عصام الجردي
وضع الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الكونجرس أمام الأمر الواقع، فاضطر الى الموافقة على خطته التي أطلق عليها تسمية ldquo;حوافز اقتصاديةrdquo;، لانعاش الاقتصاد، الذي كان الرئيس وحتى الأمس القريب في خطابه الاخير إلى الامة، يتنكر لدخوله في مرحلة من التباطؤ الشديدة بعد أيام معدودة، توالت التحذيرات في الاسبوع الماضي من أهل البيت، بأن الاقتصاد دخل فعلا في مرحلة من الكساد، أقرّ بها عضو مجلس الاحتياط الفدرالي عن منطقة ريتشموند جيفري لاكر . وقد حاول تلطيف موقفه بقوله، ان الكساد سيكون معتدلا ومشابها لفترتين حصلتا في الماضي .
يشكك الخبراء الاقتصاديون، والاكاديميون في الولايات المتحدة، من ان تؤدي حزمة الحوافز التي في خطة اقترحها لتوفير نحو 600 دولار أمريكي للافراد، و1200 دولار للزوجين، و300 دولار لكل طفل لا تتعدى واحدة من فقاعات الحوافز الباهتة، مقارنة بالفقاعات الخطيرة التي انفجرت في فترتي ولايته الرئاسية . وكانت الاولى فقاعة شركات التكنولوجيا، والثانية فقاعة العقارات والقروض السكنية . من دون ان ننسى الفقاعة المستدامة التي تمثلت بفضائح الشركات الكبيرة التي بدأت بشركة إنرون النفطية، وامتدت لتطال احدى أهم شركات المحاسبة في العالم آرثر اندرسون، المعنية أصلا بمراقبة الشفافية ولائحة من الشروط القانونية والاخلاقية في عمل الشركات، وممارسات مديريها التنفيذيين . ويتراءى من بعد، ان عصباً من أعصاب بوش قد تحرك انسانيا هذه المرة، بتخصيصه المواطن الأمريكي بحفنة من الدولارات . والحقيقة ان الرئيس توخى من ذلك أمرين بعيدين من ذلك الأول إعادة تحفيز مؤشر انفاق المستهلكين الذي يمثل نحو ثلثي الناتج المحلي في الولايات المتحدة، والثاني الإفساح في المجال له، للاستمرار في خطة كان تبناها لحظة دخوله في الولايات الرئاسية الاولى الى البيت الابيض عام ،2000 وقضت بخزنة حوافز ضريبية لشركات الاسهم والمؤسسات الكبيرة قوامها تريليون دولار أمريكي حتى السنة المالية 2010 .
والدليل، ان مشروع موازنة 2009 الذي قدمه بوش إلى الكونجرس، يستكمل خزنة الحوافز تلك . وكل ذلك ومن أجل تحفيز اقتصاد اثقلته مغامرات الرئيس العسكرية والأمنية خارج الحدود . ونرى ان مشروع قانون الموازنة نفسه، وهو الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة من 3 تريليونات ومائة مليار دولار أمريكي، والذي يفترض ان يعكس عدالة اجتماعية وتوازنا بين طبقات المجتمع، جاء ليخفض من حد الأموال المخصصة لشبكات الضمان الاجتماعي، والتقديمات الصحية والاستثنائية ومن برامج التعليم أي ان ما قدمه في ldquo;خطة الحوافزrdquo; استلب اكثر منه في مشروع موازنة سيكون على خلفه في البيت الابيض مسؤولية التطبيق . وكما في مشروع الموازنة كذلك في الخطة .
فالعجز المرتقب في الموازنة وهو اكثر من 400 مليار دولار سيكون الاكبر ايضا في سنة مالية رئاسية جديدة لخلف بوش، باستثناء عجز بواقع 415 مليار دولار في نهاية فترة ولاية بوش الاولى في العام 2004 .
وفي حين خفض من برامج الرعاية الاجتماعية، لحظ مشروع الموازنة زيادة في ميزانية وزارة الدفاع بواقع 7،5 في المائة، من بينها 70 ملياراً لاستئناف نفقات الحرب في افغانستان والعراق . وزيادة بواقع 11 في المائة لوزارة الأمن الداخلي المستحدثة بعد سبتمبر/ايلول 2001 .
