عصام المجالي من عمّان: تشكل تجارة الطرق quot; تجارة البسطات والباعة المتجولينquot; أبرز مؤشر على وجود قطاع الأعمال غير الرسمية في الأردن، حيث تنتشر هذه التجارة بكثرة في المناطق الفقيرة في المملكة سواء في العاصمة أو في المحافظات، وعادة ما يلجأ أصحاب هذه التجارة إلى بيع المنتجات المعروضة بأسعار اقل من أسعار مثيلاتها لدى التجار المرخصين مما يؤدي إلى الإضرار بهم بل وإخراجهم من السوق.
والملفت للعيان حسب تقرير أعدته مجموعة EJAB- World Trade Consultants هو تواجد هذا النوع من التجارة أمام المحال التجارية المسجلة والمنافسة، وتتصدر هذه التجارة قائمة شكاوى جميع غرف التجارة في المملكة، ويبدو إن الجهات المعنية غير قادرة حتى الآن على الحد من هذه الظاهرة المتنامية وذلك نتيجة لتدني الغرامة المفروضة على المخالفين والتي تبلغ 20 دينارا.
وأكد التقرير أن الأسباب الرئيسية للجوء الفقراء للأعمال التجارية غير المرخصة هو الوضع الاقتصادي المتردي في المحافظات والتهرب من الضرائب والجهل بالقوانين. وتحدث أن تواضع العقوبة تعطي الفرصة للباعة المتجولين غير المرخصين الاستمرار في ممارسة أعمالهم . كما أفاد بأنه لا يتم تسجيل كافة أنواع الشركات في محافظة اربد إذ تقتصر عملية التسجيل على شركات التضامن والتوصية البسيطة.
وبحسب الجهات الرسمية فان معظم المنتجات التي يتم الاتجار بها دون ترخيص-وخصوصا منتجات الألبسة- هي منتجات يتم تهريبها من منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة التي تتمتع بإعفاءات كاملة من الرسوم الجمركية.
وعلى الرغم من السياسات الإصلاحية التي اتبعتها المملكة، إلا أن مؤشرات وجود قطاع الأعمال غير المرخصة لا زالت ظاهرة في البيئة الاقتصادية الأردنية. وبتحري هذا القطاع، فقد تبين وجود أسباب عديدة تقف وراء حقيقة عدم لجوء المواطنين من الطبقة الفقيرة الحصول على الصفة القانونية لأعمالهم التجارية والصناعية والخدمية المختلفة، ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى عدم لجوء المواطنين من الطبقة الفقيرة لترخيص أعمالهم التجارية هو الضرائب العالية التي تفرضها الحكومة، وهناك العديد من الضرائب المفروضة على قطاعات الأعمال المختلفة في المملكة وتحت مسميات مختلفة، كضريبة الدخل وضريبة المبيعات والضرائب الخاصة. وتشكل ضريبتي الدخل والمبيعات في الأردن المصدر الأكثر دخلا للخزينة العامة في المملكة إذ بلغ دخل الخزينة من هذه الضرائب ما مقداره 1.6 مليار دينار للعام 2006، وهو مما يدل بحد ذاته على مدى ارتفاع الضرائب في المملكة. وتبلغ ضريبة الدخل ما نسبته 25في المئةعلى الدخل المتأتي من أعمال قطاع الخدمات و15في المئة على الدخل المتأتي من أعمال قطاع الصناعة بحسب نص المادة 16 من قانون ضريبة الدخل لسنة 1985. إضافة إلى ذلك ، تشكل ضريبة المبيعات عبئا إضافيا قد تبرر تفادي المواطنين لترخيص أعمالهم حيث يصل معدل هذه الضريبة إلى ما نسبته 16في المئةمن قيمة السلع أو الخدمات بموجب المادة 6 من قانون الضريبة العامة على المبيعات لسنة 1994 ، مما يساهم في زيادة أسعار الخدمات والبضائع وهو مما قد يضعف القدرة التنافسية للتجار المحليين في الأسواق المحلية.
ارتفاع الأسعار
ويعد ارتفاع الأسعار من الأسباب الرئيسية التي تؤدي لتحفيز الأعمال التجارية غير المرخصة التي تعتمد على التهريب الجمركي والتهرب من دفع الضرائب والرسوم. وتواجه المملكة حالة مستمرة من ارتفاع الأسعار نتيجة عدم قدرة الحكومة التعامل مع الممارسات التجارية غير المشروعة في الأسواق الأردنية والتي تتمثل في الاحتكار ومغالاة التجار في هوامش الربح على حساب المستهلك الأردني. وهناك غياب واضح للسياسات الحكومية في التعامل مع أزمات الأسعار المتعاقبة خلال المرحلة الانتقالية التي يمر بها السوق المحلي حاليا -وهي المرحلة التي تلت الانسحاب المتسارع للحكومة من السوق بوصفها تاجرا أو مصنعا أو مراقبا وتستمر حتى يصل فيه السوق إلى الخضوع الكامل لآليات المنافسة الحرة المشروعة من قبل القطاع الخاص-، إذ اعتقدت الحكومة أن الانسحاب من السوق يشكل بحد ذاته غاية وهو ما أدى إلى ترك السوق المحلي دون وصاية تؤمن استقراره وعدم فوضويته، وبالتالي إعطاء الفرصة لتوسيع نطاق الأعمال التجارية غير المرخصة في المملكة والعمل على بيع المنتجات بأقل كلف ممكنة.
