الخلاف بين ماليزيا والمشرق العربي (بيع الدين وبيع الوفاء)



لاحم الناصر


اتصل بي أحد الاخوة بعد ان قرأ مقالي الاسبوع الماضي عن بيع العينة في ماليزيا، متمنيا علي لو انني اوضحت في مقالي المجالات التي يستخدم فيها بيع العينة، وقد رأيت في قوله وجاهة، وذلك حتى تتم الفائدة المرجوة من هذا المقال، ولعل من أهم المجالات التي يستخدم فيها بيع العينة في ماليزيا، مجال التمويل، سواء الأفراد او الشركات، حيث استخدم بديلا للسحب على المكشوف، وفي تمويل التعليم والتمويل الشخصي، واستخدم لاعادة التمويل وتمويل شراء الاسهم، كما استخدم بديلا للبطاقة الائتمانية، وفي إصدار الصكوك، وبعد هذا الايضاح لما تم التطرق له في الاسبوع الماضي، سأدلف الى موضوع اليوم وابدأ بأخطره واكثره استخداما لدى الصيرفة الاسلامية في ماليزيا، خصوصا في معاملات السوق المالية الاسلامية، وهو بيع الدين الذي استخدم في اصدار الصكوك وفي التمويل البنكي، عبر خصم الكمبيالات والفواتير وتمويل اعادة التصدير وتمويل التجارة عبر تمويل قبول المستندات والتحصيل وشراء الديون المعروف بالفاكتورينق وتوريق ديون المرابحات وبيع سندات الرهن، وقد سألت الشيخ محمد القري عن حجة الاخوة اعضاء الهيئات الشرعية في ماليزيا، في القول بجواز بيع الديون على هذه الصورة، حيث ان الدكتور محمد القري من اكثر علماء هذا البلد معرفة بالتجربة الماليزية، فأفادني بأنه سمع من بعض اخوانه في ماليزيا من أعضاء الهيئات الشرعية، أنهم يرون ان الدين إذا كان أصله بيعا يختلف عن الدين الذي يكون أصله قرضا.

نعم إن كليهما التزام في الذمة لدفع مبلغ من المال في المستقبل، لكن هذا الالتزام في نظرهم إذا كان ناتجاً عن بيع سيارة بالتقسيط يبقى ان ما يقع بعد ذلك من بيع وشراء للكمبيالة محله تلك السلعة التي تولد عن بيعها بالآجل الدين المذكور، الحقيقة ان هذا التعليل الذي ذكره الدكتور محمد عن الاخوة اعضاء الهيئات الشرعية في ماليزيا غريب لم يسبقهم اليه احد من الفقهاء المتقدمين او المتأخرين، وقد نص قرار مجمع الفقه الاسلامي الدولي على أنه لا يجوز بيع الدين المؤجل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه، لإفضائه إلى الربا، كما لا يجوز بيعه بنقد مؤجل من جنسه أو غير جنسه لأنه من بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه شرعاً، ولا فرق في ذلك بين كون الدين ناشئاً عن قرض أو بيع آجل. اما بالنسبة لحسم الاوراق التجارية الكمبيالات، فقد نص مجمع الفقه الاسلامي على أن حسم (خصم) الأوراق التجارية غير جائز شرعاً، لأنه يؤول إلى ربا. هذا في ما يتعلق ببيع الدين. اما بيع الوفاء فهو البيع بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري المبيع إليه، وإنما سمي (بيع الوفاء) لأن المشتري يلزمه الوفاء بالشرط وقد نص قرار مجمع الفقه الاسلامي على أن حقيقة هذا البيع (قرض جر نفعاً)، فهو تحايل على الربا، وبعدم صحته قال جمهور العلماء ومن ثم فهو عقد غير جائز شرعا.


والحقيقة ان هذه المؤاخذات على التجربة المصرفية الاسلامية في ماليزيا يجب الا تمنعنا من الاستفادة منها، بل يجب علينا الاستفادة منها وان نفتح قنوات الحوار العلمي المثمر والبناء مع اخواننا اصحاب الفضيلة اعضاء الهيئات الشرعية هناك، ولعل في دخول بعض المصارف الاسلامية الخليجية للسوق الماليزية، بما لديها من هيئات شرعية تضم نخبة من العلماء الافاضل والتقائهم بأخوانهم هناك وتدارس الرؤى والافكار قد يؤدي الى تغيير ايجابي في مواقف الهيئات الشرعية هناك، خصوصا اننا نظن انهم طلاب حق، كما ان الحكومة الماليزية تسعى جاهدة لنشر الصيرفة الاسلامية والتقريب بين وجهات نظر الهيئات الشرعية، ولا أدل على ذلك من استثنائها للمصارف الاسلامية الخليجية التي تعمل على اراضيها من وجوب تشكيل هيئات شرعية محلية والاكتفاء بهيئاتها الشرعية في البلد الام.