ماذا عن ldquo;خطة الحوافزrdquo;؟ وفقا لخبراء واحصاءات رسمية، فإن ال 152 مليار دولار أمريكي في الخطة، وفيها مائة مليار للأفراد، ونحو 52 مليارا للشركات، يقابلها 6،6 تريليونات دولار، ديون الافراد العقارية من أصل 9،9 تريليونات الديون الاجمالية، أما ديون الشركات الاجمالية - وفق المصادر نفسها - فحجمها نحو 8،5 تريليون دولار .
وكما استخدم بوش سقف نزواته التوسعية في السياسة والأمن وبالآلة العسكرية وراء الحدود، يحاول في سنته الأخيرة رئيساً استخدام كل ما وسعه اجراءات مالية ونقدية للخروج من براثن الكساد الاقتصادي، مع خروجه من البيت الابيض في نهاية العام، والأرجح أن وريثه سيرث الشركين معاً: شرك الوحل الافغاني والعراقي،وشرك الكساد الاقتصادي والعجز المزدوج في الموازنة والحساب الجاري فضلا عن اكبر مديونية لبلد في التاريخ قريبة من عشرة تريليونات دولار .
الأخطر من ذلك، ان الرئيس الأمريكي وإدارته كادا يستنفدان السلاح الاحتياط الأهم لدفع الاقتصاد المتمثل بسعر الفائدة، فمجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي يتوقع له خبراء الاقتصاد والمال الأمريكيون ان يستقدم خفض فائدة جديداً مثل جلسة اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة (FOMC) في مارس/آذار المقبل، المقرر لها النظر في معدل الفائدة الفيدرالية ldquo;fed Fundrdquo;، لن يكون في ميسوره هامش مناورة واسع بعد، تحت مستوى 2،75 في المائة سعر فائدة حداً أدنى، فالتضخم ذاهب إلى حافة 2 في المائة . أي فوق مستوى الناتج المحلي المرتقب في ،2007 الذي يتوقع الاعلان عنه في وقت قريب، ومع بطالة بواقع 5 في المائة، تضاف إلى دستة من المؤشرات الاقتصادية والمالية السالبة، سيخرج هذا ldquo;الرئيس الرسوليrdquo; من البيت الأبيض،والولايات المتحدة في ldquo;برج نحسهاrdquo; السياسي والاقتصادي .
هذا إذا سلمنا جدلاً بأن المصارف الأمريكية ستطلق من جديد عجلة قروضها وتسليفاتها للاقتصاد، بعد الإجراءات المستحدثة لتحريك النمو والوظائف في ،2009 ودون ذلك كما يبدو، رحلة طويلة من إعادة الثقة بين مديري السياسات الائتمانية، والنظام المالي، من جهة، وبين قابلية الاقتصاد على التجاوب مع تلك الاجراءات من جهة أخرى .
الولايات المتحدة في عام انتخابات رئاسية، ومع علمنا بأن المؤسسة الأمريكية تعمل على الدوام، بصرف النظر عن هوية الرئيس القادم إلى البيت الأبيض، بيد أن الفجوة المالية الضاغطة على الاقتصاد الأمريكي من خلال عجز الموازنة لا يبدو أن ردمها يسير، فالحزب الديمقراطي مع زيادة الانفاق على الرعاية الاجتماعية،واستعادة ما اقتطعه بوش منها، والمرشحة هيلاري كلنتون مؤيدة خلافا للأكثرية في حزبها للحرب على العراق وافغانستان أما الجمهوري جون ماكين فليس مؤيدا للحرب وحسب، بل ويتطلع إلى الانتقام من ذرية هوشي مينه الفيتنامي، وقد حمل معه من هانوي بعد أسر سنوات خمس، هدية تلاحقه إلى مهجع نومه: تكيّة سجائر من معدن الفانتوم التي أسقط فيها، وشالاً من حرير مظلته،أنقذته من تدوين اسمه على جدار الجرانيت الضخم في باحة الكابيتول هيل أمام مبنى الكونجرس، وقد وشي الجدار بأسماء ضحايا الحروب الأمريكية خارج بلادهم .
صحافي وكاتب لبناني
- آخر تحديث :
التعليقات