في عام 1999، صدر فيلم الحركة التاريخي "المحارب الثالث عشر"، بطولة أنطونيو بانديراس، الذي جسّد دور محارب عربي مسلم.
ولقي الفيلم فشلاً ذريعاً على المستويين النقدي والجماهيري، لكنْ رغم ذلك حاز "المحارب الثالث عشر" ولا يزال يحوز على استحسان جمهور المسلمين من عشاق السينما.
مرّت 25 عاماً على صدور الفيلم، الذي تضمّن كل أسباب النجاح؛ فالبطولة لواحد من نجوم الصف الأول، والإخراج لجون مكتيرنان صاحب بريداتور (1987)، وداي هارد (1988) وغيرهما من الروائع، فضلا عن أن سيناريو الفيلم مأخوذ عن الرواية المدهشة "أكَلة الموتى" لـ مايكل كرايتون مؤلف سلسلة جوارسيك بارك.
رواية كرايتون هي بالأساس محاولة فضفاضة لإعادة كتابة ملحمة بيوولف (الوطنية الإنجليزية القديمة). وبالمثل، يصوّر فيلم المحارب الثالث عشر قصة أحمد بن فضلان، وهو دبلوماسي عربي عاش في القرن الـ10 الميلادي وقد حُكم عليه بالنفي من بغداد، وعلى كُره منه انضمّ ابن فضلان إلى جماعة من شعوب الفايكنج (شعوب جرمانية نوردية)، وكانت هذه الجماعة تحارب عدوا شريراً، غريبا ومروّعا، على غرار ملحمة بيوولف.
ورغم أسباب النجاح هذه كلها، لقي فيلم المحارب الثالث عشر فشلا على مستوى النقاد وعلى مستوى شُبّاك التذاكر. وتجاوزت تكلفة إنتاج الفيلم حاجز الـ 100 مليون دولار، فيما لم تتجاوز إيراداته الإجمالية حول العالم 61.7 مليون دولار.
وفي وقت عرضه، أعطى الناقد السينمائي روغر إيبرت الفيلم علامة 1.5 من 5، وكتب قائلا إن صُنّاع الفيلم وفّروا "إمكانات إنتاجية هائلة، ولكنْ لمحتوى هزيل".
لكنْ، رغم تناسي الفيلم لفترة طويلة من قِبل غالبية الجماهير، إلا أن جمهور المسلمين من عشاق السينما وجدوا فيه ضالتهم – وهي التجسيد الإيجابي للبطل المسلم على شاشة السينما من هوليوود التي تواجه انتقادات متواترة فيما يتعلق بالصورة السلبية التي غالبا ما تعرضها عن المسلمين والثقافة الإسلامية.
وغير خافٍ أنه حتى اليوم، يتعذر على الباحث أن يعثر على فيلم من هوليوود يصوّر بطلا مسلما صورة إيجابية أو حتى أقلّ سوءا من الصورة السائدة.
وثمة استثناءات تثبت هذه القاعدة، ومن ذلك فيلم "علي" الذي يصوّر السيرة الذاتية للملاكم الأسطوري محمد علي كلاي، وفيلم :مالكولم إكس"، علاوة على بضعة أفلام أخرى متواضعة الإنتاج -تجري في عكس التيار السائد- من أمثال "تريتور" و "بيغ سيك".
لكن أياً من تلك الأفلام، لم يُخصّص له ذلك الكَمّ الهائل من الموارد، مثلما حدث مع فيلم المحارب الثالث عشر، ما جعل فشله نقديا وجماهيريا لافتا للأنظار.
رضا أصلان، مؤلف ومنتج تليفزيوني شهير وأستاذ للكتابة الإبداعية بجامعة كاليفورنيا.
يقول أصلان: "قضيت 20 عاما أحاول صناعة أفلام وعروض تليفزيونية تضع شخصيات إسلامية في الواجهة. وأعتقد أن فيلم المحارب الثالث عشر قد أضرّ بالموقف، لما لقي من فشل ذريع فيما يتعلق بشبّاك التذاكر، على نحو يجعل صانعي الأفلام في هوليود يفكرون مرّتين في إنتاج أعمال أبطالُها شخصيات مسلمة".
ويضيف أصلان: "ولم يكد يمر وقت طويل على صدور فيلم المحارب الثالث عشر (1999) حتى جاءت أحداث سبتمبر/أيلول 2001 فوضعت هوليود في عِداء ضد صورة الشخصية المسلمة".
الرحلة من الرواية إلى شاشة السينما
بعد مرور 25 عاما، يحتاج فيلم المحارب الثالث عشر إلى إعادة تقييم، لا سيما على ضوء إسهامه في تجسيد الشخصية المسلمة على الشاشة، في وقت لا تزال فيه هذه الخطوة (أن يكون بطل الفيلم مسلما) غير مألوفة.
