عصام الجردي
باستبعاد أي مغامرة عسكرية جديدة في العام ،2008 يقوم بها الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش، قبل فترة نهاية ولايته الثانية في نهاية العام الجديد، على الرغم من عدم جواز الرهان المطلق على هذا الأمر في ما يتصل بالملف النووي الايراني، مع ذلك يمكن القول، إن مرحلة معدلات نمو الاقتصاد الحقيقي على المستوى العالمي التي شهدناها في السنوات الثلاث الأخيرة قد تبدأ بالانحسار تدريجياً. ذلك ان معدلات التضخم التي تضغط على اقتصادات البلدان الصناعية، نتيجة ارتفاع أسعار النفط ستكون في حال استمرارها دافعاً رئيسياً لزيادة اسعار الفوائد، وسيغدو التضخم أولوية للتصدي لها في سلم السياسات الاقتصادية الكلية.
وتبدو مشكلة التضخم أكثر تعقيداً في دول العالم الثالث والدول الفقيرة غير المنتجة نفطاً. ويعتقد ان بقاء أسعار النفط عند مستوياتها قريبة من 100 دولار أمريكي للبرميل، مع ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية الضرورية، سيكونان مجلبة للقلاقل الاجتماعية في تلك البلدان، التي تشكو اصلاً عجوزاً في موازناتها السنوية، لا تحتمل في أي حال تقديم دعم لاسعار المحروقات، او الاستمرار في دعم مواد غذائية بنهم مفتوح، سواء في المحروقات أو في الرغيف والسكر وخلافها، كما يحصل وليس بوتيرة واحدة في أكثر من بلد عربي بينها مصر والأردن. علماً ان بعض البلدان كلبنان مثالاً تخلت عن الضرائب التي كانت تجبى على البنزين، والتي كانت مورداً جيداً لعائدات الموازنة حين كان سعر البرميل دون 40 دولاراً امريكياً، وبدأت في دعم سعر الرغيف بعدما ارتفعت أسعار الحبوب لا سيما منها القمح والذرة نحو 20 في المائة حدا ادنى مقارنة بما كانت عليه في العام 2006.
في حال دوام النفط مع المحروقات تواجه مأزقاً من ركنين مهمين على هذا الصعيد: الأول إصرار صانعي القرار النقدي والاقتصادي على الاستمرار في الدولار الضعيف لتضييق فجوة العجز التجاري وتسريع الصادرات الأمريكية. ويتعارض ذلك الهدفان مع سياسة فوائد مرتفعة. والركن الثاني يتصل بفكاك مفاعيل أزمة القروض السكنية الأمريكية المنشأ، التي طالت الأسواق الأوروبية مباشرة، وألحقت أضراراً كبيرة بالقدرة الائتمانية لمصارف دولية على صلة بالأزمة. فمع الفوائد القوية سترتفع كلفة الخروج من الأزمة التي استدعت ضخ بضع مئات المليارات من الدولار الأمريكي واليورو لتلطيف ارتداداتها على مئات من المصارف الأمريكية والأوروبية، في وقت تؤكد فيه الدوائر الرسمية الأمريكية والأوروبية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي ان الارتدادات تلك لم تظهر كلياً في ،2007 واننا سنشهد جديداً منها في 2008. وفي تقرير لrdquo;غلوبال إنسايتrdquo; الاستشارية فإن الناتج المحلي الأمريكي سيتراجع في 2008 نحو 170 مليار دولار نتيجة أزمة القروض السكنية.
في اي حال، لدينا ما يحمل على الاعتقاد في ان الاتحاد الأوروبي ودول منطقة اليورو الخمس عشرة، بعد انضمام قبرص ومالطا الى الاتحاد النقدي قد ضاقت ذرعاً بسياسة الدولار الأمريكي الضعيف الذي بدأ يؤثر سلباً في الصادرات الأوروبية. وقد يكون من الصعوبة على الدول الأوروبية إشاحة طرفها عن هذا الواقع، واللجوء مواربة مع الادارة الأمريكية الى تحميل الصين مسؤولية الفجوة التجارية معها، وانتقاد بكين لأن سعر اليوان الحقيقي هو دون الاساسيات الاقتصادية. علما، ان الصين لجأت أخيراً الى زيادة سعر الفائدة على اليوان الى 14،5 في المائة المعدل الأعلى منذ سنوات خمس. ومع ذلك لا يتوقع كثيرون ان يؤذي الاجراء بصورة محسوسة ماكينة الصادرات الصينية المتوثبة.
وتتطلع الصين بدورها الى معدل نمو دون 9 في المائة في العام 2008 مرة أولى منذ سنوات ثلاث، وكل ذلك حؤولاً دون الوقوع في مصيدة التضخم.
مشكلة استمرار ارتفاع اسعار النفط والغذاء ستكون أكثر تعقيداً في دول العالم الثالث. صحيح ان الدول الخليجية النفطية ستراكم مزيداً من الفوائض، لكنها مقبلة على ارتفاع اكثر في التضخم. ذلك ان وفرة السيولة النقدية من فوائد النفط، لا تقابلها قاعدة انتاجية ومعروض من السلع والخدمات. اي هو التضخم عينه. بينما معظم وارداتها باليورو. فعملة الاستيراد اضعف من عملة تصدير النفط. اما الدول النفطية الأخرى ذوات الكثافة السكانية فمشكلتها أعمق. في حين ستتلقى الدول النامية غير المنتجة نفطاً وسلعاً اساسية الصدمة الكبرى، لكونها تعاني عجوزاً في حساباتها الجارية وموازناتها العامة التي تتجه أكثر فأكثر الى التخلي كلياً أو جزئياً عن دعم المحروقات وأسعار السلع الغذائية. ونرى ذلك بوضوح في موازناتها لسنة 2008. أو أن ما هو ملحوظ للدعم في الموازنات يتآكل تلقائياً نتيجة ارتفاعات غير محسوبة في الأسعار. وفي ظل أنظمة سياسية غير شعبية في كثير من دول المجموعة تلك فان ارتفاع اسعار النفط مع الفجوة في المعروض الغذائي سيشكلان وقوداً لغليان الشارع وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في العام 2008.
صحافي وكاتب لبناني
التعليقات