أعيش فيها على أعصابي متعاطفاً مع إحدى شخصياتها؛ الأهم من كل ذلك هو عبور الخط ودخول أورفا، لكنَّ الأم والأبناء ظلّت قلوبهم في وطنهم، لا سيَّما حين قامت حرب السويس ومشاركة سورية بها، وتأجيج الشعور الوطني بين السوريين في أورفا، وقررت الأم العودة بأبنائها مغافلة أبو عيالها إلى بلدها ومدينتها، والعودة عسيرة كما هو حال العبور من جهة إلى أخرى، قد نغادر البيوت والأماكن، لكن هل نغادر العواطف والمشاعر؟!".

التقليدية والحداثية
رواية "شمال الخط"، ليست سيرة ذاتية أو حكاية أسرية، إنَّما هي رواية فيها كل أشكال السريالية، والإيهام بالواقعية، والتزينية اللغوية واللفظية لم تقيدها ايديولوجيا سياسية أو تربكها قناعات مسبقة، ولو أنها انحازت للفقراء والمظلومين، ونمت وترعرعت في بيئة غريبة، لكنها أليفة ذات عوالم مختلفة منسجمة ومتباينة.

"شمال الخط"، تشكيلة عجيبة استفاد مؤلفها من أشكال الروي السائدة، وجاء النص بالتقليدية والحداثية، وتميّزت اللغة بالشاعرية والسردية، والكاتب تأثّر كأغلب روائيي المرحلة بقراءاته لكبار الكتاب والمبدعين، مثل: الصحافي والروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، والأديب الألماني غونتر غراس، والروائية التشيلية إيزابيل الليندي، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس وغيرهم كثير.

وأحب أن أشير إلى أنَّ الصحافي والكاتب تركي رمضان، كان في مطلع عمره قارئ نهم، يقرأ نحو خمس عشرة ساعة في اليوم، وكان يقرأ وهو يأكل ويشرب الشاي، أو يدخن، وكانت أمه تخافُ عليه من القراءات الكثيرة كي لا يصابُ بالجنون!