البطالة.. فقاعة أخرى توشك أن تنفجر..!


محمد بن عبد الله الشريف

حال بيني وبين استكمال ما بدأته الأسبوع الماضي، مما يعتلج في صدور المواطنين ونفوسهم، حول موضوع البطالة، الحيز المخصص لمقالي في الصحيفة، إضافة إلى أن التعقيبات التي وردت على المقال دفعتني إلى استكمال ما بدأت، ولسان حالي يردد:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع

فموضوع البطالة هم يحمله كل مواطن غيور على بلده، فضلا عن المسؤول الذي يقع عليه في الأساس عبء مكابدته، ومسؤولية بحثه، وإيجاد العلاج له، أمام الله، ثم الوطن والمواطن، لأنه (إذا وقعت الواقعة، ليس لوقعتها كاذبة) (الآيتان 1 و2 من سورة الواقعة). والواقعة المقصودة هنا هي انفجار المشكلة، بعد أن تتضخم أكثر مما هي عليه، وتمتد جذورها، وتتعمق آثارها، قبل أن نجد لها الحل.!، وكثيرا ما أتساءل بيني وبين نفسي، هل كنت متشائما أكثر من غيري في النظر إلى هذه المشكلة. أم أنني أضع على عيني نظارة قاتمة تجعلني أركز على النصف الفارغ من الكأس، دون النظر إلى نصفها الملآن، إذا كان موجودا بالفعل، أم أن كثرة الاسترخاء والدعة والغفلة، قد خدرتنا وصرفتنا عن التفكير في مستقبلنا، وما يحيط بنا من مشكلات؟
بيد أنني عندما أتأمل في تعقيبات المواطنين، وما يدور في المجتمع من أحاديث وأحاسيس، أجد أنها تسللت كلها من معاناة حقيقية، ونظرة أشد قتامة مما أزعم أنني اتهمت به نفسي..! ويأخذني حينئذ التساؤل إلى أبعد من ذلك: هل المواطن أكثر حرصا وإحساسا بالمشكلة، وأشد غيرة على وطنه، من المسؤول الذي تقع عليه المسؤولية الأولى في هذا الأمر الذي عهدت إليه الدولة رعاية هذا المواطن، وحفظ حقوقه وحمايته، باعتباره صاحب الحق الأول في بلده، قبل أن تستولي على هذا الحق هذه الجحافل القادمة من كل صوب؟ التي يرى المواطن أنها تغتصب رزقه، وتحول بينه وبين العيش الكريم، بمباركة هذا المسؤول أو ذاك؟! ولا أجد إجابة عن هذه التساؤلات غير اجترار هذا البيت من الشعر الفصيح:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
مع الفرق في اللفظ والانطباق في المعنى!
وهذا البيت من الشعر الشعبي:
أهلي يلوموني ولا يدرون
والنار تحرق رجل واطيها
أي أن من في بيته عاطل عن العمل، في ريعان الشباب، سواء كان ذكرا أو أنثى يتجرع الحسرة عندما يطل في وجهه كل صباح، وهو يراه خارجا من المنزل، متأبطا ملفه، باحثا عن عمل، ثم يرتد إليه حسيرا آخر النهار وقد لفح الذل وجهه من كثرة ما أراق ماءه على عتبات أصحاب العمل، وليس منهم من تكرم بمقابلته، عدا سكرتير غير سعودي في الغالب! ولسان حاله يردد مع الشاعر العرجي:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر
أقول: إن من حاله هكذا من المواطنين، وهم كثر، غير من ينظر إلى الوضع من مكتب فاره، وأبناؤه ينعمون بأفضل الوظائف، أو يردد مع بعض أصحاب العمل: إن المواطن غير ملتزم، ولا يتحمل المسؤولية، ولا يستقر في مكان، ويعد تشغيله مجازفة بالعمل..!، وهذه الادعاءات يمكن أن يكون بعضها مقبولا لو تساوى الموظف الأجنبي مع المواطن في التكلفة، غير أن ما يدحضها هو الفارق الكبير في التكلفة على صاحب العمل الذي يركز في الاستقدام، غالبا، على العمالة منخفضة التكلفة، فضلا عن أن السعودي لا يقبل الاستعباد وانتهاك الحقوق، والطاعة العمياء بالعمل أكثر من الوقت النظامي..!
