لندن : من المتوقع أن تصبح معضلة ارتفاع أسعار الغذاء - وهو متغير لا ترحب به البنوك المركزية - نقطة عالقة اعتيادية لصناع السياسة في صراعهم مع ضغوط تضخمية جامحة .

وتسترعي أسعار السلع الزراعية الاساسية من الحبوب الى زيت الطعام انتباه المستثمرين والمستهلكين بدرجة متزايدة مع صعودها الى أعلى مستوياتها في عدة سنوات حيث يفضي تقلب أنماط المناخ الى اختصار مواسم المحاصيل وتراجع الانتاج .

والمشكلة للبنوك هي أن ارتفاع تكاليف المواد الغذائية يضع العراقيل بينما تحاول شق طريقها للخروج من عاصفة مالية نجمت عن أزمة سوق الائتمان التي بدأت في أغسطس آب .

وأسعار القمح هي مثال بارز على ارتفاع أسعار الغذاء جراء زيادة الطلب للاستهلاك البشري ولاستخدامها كمصدر بديل للوقود حيث زادت لاكثر من مثليها إلى مستويات قياسية مرتفعة هذا العام في الولايات المتحدة وأوروبا بسبب قوة الصادرات وطلب محموم في الاسواق الصاعدة وثورة الوقود الحيوي .

وقال ديفيد هارت كبير محللي الابحاث لدى فات بروفتس quot;نطلب من المحاصيل ليس فقط أن تغذي العالم لكن أن تمده بالوقود أيضا. نشعر أن هذا سيكون أساسا قويا جدا لدعم أسعار الغذاء.quot;

وتقول منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة إن التكلفة العالمية لاستيراد المواد الغذائية قد تتجاوز 700 مليار دولار في 2007 وهو أعلى مستوى على الاطلاق.

ويتجسد ارتفاع أسعار الغذاء على نحو صارخ للمستهلكين وصناع السياسات في الاقتصادات النامية والصاعدة.

واندلعت أعمال شغب في مناطق متفرقة منها غرب أفريقيا في حين أن تفاقم أسعار المواد الغذائية في روسيا قد يرفع التضخم لاكثر من 11.5 في المئة هذا العام رغم اتفاق باعة التجزئة على تجميد أسعار البيض والخبز واللبن وزيت دوار الشمس حتى 31 من يناير كانون الثاني.

وعلى نطاق أوسع أظهر بحث لبنك الاستثمار يو.بي.اس تضخم أسعار الغذاء في أكبر الاقتصادات العالمية من حوالي واحد بالمئة فقط في 2005 إلى ما يربو على ثلاثة بالمئة أوائل 2007 مدفوعة إلى حد كبير بارتفاع أسعار السلع الزراعية مثل السكر والبن والكاكاو والحبوب.

وقال يو.بي.اس quot;من شأن زيادة تتصل بالمعروض في أسعار الغذاء أن تدفع معدل التضخم الاساسي للارتفاع بما ينسجم تقريبا مع وزن الغذاء في سلة مؤشر أسعار المستهلكين لكل دولة.quot;

وفي حين لا تمثل المواد الغذائية عموما نصيب الاسد من مجمل سلال مؤشرات أسعار المستهلكين الا أن ارتفاع الاسعار يوجد مناخا متوترا لصناع السياسات الذين يحاولون درء الركود.

وقال فيليب شو كبير الاقتصاديين لدى انفستك quot;قضية التضخم السريع في سعر الغذاء والزيادات الاسرع في سعر الوقود تعقد تحليل السياسة النقدية وذلك ببساطة لانها قد تسفر عن تردد البنوك المركزية قبل أن تخفض أسعار الفائدة.quot;

ومن المنتظر أن يعمد مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الامريكي) الذي يعصف به اضطراب ائتماني عالمي أوقد شرارته انهيار سوق الرهون العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة الى خفض أسعار الفائدة بدرجة أكبر من مستواها الحالي 4.5 في المئة.

وجعل تباطؤ النمو بنك انجلترا (المركزي) مضطرا يوم الخميس إلى خفض أسعار الفائدة للمرة الاولى في عامين الى 5.5 في المئة لتعزيز الاقتصاد.

لكن الخطوة اتخذت بصعوبة اذ شكك البعض في حصافة قرار البنك نظرا لتفاقم ضغوط الاسعار ولاسيما في المواد الغذائية والوقود مع استمرار النفط قرب أعلى مستوياته.

أما البنك المركزي الاوروبي فلايزال التضخم على رأس أولوياته مع تأكيد رئيسه جان كلود تريشيه على مخاطر ارتفاع الاسعار بما في ذلك فرص حدوث زيادات جديدة في اسعار النفط والسلع الزراعية.

وفي خضم اضطراب السوق هذا العام حافظت السلع الاولية على قوتها مع استمرار ثقة المستثمرين في موجة صعود محمومة كملاذ للتحوط من ضعف العائدات في أسواق أخرى.

وقال هارت إن عملية التمدن في دول الاسواق الصاعدة ولاسيما الصين ذات الثقل الاقتصادي هي عامل طويل الامد يضاف الى ضغوط أسعار المواد الغذائية في المدى المتوسط الى الطويل.

وقال quot;الارقام ترتفع ونظمهم الغذائية تزداد ثراء. هذا ليس شيئا سيعكس نفسه.quot;

وقالت كارمن سواريز كبيرة الاقتصاديين لدى الاتحاد الوطني للمزارعين في بريطانيا ان حلا محتملا لمشاكل شح معروض المواد الغذائية قد يتمثل في تقنية لاتزال تعتبر غير مطروحة في بعض الدوائر.. المحاصيل المعدلة وراثيا.

وقالت quot;السؤال الكبير هو هل من الممكن أن تغير هذه الزيادة المحتملة في أسعار الغذاء مواقف الناس من المحاصيل المعدلة وراثيا.

quot;عندما يبدأ الناس تلقي الضربات في جيوبهم لارتفاع أسعار الغذاء عندها ربما يبدأون تغيير مواقفهم.quot;