ارتفاع عدد العمال الوافدين الهاربين في عمان
حيدر عبدالرضا من مسقط
هروب العمالة المنزلية وعلى وجه الخصوص بات ظاهرة مثيرة للحيرة والقلق، فلو كان هذا الهروب حالات فردية ونادرة وشاذة لهان الأمر، ولكنها تحولت بالفعل إلى ظاهرة يعاني منها الجميع، الأجهزة الأمنية والكفلاء الذين تذهب المبالغ التي يدفعونها لاستقدام سائق أو خادمة هدرا.
السؤال الذي يفرض نفسه حيال هذه الظاهرة السلبية هو: لماذا تهرب العمالة المنزلية بالذات؟ لا أظن أن سبب إقدامها على الهروب يعود لسوء المعاملة أو عدم توفير متطلبات المعيشة اللائقة والكافية من قبل الأسر التي تستقدمها، مع إقرارنا بوجود حالات شاذة تسيئ فيها بعض الأسر معاملتهم، وهي حالات نادرة لا تؤدي إلى جعل هذا الهروب ظاهرة بهذا الاتساع، فهناك حالات كثيرة تمت بعد الوصول بأيام أو أسابيع قليلة، أو حتى تحين الفرصة المناسبة للهرب خاصة بالنسبة للخادمات، ولو كان الهرب بدافع سوء المعاملة مثلا لتوجهت هذه العمالة بعد هروبها مباشرة لسفارات أو قنصليات بلادها أو لأقسام الشرطة لتقديم شكوى على الكفلاء، ولكنهم يختفون وكأنهم أشباح لا تُرى بالعين المجردة أو غير المجردة، مما يعني أن الهروب يتم لأسباب أخرى وأنه عملية منظمة ومقررة لديهم منذ ما قبل قدومهم، فهذه العمالة تدفع مبالغ طائلة للسماسرة في بلدانهم للحصول على التأشيرة التي يستخدمونها بمجرد القدوم ودخول البلاد ومن ثم الهروب.
ومن الطبيعي أن هذه العمالة لا تقدم على الهروب هكذا بطريقة عشوائية ومغامرة، فلو لم تكن لديهم معرفة مسبقة إلى أين يذهبون ولمن يتوجهون لما هربوا بدون وجهة محددة، فهناك بالتأكيد مَن يحتضنهم من أبناء جلدتهم أو من جنسيات أخرى وافدة كونت عصابات لتلقي العمالة الهاربة وتوفير الملاذ الآمن لهم مقابل استغلالهم وأخذ الإتاوات عليهم وتسهيل إيجاد أعمال لهم، ومما سمعته بهذا الخصوص أن العمالة تجد في بلدانهم من يزودهم بأرقام هواتف وعناوين من يتصلون بهم لتنظيم عملية الهروب بإغراء تأمين أعمال لهم برواتب أعلى مما يتقاضونه من الكفلاء حسب العقد وذلك مقابل نسبة يدفعونها لهم، أي أننا إزاء عملية منظمة ومرتبة أوجدت هذه الظاهرة المقلقة فعلا.
أن مشكلة نشوء ظاهرة هروب العمالة المنزلية على وجه الخصوص هو نتيجة لضعف الإجراءات الرادعة التي يفترض أن تجعل من هروب العامل أو العاملة عملية مكلفة لهما، وهو ما يتطلب مراجعة هذه الإجراءات وتطبيق عقوبات رادعة وصارمة، وأبسط وأول هذه الإجراءات المطلوبة هي إسقاط أي حقوق للعمالة الهاربة على مكفوليها في حالة القبض عليها، لا أن يلزم الكفيل بدفع ما عليه حتى ولو بقي شيء لديه لها أو إجباره على استخراج تذكرة سفر في حالة عدم الرغبة في بقائها للعمل لديهم وهو ما يجب أن يتضمنه العقد المبرم معها في بلادها قبل القدوم حتى تدرك عواقب الهروب، وثاني هذه الإجراءات هو إلزام سفاراتها بتحمل مسؤولية مصاريف تسفيرها في حالة الهروب لكونها مسؤولة عن رعاياها الذين يخرقون نظام الإقامة وبنود العقد، وهنا لا بد أن نشير إلى أن كثيرا من سفارات وقنصليات دول العمالة الوافدة تسهم سلبيا في المساعدة على محاصرة ظاهرة هروبها حين تصدر لها جوازات بدل فاقد لكون هذه العمالة تهرب وتترك جوازاتها لدى الكفيل، فلو أنها تدقق جيدا وتتعاون مع الجهات الأمنية في ذلك لأمكن التضييق على هذه العمالة الهاربة، أيضا لا بد من وجود تنظيم أكثر حزما مع مكاتب الاستقدام كأن يفرض عليها تحمل مسؤولية مالية تعوض فيها الكفيل، في حالة هروب العامل أو العاملة، وذلك حتى تكون حريصة ودقيقة في اختبار النوعية التي تستقدمها أو تأخذ عليها ضمانا ماليا مسبقا يحفظ حق الكفيل.