يقول أصلان: "كان مايكل كرايتون يفكّر في عمل إبداعي يصوّر ملحمة بيوولف بطريقة تناسب المشاهد العصري، وفي أثناء ذلك عثر كرايتون على مخطوطة لأحمد بن فضلان والتي تعدّ أوّل وصف يقوم به شخص أجنبي لثقافة شعوب الفايكنغ – وقد استولت هذه المخطوطة على إعجاب كرايتون الذي قرّر بدوره أن يجعل ابن فضلان هذا بطلاً لروايته المنشودة".
وارين لويس، أستاذ مساعد في كتابة السيناريو بجامعة فوليرتون بكاليفورنيا، وهو أيضا أحد الذين قاموا بكتابة سيناريو فيلم المحارب الثالث عشر.
يقول لويس إنه لم يكن هناك شك، لدى معالجة الرواية سينمائيا، أن العقيدة الإسلامية لشخصية البطل ستكون عنصرا أساسيا في العمل.
ويرى لويس أن القائمين على العمل قصدوا أن يقدموا شخصية أحمد بن فضلان على شاشة السينما بطريقة تختلف كثيرا عما كان متواتراً من تقديم صورة الشخصية المسلمة في إطار هزلي.
وليس من المستغرب، إذن، أن يحظى الفيلم باستحسان جمهور المسلمين من محبي السينما، وقد جسّد أنطونيو بانديراس شخصية أحمد بن فضلان في جو من الوقار، رغم أن الشخصية كانت في غير موطنها الأصلي وبين شعوب غريبة هي شعوب الفايكنغ، ولم يكن ذلك مثارا للسخرية من الشخصية كما كان معتادا من قبل على الشاشة، وإنما مثّل فرصة سانحة لإلقاء الضوء على مناقب البطل المسلم وشجاعته.
وحتى عندما سخر أفراد الفايكنغ من حجم جواده، أبهرهم ابن فضلان برشاقته في امتطاء صهوة هذا الجواد، وعندما أسلموه سيفا ثقيلا، سوّى منه سيفا آخر معقوفاً وأظهر براعة في استخدامه.
وكان قد قيل لأحمد بن فضلان "إن عليه أن يكون أقوى، فماذا فعل؟ لقد أصبح أذكى" بحسب وارين لويس، الذي يضيف: "هل تعلم أن عبارة ‘كُن أقوى’ أصبحت شعارا يتردد فيما بين أفراد وحدة عسكرية خاصة في الجيش الأمريكي؟ حتى أنها نُقشت على شارات، وبهذا فقد وجد المعنى صدىً لدى كثير من الناس".
ويمضي لويس قائلا إن هناك مشهدا آخر، عندما تساءل زعيم الفايكنغ عمّا إذا كان باستطاعة أحمد بن فضلان أن يكتب، في إشارة إلى أُميّة معظم العرب على نحو ما درج في هوليود، وقد اختار ابن فضلان أن يكتب بالعربية جُملة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، في لفتة مثيرة قلّما نراها في فيلم هوليودي من دون أن تشوبها الشُبهات.
كيف ردّ الفيلم الاعتبار للشرق؟
في فيلم المحارب الثالث عشر، يظهر البطل أحمد بن فضلان في صورة مسلم ملتزم، وبذلك تجنّب صُنّاع الفيلم الوقوع في شرَك طالما تتبنّاه هوليود حتى عندما تصوّر شخصية المسلم في صورة إيجابية؛ إذْ تجعله محلاً للتعاطف نتيجة لأنه أبعدَ نفسه عن عقيدته. لكنْ في فيلم المحارب، يبدو البطل أحمد مثاراً للإعجاب والتعاطف بسبب التزامه بعقيدته الإسلامية.
تقول لين شاترز، وهي أستاذة مساعدة بجامعة كولورادو: "كم كان مثيرا أن تكون شخصية عربية مسلمة هي محور أحداث الفيلم، وأن ترى هذه الشخصية مجموعات شعب الفايكنغ على أنهم همج في سلوكياتهم، لا سيما في بداية الفيلم".
وبذلك، فإن فيلم المحارب الثالث عشر لا يمثل فقط تخلياً عن الصورة النمطية التي تبنّتها هوليوود منذ حقبة العشرينيات من القرن الماضي للشخصية المسلمة - مثل تلك التي ظهرت في فيلم "الشيخ"، وإنما الفيلم يقلب الصورة بشكل كامل، على حدّ تعبير شاترز.
لا يمكن القول إن فيلم المحارب الثالث عشر يخلو من العيوب، لكنه مع ذلك، ورغم مرور ربع قرن من الزمن، لا يزال يقدّم متعة لدى المشاهدَة عبر قصّة مثيرة ومواقع تصوير مدهشة، وأزياء مميّزة، ومشاهد حركية متتالية مكثفة.
وإذا كان من الصعب في عام 1999، لدى صدور المحارب الثالث عشر، إنجاز عمل بهذه القوة، "فممن الممكن اليوم إنجاز عمل أقوى وأكثر نجاحا بعد أن أصبح لدينا نموذج يمكن الاحتذاء به" على حدّ تعبير رضا أصلان.
التعليقات