وبالتالي فإن إحساس السمؤول بالمشكلة لن يكون بدرجة إحساس المواطن وهو يرى أنه أولى بالعيش الكريم في بلده، من هؤلاء الذين يحيطون بمنزله، ابتداء من البائع في البقالة المجاورة، إلى السكرتير الذي يطل في وجهه كل صباح، إلى المدرس أو المدرسة الأجنبية في المدارس الأهلية..! لا سيما عندما يحس أنهم لا يفضلونه، تأهيلا ومقدرة وولاء..!
تقول الأرقام إن في المملكة ما يقرب من ثمانية ملايين عامل أجنبي، هذا غير المتخلفين بعد الحج والعمرة، والمتسللين عبر الحدود البرية والبحرية الشاسعة، وتقدرهم أكثر التوقعات تحفظا بمليون عامل، كل هؤلاء يضغطون على الأمن، والمرافق والخدمات، والسلع المدعومة، ويرى المتعقلون المنصفون، أننا لا نحتاج أكثر من خمسة ملايين عامل في مختلف القطاعات، أي أن البلاد تنوء بما يقارب أربعة ملايين يلهثون وراء الكسب بأي أسلوب، ومن لا يصدق فليرجع إلى ما تنشر الصحف، نماذج منه كل يوم، من ممارسات تبتعد عن الأخلاق والقيم..! أو ليزر أواسط المدن في الرياض، جدة، مكة المكرمة، والدمام، ناهيك عن القرى والهجر، وحتى الجبال، ليرى بأم عينه ويتأكد من أن صراع المواطن ليجد فرصة عمل، سيطول في ظل هذا الوضع.
لا أعتقد أنني سآتي بجديد عندما أقول إن البطالة هي المغذي الأول للإرهاب والجريمة، فالمواطن الذي توصد الأبواب في وجهه، سيجد من يفتح له بابا آخر، بعد أن يذكي فيه مشاعر النقمة على بلده، ويصوره له بأنه يؤوي كل من هب ودب، ويلفظه هو، وسيجد من يرحب به، ويحتضنه، ويمد له يد المال، والآمال، في رغد العيش في الدنيا، أو مع الحور العين في الآخرة.. وهذا قد حصل!
والمواطن الذي لا يجد عملا يدر عليه دخلا حلالا سيجد من يحتويه ويؤويه ويغريه، بفتات المخدرات، حتى إذ ما انجذب إلى هذا المحبط، وعرف أسراره، وأصبح أسيرا له، وجد من يرقّيه إلى مرتبة أعلى في سلم وظائفه، مع زمرة المروجين ثم المهربين، وهذا حاصل بين ظهرانينا!
والمواطن الذي لا يجد عملا ولا يملك دخلا، سيتصور أن مشاركة الناس في أموالهم، والاعتداء عليها بالسرقة، هي السبيل الوحيد المتاح أمامه لكي يعيش.. وهذا حاصل أيضا!
خذوا، وتأملوا.. كيف كنا، وكيف أصبحنا، وما ستؤول إليه الحال إن نحن صمتنا وكابرنا! وقارنوا بيننا وبين دول مجاورة لنا كنا أفضل منها، وخذوا هذا المثل القريب: لقد استمعت وشاهدت في الأخبار قبل أيام، إبان موجة البرد والثلوج وما تبعها من نقص وسائل التدفئة في الأردن، شكوى مواطنين هناك من أنهم يتركون أسطوانة الغاز أمام أبواب منازلهم فارغة باليوم واليومين انتظارا لموزع الغاز الذي اعتاد المرور على المنازل واستبدال الفارغة بالملآنة عندما يراها! فهل يجرؤ المواطن لدينا على ترك أسطوانة الغاز أمام المنزل لحظة واحدة، إذا كانت تختفي ودونها أبواب مغلقة؟!
وأختم بدعوتكم لتتذكروا معي هذا البيت لصالح بن عبد القدوس:

واحذر من المظلوم سهما صائبا وأعلم بأن دعاءه لا يُحجب