محمد بن عبد الكريم بكر: عندما صدر قرار مجلس الوزراء قبل نحو عامين (في 27/2/1427هـ) بتأسيس شركة مساهمة لمزاولة الأعمال المصرفية والاستثمارية باسم quot;مصرف الإنماءquot; برأسمال قدره 15 مليار ريال استبشر الناس بذلك القرار الذي خصص نسبة 70 في المائة من رأسمال المصرف للاكتتاب العام بين المواطنين مع توزيع الحصة المتبقية بالتساوي على صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الأجيال), المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية, والمؤسسة العامة للتقاعد بنسبة 10 في المائة لكل منها. تلك المعادلة في التوزيع كانت مفاجأة سارة إذ جاءت مخالفة للتقليد الذي ألفته السوق في الاكتتابات الأخرى التي اختزلت فيها حقوق الجمهور لصالح عدد محدود من المؤسسين.

غير أن معادلة التوزيع لم تكن الجانب السار الوحيد في قرار تأسيس quot;الإنماءquot;, بل كان هناك جانب آخر مطمئن للمكتتبين على مستقبل المصرف عندما اُختيرت تركيبة المؤسسين من بين أكبر الصناديق ملاءة في المملكة, فضلاً عن مساهمتها بحصص مؤثرة في معظم مشاريع التنمية الاقتصادية, ما يشكل منافذ جاهزة وموثوقة للمصرف الجديد لتقديم خدماته في الأعمال المصرفية والاستثمارية. بمعنى آخر هناك منافع كثيرة سيجنيها quot;الإنماءquot; جراء مشاركة الصناديق الثلاثة في رأسماله ستنعكس على ربحية جميع مساهميه.
في مطلع هذا العام, وبعد أن استكمل المصرف الجديد كوادره وتجهيزاته للانخراط في السوق والبدء في مباشرة أعماله, أعلنت هيئة السوق المالية عن طرح ألف وخمسين مليون سهم, أي 70 في المائة من أسهم المصرف, للاكتتاب العام بسعر عشرة ريالات للسهم الواحد خلال المدة من 1/4/1429هـ إلى 10/4/1429هـ. كما أفصحت الهيئة في إعلانها عن آلية تخصيص الأسهم المطروحة التي ستراعي طلبات صغار المكتتبين قبل إتاحة الفرصة أمام أصحاب الأرصدة الكبيرة. بالطبع ستعتمد حصة كل مكتتب في النهاية على العدد الفعلي للمكتتبين وهناك من يتوقع أن يتجاوز ذلك العدد عشرة ملايين مكتتب قياساً على ما تم في اكتتاب بنك البلاد الذي بلغ مكتتبوه نحو تسعة ملايين فرداً. ذلك الرقم المتوقع لمصرف quot;الإنماء quot; يجعل نصيب كل مكتتب نحو 100 سهم بقيمة إجمالية قدرها ألف ريال أو ما قيمته خمسة آلاف ريال لكل أسرة مكونة من خمسة أفراد ما يحقق لها لبنة للاستثمار في مصرف واعد وتأسيس محفظة في السوق يمكن تنميتها على مر الأيام بإضافة سهم من هنا وسهم من هناك. ومن تجارب الآخرين, يمكن القول إنه ليس من المستبعد أن تقابل تلك الأسرة يوماً في قادم حياتها تنظر فيه إلى الوراء وتحمد الله سبحانه وتعالى أن سلكت تلك السبيل.
لكن اكتتاب مصرف الإنماء بكل محاسنه يأتي في ظروف اقتصادية قد تشكل عقبة أمام شريحة عريضة في المجتمع تحول دون مشاركتها. إذ إن موجة الغلاء الحالية أدت إلى حرمان الكثير من ذوي المداخيل الصغيرة من أي فوائض مالية يمكن جمعها وحفظها في وعاء أو آخر لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم. ذلك الغياب عن المشاركة لتلك الفئات من المواطنين سيؤدي, بجانب حرمانهم من فرص استثمارية جيدة, إلى إخلاء الساحة أمام المكتتبين من أصحاب الأموال لخطف حصص كبيرة قد تؤهلهم للسيطرة على المصرف, كما هو مشاهد في معظم المصارف السعودية الأخرى, أو في أضعف الأحوال تحقيق مكاسب رأسمالية ضخمة تزيد فجوة الثروة بينهم وبين السواد الأعظم من المجتمع.

غير أن الحديث لا ينبغي أن ينتهي عند ذلك الحد, فقضية تحسين معيشة المواطن وتخفيف أعبائه تحتل مرتبة الصدارة في أولويات الدولة والشواهد على ذلك كثيرة كان آخرها السبعة عشر قراراً التي صدرت من مجلس الوزراء يوم الإثنين 19/1/1429هـ . إلا أن المواجهة مع موجة غلاء الأسعار والتضخم الجامح قد تطول كما يبدو من كل المؤشرات العالمية والمحلية, ومن ثم فإن الحاجة قائمة إلى تلمس وسائل وآليات إضافية لمساعدة المواطنين في تحسين أوضاعهم المعيشية على ألا تترتب على تلك الوسائل والآليات آثار جانبية سلبية كتأجيج نار الأسعار في الأسواق, أو إهدار المال.
إن الاكتتاب المقبل في مصرف الإنماء يشكل في نظرنا فرصة مواتية أمام الدولة لمساعدة الملايين من المواطنين إن رأت تحمل قيمة أسهم كل من يكتتب شريطة أن توزع الأسهم المتاحة بالتساوي بينهم وألا يتم تداولها قبل مرور ثلاث سنوات على الأقل. ذلك القيد على التداول يكفل منح أصحاب الأسهم فترة كافية للمشاركة في أرباح المصرف ما قد يدعوهم للبقاء في السوق كمستثمرين لأجل طويل وتلك غاية في حد ذاتها, إن تحققت, عظيمة. هناك مزايا عدة لتوظيف اكتتاب مصرف الإنماء كآلية للمساعدة مقارنة بالآليات الأخرى, من تلك المزايا اقتصار المساعدة على المواطنين فقط وسهولة التطبيق إذ يحتاج التنفيذ إلى خطوتين لا أكثر وهما إعلان الحكومة عن نيتها ثم تمديد فترة الاكتتاب من عشرة أيام كما حددتها هيئة السوق المالية إلى 20 يوماً لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من الراغبين للمشاركة.
كما أن من مزايا تلك الآلية الشفافية والمساواة في التوزيع, سهولة التوثيق عبر قواعد البيانات في البنوك دون الحاجة إلى إشغال موظفي الدولة وأجهزتها, تحقيق دخل دائم للمكتتبين ينمو عاماً بعد آخر, غرس ثقافة الاستثمار لدى شريحة عريضة من المجتمع, ومنافع أخرى كثيرة من السلوكيات الحميدة الراشدة التي بات الوطن في أمس الحاجة إليها.