د.محمد بن ناصر الجديد

من التجارب الدولية في مجال عمليات الاندماج والاستحواذ تجربة القطاع المصرفي الماليزي خلال العقد الحالي في برنامج عرف باسم برنامج إعادة هيكلة القطاع المصرفي الماليزي. ولد البرنامج بعد أزمة الأسواق الآسيوية في عام 1997، وقبيل دخول الاقتصاد الماليزي في مظلة منظمة التجارة العالمية في 2003.
ألقت أزمة الأسواق المالية الآسيوية في عام 1997 بظلالها على كفاءة القطاع المصرفي الماليزي في مواجهة الأزمات الاقتصادية وامتصاص سلبياتها مما دفع السلطات المالية الماليزية ممثلة في البنك المركزي الماليزي BNM للإعلان عن برنامج إعادة هيكلة القطاعات المالية الماليزية من خلال آليتي الاندماج والاستحواذ.
لم تكن آليتا الاندماج والاستحواذ وليدة اللحظة في القطاع المصرفي الماليزي، حيث سبقتها قبل عقود من الزمن مجموعة من عمليات الاندماج والاستحواذ. فخلال الثلاثينيات الميلادية من القرن الماضي اندمج بنك هونج كونج، والبنك الصيني التجاري، وبنك الصين عبر القارات لتشكل الشركة الصينية المصرفية عبر القارات. عقب ذلك استحوذ بنك هونج كونج وشنجهاي على كامل أسهم بنك ميرشنتايل.
وخلال الستينيات الميلادية من القرن الماضي استحوذ تشار ترد بنك على البنك الشرقي. وخلال التسعينيات الميلادية من القرن الماضي استحوذ بنك التجارة على بنك آسيا المتحد في 1990، ومن ثم اندماجه مع بنك بومبوترا ليشكلا بنك بومبوترا التجاري في عام 1999. كما استحوذت مجموعة رشيد حسين المالية على بنك كونج ينج وبنك سايمي في 1996 و1999، على التوالي.
يرمي برنامج إعادة هيكلة القطاعات المالية الماليزية إلى تحقيق هدفين رئيسين. الهدف الأول تطوير الملاءة الاقتصادية للمصارف الماليزية من خلال دمج الـ 54 مصرفا ماليزيا قائما في عشرة مجموعات مالية ماليزية جديدة. والهدف الثاني إعادة تأهيل المجموعات المالية الماليزية العشرة الجديدة من خلال تطوير إمكانياتها لإكسابها الخبرة العالمية اللازمة للمنافسة العالمية تماشيا مع متطلبات منظمة التجارة العالمية.
بدأ تنفيذ برنامج إعادة القطاعات المالية الماليزية مطلع العقد الميلادي الحالي ضمن إطار عملي من أربعة محاور. المحور الأول توزيع الـ 54 مصرفاً ماليزياً على عشر مجموعات مالية بما يضمن تحقيق أقصى درجات الربحية و الأداء في المجموعات المالية الماليزية العشرة الجديدة.
والمحور الثاني تحقيق أقل درجة ممكنة من تعطيل تقديم الخدمات المصرفية والمالية للسوق الماليزية من جراء تسكين فروع وموظفي الـ 54 مصرفاً ماليزياً في مواقعهم الجديدة في المجموعات المالية الماليزية العشرة الجديدة.
والمحور الثالث تحقيق أقل درجة ممكنة من تكلفة تشغيل المجموعات المالية الماليزية العشرة الجديدة بعد نشأتها. والمحور الرابع التأكد من أن متانة الملاءة الاقتصادية لكل مجموعة مالية ماليزية جديدة، حيث لا تقل حقوق المساهمين ومجموع الأصول عن 2 و25 مليار رنجيت ماليزي، (قرابة 600 مليون و8 مليار دولار أمريكي)، على التوالي.
بدأ تنفيذ برنامج إعادة القطاعات المالية الماليزية مباشرة بعد إعلان الإطار العملي واستمر قرابة العام الواحد. تباينت نتائج تنفيذ البرنامج بين إجابية وسلبية. إيجابياً، سجلت مؤشرات ربحية القطاع المصرفي الماليزي مستويات أفضل من تلك قبل تنفيذ البرنامج. حيث سجل العائد على الأصول نمواً من 0.7 في المائة في 1999 إلى 1.5 في المائة. وسجل العائد على حقوق المساهمين نمواً من 9.8 في المائة في 1999 إلى 20.4 في المائة. وسجلت نسبة القروض نمواً من 3 في المائة في 1999 إلى 5.5 في المائة.
وسلبياً، تكون ثمانية مجموعات مالية ماليزية من أصل عشرة، وإعادة رسم الخريطة الجغرافية لفروع المجموعات المالية الماليزية الجديدة العشرة بإغلاق 187 فرعا، وتغيير مواقع 50 فرعا، وتقليص قرابة خمسة آلاف موظف من مجموع الموارد البشرية للقطاع المصرفي الماليزي.
وعلى الرغم من تباين نتائج تنفيذ برنامج إعادة القطاعات المالية الماليزية، إلا أن هناك العديد من المؤشرات تشير إلى قدرة القطاع المصرفي الماليزي على التنافسية العالمية خلال العقد الميلادي الحالي.
من أهم هذه المؤشرات تواجه المجموعات المالية الماليزية العشرة نحو تخصيص قطاعات الدعم الفني والإداري لديها مما يساعدها على التركيز على تطوير أعمالها المالية. أضف إلى ذلك زيادة درجة التنسيق فيما بينها حول المستوى الائتماني لعملائها وإيجابيات ذلك على تخفيض نسبة عمليات التمويل المدعومة.
يحمل برنامج إعادة هيكلة القطاع المصرفي الماليزي في طياته العديد من الفوائد حول دوافع، وأهداف، وآليات عمليات الاندماج والاستحواذ، وانعكاسات هذه العمليات على متانة الملاءة المالية للاقتصاد الوطني في مواجهة الأزمات المالية والتنافسية العالمية.
الفوائد عديدة عندما ننظر إلى منظومة الاقتصاد السعودي من منظور تجربة إعادة هيكلة القطاع المصرفي الماليزي. فـ quot;صدقquot;، quot;إيتاب الدوليةquot;، quot;المراعيquot;، quot;زينquot;، quot;المتحدquot;، quot;المملكةquot;، quot;أرامكوquot;، وquot;بترورابغquot;، جميعها مؤسسات اقتصادية سعودية مرت بتجارب اندماج، أو استحواذ، أو كلاهما معا.
تباينت أهداف عمليات الاندماج والاستحواذ هذه بين تشغيلية، أو تسويقية، أو جميعها معا. وتباينت في الوقت ذاته نوعية هذه العمليات بين أفقية، من خلال الدخول في قطاعات اقتصادية جديدة، وعمودية، من خلال التوسع في تقديم الخدمات والمنتوجات داخل القطاع الاقتصادي الواحد.
من الأمثلة على العمليات الأفقية دخول شركة المراعي قطاع الاتصالات من خلال شركة الاتصالات المتنقلة وتكوين زين السعودية. ومن الأمثلة على العمليات العمودية توسع أرامكو السعودية في قطاع البتروكيماويات من خلال شركة سوميتومو اليابانية وتكوين شركة بترورابغ. لا يمكن الحكم على الجدوى الاقتصادية من تكوين عمليات الاندماج والاستحواذ هذه بشكل قاطع إلا بعد أن تأخذ هذه العمليات الوقت الكافي لتحقيق أهدافها التي أنشأت من أجلها.

كلية الاقتصاد والإدارة، جامعة أدنبرة - المملكة المتحدة