بعد مغادرة ما يزيد عن 300 ألف عامل مخالف
الإمارات: نقص حاد في العمالة ومؤتمر للدول المصدرة لها
تاجالدين عبد الحق من أبوظبي
بدأت قطاعات اقتصادية وخدماتية عديدة في دولة الإمارات تعاني من نقص حاد في العمالة بعد مغادرة ما يقرب من 300 ألف عامل أجنبي البلاد، في إطار حملة لتصحيح أوضاع العمال الأجانب المخالفين لشروط الإقامة، أو الذين دخلوا البلاد بصورة غير مشروعة. وفيما اضطرت بعض المصالح الخدماتية إلى تقليص عملياتها، بل إغلاق بعض الفروع لعدم وجود عمالة كافية لتشغيلها، ارتفعت كلفة استخدام عمالة جديدة بديلة عن التي غادرت البلاد بصورة كبيرة خاصة في ضوء الشروط المادية والمعنوية التي يتعين على صاحب العمل توفيرها للعامل الأجنبي قبل الموافقة على استخدامه .

وقال مسؤول كبير في وزارة العمل الإماراتية لـ ( إيلاف ) إن عهد العمالة السائبة التي كان يجري استغلالها بأقل الأجور وأصعب الظروف قد ولى، وإن على أصحاب المصالح والأعمال أن يتعايشوا مع هذه الحقيقة ويتكيفوا مع مقتضياتها. وأوضح هذا المسؤول الذي رفض الإفصاح عن اسمه، أن عملية التكيف ستكون صعبة ومكلفة للذين اعتادوا الاعتماد على العمالة المخالفة كمصدر رخيص لاحتياجاتهم من العمال والموظفين.وأضاف: quot;نحن في مرحلة تصحيح حقيقية لأوضاع العمال الأجانب وعملية التصحيح هذه لا تهدف فقط لحل الإشكالات الاجتماعية والأمنية الناجمة عن تشغيل العمال المخالفين بل ترمي بالأساس إلى منع استغلال العمالة الأجنبية بصورة تخالف الحقوق الإنسانية والشرائع الدولية، وبالتالي فإن الضوابط الجديدة على أصحاب الأعمال عند استقدامهم للعمالة أصبحت أكثر جدية وصرامة.

ومن الضوابط التي تضعها وزارة العمل توفير سكن ملائم للعمال الذين يجري استقدامهم ودفع رسوم ضمان صحي لكل عامل ورسوم عالية لإستخراج تصريح العمل، فضلاً عن ضمانات مالية تضمن ترحيل العامل عند انتهاء فترة عمله وهو ما يعني أن رب العمل يدفع مبالغ عالية عند استخدام أي عامل جديد. وهذا لا يعني فقط حرص رب العمل على توفير أجواء تسمح له بالاحتفاظ بالعامل فترة طويلة بل تعني أيضًا ترشيد عملية استقدام اليد العاملة الأجنبية، التي كانت لعقود تتدفق على البلاد بلا ضابط حقيقي من أجل أعمال أما وهمية أو هامشية مستفيدة من السهولة التي تصدر فيها تأشيرات الدخول وتصاريح العمل.

ويبدو المسؤولين الإماراتيين مطمئنين لردة فعل الدول المصدرة للعمالة على الإجراءات التي اتخذتها السلطات الإماراتية لضبط العمالة المخالفة. وحسب المسؤول الإماراتي، فإن الإجراءات المشار إليها لم تكن إجراءات عقابية للعمال المخالفين بقدر ما كانت إجراءات ضد ممارسات جعلت من العمالة المخالفة ضحية أما لأصحاب عمل جشعيين أو عصابات وشبكات تتاجر بهؤلاء العمال.

ويشير المسؤول إلى إن الإمارات ستستضيف في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل مؤتمرًا للدول الآسيوية المصدرة للعمالة لدول الخليج. وقال: إن دولة الإمارات لم تكن لتستضيف هذا المؤتمر لولا اطمئنانها إلى أن ما تتخذه بشأن المخالفات العمالية سيحظى بترحيب الدول المصدرة للعمالة، لأن هذه الإجراءات ليست إجراءات عقاب جماعية للعمال المخالفين بقدر ما هي ضربة لمافيا العمالة الأجنبية التي تضم شبكات تمتد من دول المصدر إلى دول الاستقبال. وقال إن الشكوى من استغلال العمال لم تعد بالنسبة إلينا قاصرة على الدول التي تصدر العمالة بل هي شكوى لنا أيضًا، فنحن لا نريد أن نظل في مرمى الاتهامات بانتهاك حقوق البشر. وقال أن المؤتمر سيبحث سبل التعاون لاجتثاث ظاهرة الاتجار بالعمال من خلال وضع ضوابط تمنع (مافيا العمال ) من استغلال حاجة العمال للعمل وكذلك منع هذه المافيا من تقاضي إتاوات ورسوم سواء في البلد المصدر للعمالة أو في البلد المستورد. وأشار إلى إن القوانين الجديدة بالإمارات تتضمن عقوبات صارمة على المتاجرين بالتأشيرات وهي لا تستثني أحدًا من هذه العقوبات. وذكر: quot;إننا نعمل على أن تصبح المتاجرة بالتأشيرات عيبًا اجتماعيًا إلى جانب تبعاته القانونيةquot;.

وتقول مصادر اقتصادية إن ارتفاع كلفة العمالة الوافدة لا بد من أن ينعكس على السوق. لكنها تقول إن الظروف الاقتصادية التي تعيشها المنطقة حاليًا قادرة على احتواء هذا الارتفاع . واستطردت قائلة ( لقد ارتفعت أسعار مختلف السلع والمواد وكنا قادرين على التكيف مع هذه الارتفاعات فلماذا لا نكون قادرين على التكيف مع ارتفاع اجور العمالة الوافدة وزيادة كلفة الحصول عليها ) .

تجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات دأبت منذ الطفرة النفطية الأولى على اتخاذ إجراءات لضبط العمالة الأجنبية المخالفة لكن تلك الحملات كانت تفشل أما بسبب الطابع الذي كانت تتخذه وهو معاقبة العمال المخالفين وترحيلهم دون الوصول إلى جذور المشكلة المتمثل بالمتاجرة بالتأشيرات وتصاريح العمل من قبل مافيات متخصصة امتهنت هذه التجارة المحرمة ، وإما بسبب الضغوط التي كان يمارسها التجار وأصحاب الأعمال على السلطات بحجة أن إجراءات ضبط العمالة تعيق أعمالهم وتربكها .

وساعد على استمرار الظاهرة أن الوعي بقضايا العمال وحقوق الإنسان اقل مما هي عليه الآن كما أن تأثير منظمات العمال وحقوق الإنسان كان محصورًا في المنتديات، ولم يكن جزءًا مما تتداوله أجهزة الإعلام . وقد أضافت بعض المظاهرات العمالية التي شهدتها دولة الإمارات في السنوات الأخيرة ضغوطًا على الأجهزة الحكومية ودفعتها للتدخل من اجل تصحيح الاختلال في المعادلة العمالية وخاصة ما يتعلق منها بالجانب الحقوقي الذي كان مهملا إلى حد كبير .