زينب سلبي

بينما كنت أتصفح ldquo;الخطط المستقبلية لبرنامج التنمية العالميrdquo; متأملةً في ما يمكن أن تكون عليه الحياة والعالم بعد 23 سنة، انتابني شعور امتزج فيه التفاؤل والاحباط. وما من شك في أن التطورات التي طرأت على السياسة البيئية والمسؤولية الاجتماعية للشركات، بما في ذلك تنامي تطبيق التقنيات الصديقة للبيئة والدور المتصاعد للمؤسسة البيئية الدولية، هي خطوات ايجابية باتجاه مستقبل مستدام.

وكذلك، فان الصورة المستقبلية للتعليم، في ظل ارتفاع عدد الناس الذين يكملون التعليم الأساسي والثانوي، وارتفاع مستوى المشاركة النسائية على المستوى الجامعي، تبدو مشجعة وواعدة. ويضاف الى ذلك، أن الجهود المتزايدة لمكافحة العنف ضد المرأة وضمان حقها في المساواة مع الرجل، هي في المجمل تطورات مهمة. ولكن في المقابل، أشعر بإحباط يوازي ذلك التفاؤل لأن التوجهات الجديدة على ما يبدو، لا تشمل قضية مهمة ألا وهي ضرورة حدوث تحول جذري في رؤية القيادات على أعلى المستويات، لأولوية الانخراط السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمرأة.

تشير التوجهات الحالية الى نقلة نوعية على صعيد المساواة بين الجنسين لا سيما في مجالات مثل التعليم والحقوق، ولكن ماذا يعني ذلك؟ ومن الذي يقرره؟ ففي حين أن هناك اعترافاً متصاعداً بأن المرأة هي المتضرر الأكبر من الأزمات الرئيسية في العالم بدءاً من الفقر مروراً بالأمراض ووصولاً الى التحديات البيئية، لا تزال النساء مستثنيات الى حد كبير من عمليات اتخاذ القرار التي يمكن أن تساهم في الحيلولة دون وقوع هذا الضيم في المقام الأول. وهذا أمر مثير للقلق بشكل كبير، حسب توقعات ldquo;الخطط المستقبلية لبرنامج التنمية العالميrdquo;، لا سيما ان بقيت المساعدات التنموية تحت رحمة السياسة.

واذا ما أخذنا مرض ldquo;الايدزrdquo; على سبيل المثال، نجد أن التوجهات الرئيسية في مجال الصحة لا تكترث بتداعيات انتقال المرض الى الفئة المزمنة. وتبعاً لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الايدز ldquo;UNAIDSrdquo;، تعد النساء أكثر عرضة من الرجال للاصابة بفيروس ldquo;اتش أي فيrdquo; المسبب للايدز، فضلاً عن أنهن يتحملن مسؤولية أكبر في رعاية الأشخاص المصابين بالفيروس. وهذه مشكلة ذات عواقب اقتصادية واجتماعية وسياسية وخيمة. فعلى الصعيد الاقتصادي، تعد النساء في دول جنوب الصحراء الإفريقية المعيل الرئيسي للعائلة، الأمر الذي يطرح عدداً من التساؤلات المهمة: من سيتولى مهمة توفير الطعام والماء والمواد الطبية، اذا ما أصيبت المرأة بالمرض؟ وان لم تتمكن المرأة من العمل لأنها مضطرة الى الاعتناء بشخص مصاب بفيروس ldquo;اتش أي فيrdquo;، فكيف سيكون تأثير ذلك في قدرتها على كسب لقمة عائلتها؟ واذا كانت المرأة، في هذه الحالة، تقدم خدمات اجتماعية غير مأجورة، كيف ستكون انعكاسات ذلك على الاقتصاد الوطني؟

وعلى الصعيد الاجتماعي، تعتبر الاصابة بمرض الايدز وصمة عار كبيرة، ولذلك نجد النساء حتى في بلدان مثل رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، اللواتي أصبن بالفيروس على يد المسلحين أثناء الصراعات، منبوذات من قبل عائلاتهن ومجتمعاتهن، مما يجعلهن من دون غطاء حماية اجتماعي. وسياسياً، فإن الصوت النسائي مبعد عن المشهد السياسي الرسمي، على الرغم من أنه قد يلعب دوراً كبيراً في حل هذه المشكلة اذا ما أتيحت له الفرصة؛ ناهيك عن الدور المتنامي للسياسة في منح المساعدات التنموية الدولية لا سيما عندما يتعلق الأمر بمكافحة الايدز، والتي غالباً ما تأتي مصحوبة بعدد من القيود التي تحد من فهم النساء لأوضاعهن الصحية وقدرتهن على اتخاذ قرارات مدروسة. وعليه، لن يكون هناك حلّ عملي ما لم يتم بحث حقيقة وأبعاد هذه التأثيرات غير المباشرة بنيّة صادقة، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن الصوت النسائي مسموعاً في منابر النقاشات الرسمية.

