د.عبدالرحمن السلطان:
برامج الدعم أحد الخيارات التي تلجا أليها الحكومات لتحقيق أهداف اقتصادية معينة، أو معالجة اختلالات ترى أنه يمكن معالجتها من خلال برامج الدعم. إلا أنه لا يفترض أن تأخذ هذه البرامج صفة الديمومة، أو أن تدخل في مواجهة حادة مع قوى العرض والطلب في السوق، فهذه القوى سيكون لها الغلبة دوما، وبرامج الدعم يلزم أن تصاغ بصورة لا تسمح باستفادة غير المستحقين، ويجب ألا يكون لها انعكاسات سلبية خطيرة على توجيه الموارد في الاقتصاد.
في المملكة هناك دلائل على أن برامج الدعم لم تحقق أهدافها بكفاءة مقبولة، وبعضها قد يكون حقق نتائج معاكسة تماما لأهدافها. وتأخذ برامج الدعم الحكومي في المملكة أشكالا عدة: أحدها ضمان سعر شراء المنتج بسعر مرتفع يشجع على تحقيق نمو سريع في إنتاجه، وأبرز هذه البرامج كان برنامج شراء القمح من المزارعين بسعر يفوق كثيرا سعره في السوق العالمية، الأمر الذي ترتب عليه، كما نعلم جميعا، ارتفاع هائل في حجم إنتاج المملكة من القمح، بحيث وصل إنتاجنا في وقت من الأوقات إلى ضعف حجم استهلاكنا السنوي وتسبب في استنزاف هائل لمواردنا المائية، اضطرت معه الدولة إلى تخفيض سعر شرائه وبالتالي أهدرت استثمارات ضخمة فقدت جدواها المالية بعد تخفيض السعر ما تسبب في خسائر كبيرة للمستثمرين في هذا القطاع.
شكل آخر من أشكال الدعم الحكومي في المملكة: بيع سلعة أو خدمة بسعر متدن جدا يغري باستهلاك مفرط لها، كما يشجع على تهريبها إلى خارج البلاد. أحد أبرز هذه البرامج برنامج دعم أسعار المشتقات النفطية الذي تسبب في نمو مبالغ فيه في حجم الطلب المحلي على النفط، حيث يصل معدل النمو في الطلب المحلي إلى ما يزيد على 6 في المائة، ما يجعله واحدا من أعلى المعدلات في العالم إن لم يكن أعلاها على الإطلاق. وكان من نتيجة ذلك أن أصبح استهلاكنا من النفط يمثل حاليا نحو 30 في المائة من إجمالي استهلاك أوبك، ويتوقع تجاوز استهلاكنا من النفط هذا العام 2.4 مليون برميل يوميا، أو ما يعادل ربع إنتاجنا النفطي، وما لم يوقف هذا النمو غير المنطقي وغير المبرر، فسيشكل الطلب المحلي خلال سنوات قليلة فقط تهديدا خطيرا لطاقتنا التصديرية. وتجدر الإشارة إلى أنه بعد التخفيض الأخير في أسعار الوقود في المملكة لوحظ حدوث ارتفاع كبير في حجم الطلب على المشتقات البترولية، ليس كله بالضرورة ناتجا عن نمو في الطلب المحلي، وإنما مؤشر على ارتفاع حاد في عمليات تهريب المشتقات البترولية خارج البلاد، نتيجة الفارق الكبير بين أسعار المنتجات البترولية في المملكة ونظائرها في الدول المجاورة.
ودعم مكونات الإنتاج لتشجيع الاستثمار والتصنيع في مجال معين شكل آخر من أشكال الدعم في المملكة، أبرز مثال على ذلك بيع الغاز المصاحب لشركات البتروكيماويات بأقل من عشر قيمته في السوق العالمية، الأمر الذي أغرى الكثير من المستثمرين لمحاولة الاستفادة من هذه الفرصة التي تزداد جاذبية مع كل ارتفاع في أسعار النفط الخام، وأصبح بالتالي هناك تزايد في وتيرة إنشاء شركات البتروكيماويات في المملكة. وهو أمر لن يكون في صالح هذه الصناعة، باعتبارها صناعة حجم كبير ليس من المناسب أن تقوم على شركات صغيرة عديدة، ستكون قدرتها التنافسية محدودة جدا في حال اتخاذ الدولة قرارا برفع سعر بيع الغاز المصاحب، أو عجز إنتاجنا المحلي عن تلبية احتياجات هذه الشركات من الغاز واضطرارها إلى شراء معظم احتياجاتها من الغاز بالسعر العالمي الذي يزداد ارتفاعا يوما بعد آخر. كما أن لهذا الدعم تأثيرا سلبيا آخر على صناعة البتروكيماويات في المملكة، وهو أنه أصبح بمقدور هذه الشركات تحقيق أرباح كبيرة من مجرد تحويل الغاز المصاحب إلى منتجات بسيطة كالإثيلين والميثانول، وليست مضطرة ولا بحاجة إلى الدخول في صناعات بتروكيماوية أكثر تعقيدا قيمها المضافة تبلغ عشرات إن لم يكن مئات أضعاف القيمة التي تحققها صناعاتنا البتروكيماوية حاليا، ما يعني أن هذا الدعم المبالغ فيه قد تسبب في بدائية وعدم تقدم الصناعات البتروكيماوية في المملكة، وهو دون أدنى شك عكس ما كان يهدف إليه برنامج الدعم من إقراره.
وفي ظل تنامي الضغوط لإقرار برامج دعم إضافية ضمن سعي الدولة لتخفيف معاناة المواطن نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، فإن هناك ضرورة لأخذ تجاربنا السابقة في الاعتبار، لكيلا نسهم في خلق مشكلة في الوقت الذي نحاول فيه حل أخرى، أو أن يكون كل ما يتحقق من هذه البرامج المكلفة جدا مزيدا من الأرباح التي تذهب إلى جيوب المستوردين والتجار. فعندما تم إلغاء دعم بعض السلع الغذائية قبل عدة سنوات لم ترتفع أسعارها ولم يشعر المستهلك أن الدعم قد ألغي، ما يعني أن ذلك الدعم كان هدرا ماليا غير مؤثر في السعر الذي كان المستهلك يدفعه ثمنا للسلع التي استهدفها البرنامج، وهناك إمكانية كبيرة لتكرار الأمر نفسه الآن في ظل ثقافة الجشع والطمع التي تسيطر على المستوردين حاليا.
التعليقات