مثل هذه الإجراءات الحازمة مطلوبة وضرورية من أجل ضمان حقوق الكفيل الذي لا يجد بالفعل من يصونها له، فهو يتكلف ماديا بدفع مبالغ للاستقدام ابتداء من قيمة التأشيرة وانتهاء بقيمة الاستقدام، والتي لا تقل عن ستة آلاف ريال، وحين تهرب هذه العمالة أو ترفض العمل كما يحدث أحيانا تضيع حقوق الكفيل الذي يتحمل وحده تبعاته، وحين يريد استخراج تأشيرة بديلة يفرض عليه أيضا دفع قيمتها من جديد مع أنه لا ذنب له في ذلك، فالكفيل في هذه الحالة هو المتضرر الوحيد.
الحقيقة التي يجب أن ندركها هي أننا أمام مشكلة كبيرة متمثلة في هروب العمالة المنزلية والتي باتت بالفعل ظاهرة، وهناك حكايات عن عمليات الهروب هذه تدل عليها، ولا يكفي لمحاربتها وحماية بلدنا من تبعاتها الأمنية والمادية الاكتفاء بالتبليغ لإسقاط المسؤولية النظامية عن الكفيل، بل لا بد من إيجاد إجراءات أخرى تجعل كما ذكرنا من عملية الهروب مكلفة لمن يهرب منهم وسقنا أمثلة عليها، ولعل أهم وأشد إجراء عقابي هو حين يمنع الهارب من العودة إلى بلادنا مرة أخرى لأي سبب، وهذا لن يحدث إلا حين يطبق نظام البصمة الذي سوف يحدد هوية كل شخص حتى وإن غيّر اسمه ومهنته كما هو حادث الآن.
وقد أوضحت الاحصائيات الواردة في التقرير السنوي لوزارة القوى العاملة أن نسبة العمالة الوافدة الهاربة في العام الماضي بلغت أكثر من 11% حيث كان عدد الوافدين الهاربين من أعمالهم المرخص لهم قد بلغ 48136 عاملا وعاملة، في الوقت الذي بلغ فيه إجمالي عدد العمالة الوافدة في عمان في العام الماضي نحو 424788 ألف عامل مقابل 424319 عاملا وافدا في عام 2004 .
وأوضح التقرير السنوي لوزارة القوى العاملة لعام 2005 أن عدد الهاربين الذين يعملون تحت الكفالة التجارية بلغ 28998 عاملا وعاملة، فيما بلغ عدد الهاربين تحت الكفالة الخاصة 19138 عاملا وعاملة ومعظمهم من العمال المزارعين الذين بلغ عددهم 15723 عاملا، فيما بلغ عاملات وعاملي وخدم المنازل الهاربين في العام الماضي 3042 عاملا وعاملة.
وأوضح التقرير أن عمان شهدت خلال العام الماضي 6 حالات إضراب عن العمل في منشآت القطاع الخاص وفقا لبيانات التقرير، موضحا أن المنشآت التي حدثت فيها حالات الإضراب توزعت على أربعة قطاعات إقتصادية ثلاثة منها في قطاع المقاولات وحالة إضراب عن العمل واحدة في كل من قطاع النفط وقطاع الزراعة وقطاع النقل.
وأوضح التقرير أن عدد العمل المضربين عن العمل بلغ 1360 عاملا منهم 1168 عاملا عمانيا و192 عاملا وافدا فيمل بلغ عدد أيام العمل الضائعة نتيجة لهذه الاضرابات 12 يوم عمل.
وأرجعت أسباب الاضراب عن العمل بالنسبة للعمال العمانيين إلى رغبتهم في زيادة الرواتب ومنح مكافآت، وصرف علاوة الصحراء وتحسين وجبات الطعام وتوفير سيارات للطواريء وتركيب هواتف داخل المخيم والمساواة في الحقوق، في حين تركزت أسباب الاضراب عند العمال الوافدين في المطالبة بدفع الرواتب المتأخرة والحصول على إجازات سنوية مستحقة وإعادة العمال إلى بلدانهم وتجديد بطاقات العمل والإقامات المنتهية. أما الأسباب المشتركة للإضرابات فتشمل التضامن مع الغير وتحسين الخدمات المقدمة للعاملين مثل وجبات الطعام والتكييف.
وفي مجال تسوية المنازعات العمالية أشار التقرير أنه تم التعامل مع 4353 شكوى عمالية تتعلق بالفصل من العمل أو المطالبة بتعويضات، ووقد تم تسوية 2839 شكوى وديا فيما تمت إحالة 1263 شكوى عمالية إلى المحاكم المختصة، وترحيل 251 شكوى الى العام الحالي لإيجاد الحلول المناسبة لها.
التعليقات