ويدرك العديد أن وضع المرأة هو مؤشر لحالة المجتمع ككل. فكما أن العنف والأزمات تبدأ مع المرأة، فإن التقدم والازدهار يبدآن معها أيضاً. ومثال على ذلك ldquo;حركة طالبانrdquo; التي بدأت بفرض قيود على المرأة، الأمر الذي أدرك العالم تداعياته بسرعة. وكذلك الأمر بالنسبة لعمليات الاختطاف وقطع الرؤوس في العراق، حيث كانت النساء العراقيات المهنيّات أول المستهدفين، ومن ثم العاملين في مجال المساعدات الانسانية وبعد ذلك الجنود. ومن هنا، تبرز ضرورة التحول الجذري في رؤية أصحاب القرار في أعلى مستويات القيادة، لدور المرأة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. ولا يمكن تهميش أو تجاهل ldquo;قضايا المرأةrdquo;، أو التعامل معها كجزء من لائحة القضايا المحلية التي تنتظر البت فيها، بل يجب أن تلعب النساء دوراً فاعلاً، وأن تكون أصواتهن مسموعة في النقاشات المتعلقة بقضايا الصحة والبيئة والتكنولوجيا، لأسباب أيديولوجية وبراغماتية. وعليه، فإن الحديث عن بناء اقتصادات أو ديمقراطيات قوية، وأنظمة رعاية صحية جيدة، أو بناء أوطان قوية، يبقى عقيماً من دون مشاركة كاملة للمرأة وافساح المجال لها لممارسة دورها الطبيعي في المجتمع. فالمرأة القوية ستساهم في اتخاذ قرارات قوية تساعد في بناء أوطان قوية وتنمية مستقبلية مستدامة.

وتقدم رواندا في هذا الصدد أفضل مثال، اذ شهد هذا البلد أسوأ الأوضاع الانسانية خلال جرائم الابادة الجماعية في العام ،1994 ويعد الآن مركز النمو والتطور في إفريقيا. وتحقق هذا التغيير في غضون 13 سنة لأن الرئيس أدرك الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه المرأة في عملية اعادة البناء وصياغة سياسات ما بعد الحرب، وأوجد كذلك بيئة تتيح التغيير المنظم والمدروس.

وهذا النوع من التغيير المنظم يتطلب توفر ثلاثة عوامل هي: اقرار المجتمع بضرورة التغيير، ومنح المرأة الفرصة لتنظيم شؤونها ذاتياً لاجراء تغييرات جذرية، والتزام المسؤولين في أعلى مناصب القيادة في مختلف القطاعات. وتم ارساء أسس العاملين الأول والثاني، ولكن التغيير الحقيقي- التحول الجذري- يتطلب أيضاً التزام القيادة في أعلى المستويات. وصحيح أن التغيير يحدث بشكل تدريجي في بعض الأحيان، ولكنه في أحيان أخرى يحتاج الى نقلة جذرية.

ويجب ألا ننسى أن الثراء والقوة والهيبة تفقد معانيها ان لم يتوجها الالتزام بالمسؤوليات الاجتماعية. وعليه، فإننا بدعم أصوات الشعوب، نعمل يوماً بيوم ونتواصل مع الذين يستطيعون احداث التغيير، فأصواتنا يمكن أن تكون نقطة تحول حقيقي. ونحن كقيادات عالمية شابة، نستطيع، ان عقدنا العزم، أن نكون قطب الرحى في هذه النقلة الجذرية التي سترسم مخطط مستقبلنا من أجل عالم عادل وآمن ومستدام.


المؤسسة والرئيسة التنفيذية ل ldquo;منظمة النساء للنساء الدوليةrdquo;، العراق-rdquo;القيادات العالمية الشابةrdquo; في ldquo;المنتدى الاقتصادي العالميrdquo;