ولعل خير دليل على غياب الوعي الحكومي بالمرحلة الانتقالية هو ما تعاني منه الأسواق من احتكار طبيعي من قبل الشركات التي كانت تؤول ملكيتها للحكومة قبيل عملية الخصخصة التي تمت تحقيقا لخطة الانسحاب من السوق. إذ تمت عمليات الخصخصة حينئذ دون ضوابط تكفل حماية المنافسة المشروعة لمنتجات هذه الشركات مستقبلا، وكان يجدر اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإتاحة الفرصة لدخول منافسين لهذه الشركات بما يصب في مصلحة المستهلك سواء من خلال إعفاء المستوردات المشابهة من الرسوم الجمركية أو تسهيل عملية استيرادها أو إلغاء امتيازات الإنتاج للمنشات التي تم خصخصتها، وهو ما أدى في نهايته إلى إيجاد عمليات احتكار طبيعي في السوق المحلي من قبل هذه الشركات لعدم قدرة المنافسين لها الدخول إلى السوق بالسرعة اللازمة، مما أعطى الشركات التي تم خصخصتها حرية التحكم بكميات الإنتاج وبهوامش الربح للسلع على حساب المستهلك الأردني. ودون أدنى شك أن إيمان الحكومة بالغاية المتمثلة في الخروج من السوق المحلي بوصفها تاجرا أو مصنعا قد انسحب على صفتها الرقابية فيه، الأمر الذي أدى إلى إضعاف دورها الرقابي في السوق المحلي والى ظهور الأزمات السعرية المتعاقبة وهو مما فتح المجال أيضا أمام توسيع نطاق الأعمال غير المرخصة في المملكة.
وعلى الرغم من الشواهد الكثيرة والواضحة للممارسات الاحتكارية من قبل العديد من شركات القطاع الخاص في السوق الأردني إلا أن الحكومة لم تتعامل معها حتى الآن على الرغم من صدور قانون المنافسة في العام 2002 .وعلى الرغم من تعدد الجهات الرقابية على الأسواق في المملكة ( دائرة مراقبة الأسواق، المؤسسة العامة للدواء والغذاء، لجان السلامة العامة، مديريات الصحة والمواصفات والمقاييس)، إلا أن المكلفين منهم في الرقابة على تجارة الطرق غير المرخصة تنحصر في موظفي وزارة البلديات وأمانة عمان الكبرى، وذلك بموجب الصلاحيات المخولة لهم في قانون وزارة البلديات، وتقتصر العقوبة على مخالفات تجارة الطرق تغريم المخالف 20 دينارا بحسب نص المادة 62 من قانون البلديات لسنة 2007، ونظرا لتدني مقدار الغرامة فان في ذلك ما يضعف من قدرة الحكومة على الحد من نطاق الأعمال غير الرسمية. كما تبين في الواقع العملي أن العديد من هذه المخالفات يتم شطبها نظرا للصلاحية التقديرية لرئيس البلدية في شطب مثل هذه المخالفات .
شهادات
وأفاد بشار العمد مدير دائرة الاستثمارات في بنك الصادرات والتمويل بان من الأسباب الرئيسية لوجود الأعمال التجارية غير المرخصة هو ارتفاع نسبة ضريبة الدخل والمبيعات، وان التهرب الضريبي يجعل من تجارة الخدمات والبضائع أكثر قدرة على المنافسة، وقال انه بموجب قانون الضمان الاجتماعي فان صاحب العمل الذي يوظف أكثر من 5 أشخاص ملزم بالاشتراك مع مؤسسة الضمان الاجتماعي وبالتالي تحمل أعباء مالية تصل إلى 10في المئةمن الرواتب. وأضاف إن المواطنين الفقراء يفضلون العمل دون تسجيل في الضمان الاجتماعي على أن لا يعملوا نهائيا وبالتالي لا يسعون لاكتساب امتيازات التسجيل.
ويؤكد القاضي علي المصري بان رسوم المحاكم تعتبر منخفضة نسبيا في الأردن وان الفقراء لا يضطرون لدفع مبالغ باهظة لقاء التقاضي في المحاكم، وأضاف أن النظام القضائي يتيح للفقراء تقسيط الرسوم في حال عدم القدرة على دفعها عند تسجيل الدعوى، كما أشار إلى إن معدل الوقت الذي تستغرقه القضية منذ تسجيلها وحتى البت فيها يبلغ 342 يوم.
ويرى إبراهيم الحوامدة مدير صناعة وتجارة الكرك إن تواضع الغرامة المفروضة على الباعة المتجولين غير المرخصين في محافظة الكرك هي السبب الرئيسي في عدم القدرة على الحد من الأعمال غير المرخصة ، إذ تبلغ هذه الغرامة 20 دينار فقط وأضاف أن لرئيس البلدية صلاحية إلغاء هذه العقوبة دون تسبيب وهو مما يحصل في الواقع العملي. كما أفاد بان المنتجات التي يتم بيعها في المحافظة من قبل الباعة غير المرخصين هي منتجات مهربة من منطقة العقبة الاقتصادية وان معظم هذه المنتجات هي منتجات الملابس.
ويؤكد نايف الشبول مدير صناعة وتجارة اربد إن من الأسباب الرئيسية للجوء الفقراء للأعمال التجارية غير المرخصة هو الوضع الاقتصادي المتردي في المحافظات والتهرب من الضرائب والجهل بالقوانين. وأوضح أن تواضع العقوبة تعطي الفرصة للباعة المتجولين غير المرخصين الاستمرار في ممارسة أعمالهم . كما أفاد بأنه لا يتم تسجيل كافة أنواع الشركات في محافظة اربد إذ تقتصر عملية التسجيل على شركات التضامن والتوصية البسيطة.
التعليقات